عودة التجنيد القسري في الرقة تؤشر على هشاشة الاتفاقيات الأمنية مع دمشق

قسد تفضل تعزيز قوتها الذاتية على الالتزام الكامل بالتفاهمات.
الأربعاء 2025/10/01
ثقة غائبة

مدينة الرقة ومناطق شمال شرق سوريا تشهد تحولات متسارعة على الصعيدين السياسي والأمني، في ظل استمرار التوتر بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية. هذه التحولات تعكس تعقيدات المشهد السوري وتسلط الضوء على التحديات المستمرة في تحقيق الاستقرار وتطبيق الاتفاقيات بين الأطراف المختلفة.

الرقة (سوريا) - أعاد الإعلان عن حملة الاعتقالات الواسعة التي نفذتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الاثنين في مدينة الرقة، والتي استهدفت عشرات الشبان دون سن الأربعين بغرض تجنيدهم قسريا، ملف العلاقة المتوترة بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية إلى الواجهة، ليؤكد هشاشة الاتفاقيات التي وُقعت بين الطرفين في مارس الماضي.

وبالرغم من توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع ومظلوم عبدي، قائد قسد، اتفاقا يهدف إلى وقف إطلاق النار ودمج بعض الوحدات العسكرية في الجيش السوري، إلا أن الإجراءات الأخيرة تكشف محدودية تطبيق هذه التفاهمات على أرض الواقع.

وقد تركزت الحملة عند الحواجز المنتشرة على مداخل الرقة، وفي الأسواق والشوارع الرئيسية، وسط انتشار كثيف لدوريات قسد المسلحة والمدرعات، في مشهد يعكس تصعيدا أمنيا لم يُسجل منذ فترة طويلة في المدينة. وكانت قسد قد نفذت قبل أيام حملة مماثلة في قرية المويلح التابعة لناحية الجرنية غرب الرقة، طالت أكثر من 50 شخصا بينهم أطفال وكبار سن، مما يزيد من المخاوف من تفاقم التوتر الاجتماعي والضغط على السكان المحليين.

ويشير خبراء سياسيون إلى أن هذه الحملات تمثل مؤشرا مباشرا على هشاشة الاتفاقيات بين قسد ودمشق. فالتجنيد القسري لا يظهر فقط كإجراء لتقوية الصفوف العسكرية، بل كرسالة سياسية مزدوجة: فهو يؤكد قدرة قسد على إدارة مناطقها بشكل مستقل، وفي الوقت نفسه يوضح محدودية قدرتها على الالتزام الكامل بمضمون التفاهمات، ما يعكس استمرار المنافسة على النفوذ وغياب الثقة بين الطرفين.

◙ استمرار التجنيد القسري يضعف من مصداقية الاتفاقيات ويجعل أي تفاهم مستقبلي عرضة للتقلبات السياسية

ويوضح الباحث في الشؤون السورية د. مازن الغزال أن “حملات الاعتقال الأخيرة تمثل اختبارا حقيقيا لهشاشة التفاهمات مع دمشق، فهي تكشف أن قسد تفضل تعزيز قوتها الذاتية على الالتزام الكامل بالتفاهمات، وهو ما يزيد من صعوبة تنفيذ أي دمج عسكري حقيقي مع الجيش السوري”. ويضيف الغزال أن استمرار التجنيد القسري يضعف من مصداقية الاتفاقيات ويجعل أي تفاهم مستقبلي عرضة للتقلبات السياسية.

ومن الناحية العسكرية، يرى العقيد المتقاعد سامر الحسن أن “تجنيد الشباب بالقوة أصبح الوسيلة الوحيدة أمام قسد لتعويض النقص في صفوفها، خاصة بعد تقلص الدعم الدولي وتركيز الولايات المتحدة على ملفات أخرى في المنطقة”. وتأتي هذه الحملات في ظل تحديات أمنية كبيرة، حيث يواجه شمال شرق سوريا تهديدات مستمرة من خلايا نائمة لتنظيم داعش، بالإضافة إلى وجود جماعات محلية معارضة لسياسات الإدارة الذاتية، ما يجعل السيطرة على الأرض أولوية قصوى لقسد.

وتعكس الحملة الأخيرة أيضا صعوبة تطبيق أي دمج حقيقي للقوات، إذ إن أي خطوة لإعادة توحيد المؤسسات الأمنية تتطلب التزاما متبادلا بالهدوء والاستقرار، وهو ما يظهر حتى الآن غير متحقق على الأرض، بينما تحافظ قسد على أسلوب إدارة مستقل لمناطق سيطرتها، بما يبرز التناقض بين النصوص السياسية والواقع العملي.

وعلى الصعيد الاجتماعي، يفاقم التجنيد القسري من الضغط على السكان المحليين، إذ يواجه الشبان خيار الانضمام الإجباري إلى صفوف القوات أو مواجهة تبعات قانونية وإدارية، ما يزيد التوتر بين المدنيين وقسد ويضعف شرعيتها الشعبية.

وتشير ملاحظات ميدانية إلى أن الإجراءات التي تشمل كبار السن وحتى القاصرين تخلق شعورا واسعا بعدم الرضا، وقد تؤدي إلى موجات رفض شعبي محتملة، تزيد من هشاشة الاستقرار المحلي. ومن الناحية الاقتصادية، تعرقل الحملات الأمنية النشاط التجاري والحركة الاقتصادية، خصوصًا في أسواق الرقة والمناطق المجاورة، حيث يؤدي انتشار الدوريات والحواجز إلى إبطاء حركة التجارة اليومية وزيادة صعوبات الحياة المعيشية للسكان.

وتعكس هذه التطورات أيضًا التعقيدات الإقليمية والدولية المحيطة بالشمال الشرقي لسوريا. فالولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لقسد ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، تركّز على ملفات أمنية أخرى، مما يترك لقسد هامشا محدودا للعمل بشكل مستقل، لكنه في الوقت نفسه يضع قيودا على الالتزام الكامل بالاتفاقيات مع دمشق.

وأما تركيا وداعمون آخرون للحكومة السورية، فيسعون لتعزيز سيطرة دمشق على شمال شرق البلاد، وهو ما يزيد من هشاشة أي تفاهمات محلية ويجعلها عرضة للتقلبات السياسية. ويشير خبراء إلى أن استمرار مثل هذه السياسات قد يؤدي إلى زيادة التوتر السياسي والأمني والاجتماعي، ويضع مستقبل أي اتفاقات في شمال شرق سوريا على المحك، خصوصًا مع وجود تحديات محلية ودولية تجعل أي اتفاق هشًا إذا لم يرافقه التزام عملي واضح.

ويوضح هؤلاء الخبراء أن أي حلول سياسية وأمنية مستقبلية لن تكون فعالة ما لم تتضمن آليات تضمن الالتزام والتطبيق على الأرض، مع مراعاة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للمدنيين، لضمان استقرار مستدام لشمال شرق سوريا.

2