عباس يؤمن انتقال السلطة لنائبه بمرسوم دستوري جديد

الإعلان الدستوري يسد فراغا قانونيا، لكنه مناورة تؤمن تسلسل القيادة المفضل وتطيل عمر نظام الأمر الواقع بدلا من التداول السلمي.
الأحد 2025/10/26
مرسوم يظهر خوف عباس من التنحية والسيناريوهات الخارجية

رام الله – أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إعلانا دستوريا جديدا يحدد آلية انتقال السلطة في حالة شغور منصب الرئيس، لتأتي هذه الخطوة القانونية في توقيت بالغ الدقة، معلنة استجابة شكلية للضغوط الدولية المتصاعدة لضمان استقرار و"إصلاح" النظام السياسي الفلسطيني، خاصة في ظل التحضيرات الجارية لمرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة.

ويتجاوز هذا المرسوم، بما يتضمنه من آليات، كونه مجرد ترتيب قانوني ليتحول إلى تدبير استراتيجي يهدف لتحصين المنصب الرئاسي، ومحاولة لإضفاء شرعية دستورية على آلية انتقال السلطة تبقي القرار، بشكل محكم، في قبضة الدائرة القيادية الحالية، وتضمن استمرار نفوذها.

واستعرض عباس في نصوص الإعلان الدستوري الجديد، الدوافع لقراره، مشددا على أن الإعلان يأتي "إيمانا ووعيا منا بهذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الوطن والقضية الفلسطينية، ووفاء بمسؤوليتنا التاريخية والدستورية في حماية النظام السياسي الفلسطيني وحماية الوطن".

كما أكد على أن الهدف هو "الحفاظ على سلامة أراضيه وكفالة أمنه، وحرصا على صون مؤسساته الدستورية وضمان استمرارية عملها في حالة شغور منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية".

وربط عباس الإعلان بالمبادئ الديمقراطية، موضحا أنه "بناء على ما سبق، وانطلاقا من مقتضيات المصلحة الوطنية العليا في الحفاظ على الاستقرار، أصدرنا الإعلان الدستوري تأكيدا على مبدأ الفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الحرة والنزيهة".

وهذه التصريحات التي تركز على "حماية النظام" و"التداول السلمي" هي الإطار الذي تحاول القيادة من خلاله تمرير المرسوم، الذي يهدف إلى معالجة الثغرة القانونية الأبرز في النظام الفلسطيني، وهي كيفية انتقال السلطة في ظل غياب المجلس التشريعي الناتج عن الانقسام وحلّه عام 2018، والذي كان ليؤدي إلى فراغ مؤسسي في حال شغور منصب الرئيس.

ويقضي المرسوم بآلية واضحة للانتقال المؤقت "إذا شغر مركز الرئيس، يتولى مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتا نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (حسين الشيخ)".

ويرسل هذا التحديد لشخصية بعينها رسالة فورية للمجتمع الدولي بأن آلية الانتقال باتت محددة وواضحة، لكن في المقابل، يرى المراقبون أن هذا التعيين الدستوري المؤقت يكرس سلطة منظمة التحرير (المسيطرة عليها حركة فتح) على حساب السلطة الوطنية، ويبعد أي دور محتمل لحماس في مستقبل العملية السياسية، حتى في المرحلة الانتقالية.

ويثير هذا البند انتقادا مزدوجا، فمن ناحية، هو اعتراف ضمني بالواقع الأمني الضاغط الذي يجعل الانتخابات في الموعد المحدد مستحيلة، ومن ناحية أخرى، فإن هذا التقييد، الذي يحصر التمديد لمرة واحدة فقط وبقرار من المجلس المركزي (المعين وغير المنتخب)، لا يزيل الشكوك حول النية الحقيقية للتداول السلمي للسلطة، بل يبقي القرار في يد هيئة قيادية غير منتخبة.

وعلى الرغم من الخطاب الرسمي الذي شدد على "التداول السلمي للسلطة" والحاجة إلى "الاستقرار" المؤسسي، فإن الإعلان الدستوري يفتح الباب أمام قراءة مغايرة تركز على نيات القيادة الحالية.

فلا يبدو عباس، بالرغم من كل الانتقادات التي وجهت له، مقتنعا بأن مرحلته قد انتهت وأن عليه تسليم الحكم لجيل جديد يقدر على إخراج السلطة من الأزمة التي تعيشها، من خلال حرصه على استثمار ورطة حركة حماس وترديد المطالب الإقليمية والدولية بشأن إخراجها من الحكم ومطالبتها بتسليم سلاحها.

ويرى المراقبون في الإعلان الدستوري آلية لتعزيز قبضة الجيل القديم على السلطة بشكل قانوني مؤقت، ما لم تتمكن الضغوط الخارجية من فرض إصلاح جذري يطال هيكل القيادة.

ويتجاوز الدافع لإصدار هذا المرسوم مجرد سد الثغرة القانونية ليصل إلى هاجس البقاء السياسي، فالإعلان الدستوري يشير إلى أن عباس يخشى تنحيته، سواء عبر ضغط داخلي مفاجئ يستغل الفراغ الدستوري، أو من خلال فرض سيناريوهات خارجية عليه في سياق ترتيبات ما بعد غزة.

وبتحديده آلية واضحة ومسارا مقيداً لانتقال السلطة يمر عبر أقرب حلفائه في منظمة التحرير، يكون عباس قد أحكم إغلاق الباب أمام أي انقلاب داخلي أو خارجي يستغل مسألة الخلافة لفرض قيادة جديدة أو إجراء انتخابات سريعة لا يستطيع تيار "فتح" الحالي التحكم في نتائجها.

وتؤكد هذه الخطوة سعي القيادة الحالية لضمان بقائها أو ضمان استمرارية نفوذها عبر مسار دستوري معد سلفا.

ويأتي هذا الإعلان في ظل التزام دولي متزايد بضرورة وجود سلطة فلسطينية "مجددة ومصلحة" تتولى إدارة القطاع والضفة معا في مرحلة ما بعد الحرب.

ويمثل هذا المرسوم استجابة تهدف إلى إظهار الالتزام الفلسطيني بالإصلاح المؤسسي وتجهيز الهيكل القانوني للدولة لمواجهة أي تحول مفاجئ.

فالمرسوم يهدف إلى التسويق لجاهزية السلطة لتولي الحكم في غزة، من خلال إثبات وجود مرجعية دستورية موثوقة ومحصنة ضد الفراغ المؤسسي.

وهذا الإجراء، الذي ألغى الإعلان الدستوري رقم (1) لسنة 2024، يراد له أن يؤكد للمجتمع الدولي أن القيادة تعمل على ترتيب بيتها الداخلي بما يتوافق مع متطلبات الحوكمة الرشيدة التي يطالب بها الغرب والدول العربية، وأن التداول السلمي للسلطة سيتم عبر آليات واضحة، حتى لو كانت هذه الآليات تعزز مؤقتا من سلطة التيار القيادي الأقرب للرئيس.

ويظل الإعلان الدستوري محاولة لسد فراغ قانوني كان ليفجر النظام برمته في حال شغور المنصب، لكنه ينجح في الوقت ذاته في تأمين التسلسل القيادي المفضل في السلطة ومنظمة التحرير، ما يجعل هذا الإجراء مناورة قانونية لإطالة عمر "نظام الأمر الواقع" في مرحلة تتطلب إصلاحات قيادية وهيكلية أعمق، بدلا من أن يكون خطوة حقيقية نحو "التداول السلمي للسلطة".