عقوبات متهاطلة على إيران تحول صبرها الإستراتيجي إلى شلل مزمن

طول الأزمة وشدتها يضعان البلاد على مسار العراق في عقد التسعينات.
الجمعة 2025/10/24
شعارات مستهلكة لا تمنح خبزا وشغلا وخدمات

طهران – وضعت العقوبات الأممية والدولية المفروضة على إيران وطول أمدها البلاد على مسار أشبه بالمسار الذي وضع فيه العراق قبل غزوه مطلع القرن الحالي من قبل الولايات المتحدة الأميركية وإسقاط نظامه السابق، حيث أظهرت تلك التجربة القاسية ذات التبعات الاقتصادية والاجتماعية الثقيلة، أنّ من الصعوبة بمكان على أي بلد الصمود لفترة طويلة في وجه ما يفرض عليه من تضييقات اقتصادية ومالية تنتهي في الأخير بتجفيف موارده وقد تفضي إلى خلخلة نظامه بإثارة المجتمع المتضرر من العقوبات ضدّه.

وتعرضت إيران للقصف، وأعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة عليها جنبا إلى جنب تهاطل العقوبات الأميركية، كما يتفاقم انهيار اقتصادها هذا العام. ولكن حكومتها الدينية لم تتخذ حتى الآن أي إجراء قوي لوقف الانهيار واستئناف المفاوضات النووية الحاسمة مع الغرب، أو الاستعداد الكامل لاندلاع أعمال عدائية محتملة مع إسرائيل والولايات المتحدة.

وفي الماضي كان المرشد الأعلى آية الله خامنئي البالغ من العمر ستة وثمانين عاما يشيد بمزايا “الصبر الإستراتيجي” لطهران في مواجهة أعدائها، لكن المخاوف باتت تتزايد الآن من أن هذا الصبر يتحول إلى شلل، بعدما تم تدمير شركاء إيران الذين تصفهم بـ”محور المقاومة”، كما لا يوجد أي دليل واضح على دعم مادي من جانب أي من الصين أو روسيا.

مخاوف شديدة من تجدد الحرب التي اندلعت الصيف الماضي ضد إسرائيل تجسدها حالة من الفزع من أي حريق أو حادث عابر

وحذر خامنئي نفسه في سبتمبر الماضي من أن أحد الأضرار والمخاطر التي تواجه البلاد على وجه التحديد هي حالة اللاسلم واللاحرب واصفا ذلك بالأمر غير الجيّد.

ولا يوجد إلى حدّ الآن أي تحرك لتغيير هذه المعادلة، حيث إن الإيرانيين أنفسهم يخشون من استئناف الحرب. وقد أصبح كل حريق أو حادث مصدر قلق جديد، في الوقت الذي يشهد فيه الإيرانيون تضاؤل قيمة مدخراتهم في ظل انخفاض قيمة عملة الريال الإيراني إلى مستويات قياسية أمام الدولار الأميركي.

وقال علي عبدالله كاني، المحلل بمكتب الشؤون الإستراتيجية الرئاسية، في حوار نشر على موقع “نور نيوز” في وقت سابق من الشهر الجاري “حتى إذا قبلنا باحتمالية اندلاع حرب ثانية، فإن التوجه الصحيح لحكم البلاد ليس إبقاء الرأي العام في حالة قلق دائم من خلال  تكرار التحذيرات كل بضعة أيام”.

وأضاف “مثل هذه السياسة تضع البلاد في حالة أزمة دائمة، وهي الحالة التي يبدو فيها دائما أن الحرب قد تندلع في أي وقت، ونتيجة لذلك، يتم استهلاك جميع القدرات الإدارية والسياسية  في مواجهة صراع مفترض أو افتراضي”.

وأقرت الأمم المتحدة إعادة فرض عقوبات على إيران الشهر الماضي، ولكن طهران سعت للتقليل من أهمية تأثيرها أو حتى الإصرار على أنها غير موجودة. وتعود العقوبات إلى الاتفاق النووي مع طهران عام 2015، وتمت إعادة فرضها من خلال آلية تعرف باسم “العودة السريعة”.

pp

وأصدرت الصين وإيران وروسيا بيانا ثلاثيا وصفت فيه العقوبات بـ”المعيبة قانونيا وإجرائيا”. ولكن بكين وموسكو أشارتا إلى أنهما لن تفرضا العقوبات، في حين ستطبقها دول الاتحاد الأوروبي وآخرون.

وتصنف بعض الإجراءات بأنها عفّى عليها الزمن من قبيل العقوبات التي تخص الجنرال قاسم سليماني من الحرس الثوري الإيراني، الذي قتل في هجوم أميركي في بغداد خلال فترة رئاسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى مطلع سنة 2020.

ولكن العقوبات الرئيسية هي التي تتعلق بالضغط على البنك المركزي الإيراني وصادرات إيران النفطية، أحد مصادر العملة الأجنبية القليلة للحكومة. ومن شأن هذه العقوبات مصادرة شحنات النفط الإيراني في البحر، وهو الأمر الذي أثار في الماضي مواجهات  مع طهران.

وقد شهدت الحرب التي اندلعت في يونيو الماضي قتل كبار القادة في الجيش النظامي الإيراني والحرس الثوري، القوة التي لا تخضع إلا لخامنئي وتتحكم في ترساناتها الخاصة من الصواريخ الباليستية. ومنذ ذلك الحين، لم تنظم إيران أي مسيرات عسكرية كبيرة، وقامت بتنفيذ مناورات محدودة بحرا، من المرجح أن يكون ذلك خوفا من تقديم أي أهداف مغرية لإسرائيل.

وبدأ يطفو على السطح بالتدريج الانتقاد الموجه إلى الحكومة الدينية الإيرانية، التي تحولت تحت قيادة خامنئي إلى عدة معسكرات ووكالات متنافسة غالبا ما يتم تكليفها بنفس المهام.

وقال علي شمخاني، أحد كبار المستشارين لخامنئي، الذي نجا من هجوم إسرائيلي استهدفه خلال الحرب، في مقطع فيديو إن الهجمات الإيرانية السابقة ضد إسرائيل في عام 2024 “لم تحقق الأهداف” التي سعت إليها طهران، وذلك في اعتراف نادر من مسؤول بارز بضعف دقة الترسانة الصاروخية التي يتباهى بها النظام الإيراني.

وبلغ الأمر بشمخاني حدّ الإشادة علنا بسعي إيران لامتلاك سلاح نووي، وهو الأمر الذي طالما أكدت طهران أنها لا تريده على الرغم من أن الغرب والوكالة الدولية للطاقة الذرية يقولان إن إيران كانت تمتلك برنامجا منظما للأسلحة حتى عام 2023.

oo

وقال شمخاني “الآن أصبح من الواضح أنه كان يتعين على إيران تطوير هذه القدرة من أجل نفسها”. وبعد هذه التصريحات النارية وجد شمخاني نفسه مستهدفا بتسريب مقطع فيديو من زفاف ابنته، تظهر فيه من دون حجاب وترتدي فستان زفاف مفتوحا، وهو الأمر الذي ينتقده المتشددون، الذين يدعون إلى حملة جديدة تستهدف النساء بسبب الحجاب الإلزامي.

ومن ناحية أخرى، كثف الرئيس السابق حسن روحاني، الذي توصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، من انتقاده للمتشددين، كما أنه يسعى لتنظيم صفوف أقرانه من رجال الدين الشيعة في مدينة قم.

وفي مظهر على تشدّد النظام حيال المجتمع والسعي لترهيبه وضرب أي نوايا للانتفاض، قفزت أعداد عمليات تنفيذ أحكام الإعدام حاليا في إيران إلى أعلى مستوياتها منذ عقود.

وعلى صعيد اقتصادي، قال صندوق النقد الدولي إن الحكومة الإيرانية تلتزم بصورة كبيرة الصمت تجاه الأزمة الاقتصادية، الناجمة عن ضغط سعر الصرف والسياسات النقدية الفضفاضة والعقوبات. وقدر الصندوق أن معدل التضخم السنوي في إيران سيبلغ 45 في المئة بحلول نهاية العام، مما سيؤدي إلى تآكل مدخرات المواطنين، التي تعاني بالفعل من الانكماش.

ويتباهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ”قصف وتدمير القطاع النووي الإيراني”، ويقول خامنئي “حسنا، ليستمر في العيش في هذا الوهم”. ولكن واقعيا لا يبدو أن الوقت حاليا في صالح إيران.