شبهة تهريب النفط الإيراني تعرض العراق للمزيد من الضغوط الأميركية

واشنطن عازمة بكل الوسائل على حرمان إيران من المتنفس المالي المتاح لها عبر الساحة العراقية.
السبت 2025/08/09
حيلة خلط الخام في عرض البحر باتت مكشوفة

إصرار واشنطن على اتهام جهات عراقية بمساعدة إيران على الالتفاف على العقوبات الأميركية بتسهيل تهريب نفطها الخاضع لتلك العقوبات يزيد الضغوط على السلطات العراقية الموزّعة بين الحفاظ على علاقة وثيقة مع الجمهورية الإسلامية تسندها بعض المصالح المادية، وعدم خسارة التحالف الإستراتيجي مع واشنطن بما ينطوي عليه من مصالح حيوية اقتصادية ومالية وأمنية.

بغداد – تشكّل شبهة انخراط جهات عراقية في تهريب النفط الإيراني الخاضع لعقوبات أميركية مصدر ضغط إضافي على بغداد الخاضعة أصلا لضغوط شديدة من قبل واشنطن تتعلّق بسلاح الفصائل الشيعية المسلحة وضبط أنشطتها المطلوبة والموجّهة من قبل طهران، وهي أنشطة لا تقتصر على الجوانب الأمنية بل تشمل أيضا أنشطة مالية غير مشروعة هادفة إلى مساعدة إيران على الالتفاف على العقوبات والحصول على عملة الدولار من الموارد العراقية.

وجاءت التهم الموجهة لتلك الجهات بمساعدة الإيرانيين على تسويق نفطهم ضمن توجه من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمضاعفة الضغوط على السلطات العراقية لدفعها إلى فكّ ارتباطاتها الاقتصادية والمالية مع إيران لحرمان الأخيرة من متنفس من العقوبات كانت تحصل عليه من الساحة العراقية، حيث تمتلك أذرعا لها وحلفاء متنفذين أمنيا وسياسيا.

كما توجّه الإدارة ذاتها جزءا من ضغوطها صوب تلك الأذرع نفسها من خلال سعيها عبر الضغوط السياسية والمالية والقانونية على حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني لحلّ الميليشيات المسلّحة وضبط سلاحها.

علي نزار: لا وجود لأي خلط أو تهريب للنفط في موانئنا ومياهنا الإقليمية
علي نزار: لا وجود لأي خلط أو تهريب للنفط في موانئنا ومياهنا الإقليمية

ويرتبط العراق بعلاقة تحالف وثيق مع الولايات المتحدة تسندها مصالح اقتصادية ومالية وأمنية كبيرة لا تستطيع بغداد التخلّي عنها بين عشية وضحاها. وعلى سبيل المثال يستمد العراق عملة الدولار مباشرة من الخزانة الأميركية التي تحوّل شحنات منتظمة منها إلى بغداد عن طريق رحلات جوية.

وعلى الطرف الآخر ربطت سياسات الأحزاب الشيعية الحاكمة منذ أكثر من عقدين العراق بعلاقات وثيقة مع الجمهورية الإسلامية أيضا، وصلت حدّ ارتهانه بشكل كبير في توفير الطاقة الكهربائية لسكانه لما يستورده من إيران من غاز وكهرباء.

وما بات يضاعف من متاعب العراق جراء تحالفه مع طرفين متضادين يصعب التوفيق بينهما أن واشنطن لم تعدّ مستعدة لتوفير أي ورقة لدفع البلد لفك ارتباطه مع إيران والكف عن مساعدتها على الالتفاف على العقوبات، بما في ذلك ورقة الطاقة حيث يجري العمل على قانون أميركي يمنع بغداد بشكل حاسم ونهائي من مواصلة استيراد موادها من طهران.

ومؤخرا كشف موقع أويل برايس الأميركي في تقرير له عن تقديم مشروع قانون جديد إلى الكونغرس يتضمّن فرض حظر كامل لواردات العراق من الغاز والكهرباء من إيران.

واستفادت السلطات العراقية خلال السنوات الأخيرة من التساهل النسبي لواشنطن والاستثناءات التي منحتها لبغداد بشأن الالتزام الحرفي بالعقوبات المفروضة على طهران ومدّدتها لأكثر من مرّة.

لكن إدارة ترامب التي تبدو باحثة عن أقصر طريق للضغط على إيران وإضعافها وصولا إلى إرغامها على التخلي عن برنامجها النووي وحتى الصاروخي لا تبدو مستعدة لمراعاة مصلحة العراق، خصوصا وأنّه لم يستفد كثيرا من المهل الممنوحة له وتباطأ في إيجاد مصادر لتوليد الطاقة بديلة عن الغاز الإيراني.

وذكر الموقع في تقريره أنّ العقوبات طويلة الأمد المفروضة مباشرة على إيران اتسعت مؤخرا لتشمل العراق، مشيرا إلى مشروع القانون الذي يحمل عنوان “لا طاقة إيرانية” الذي قُدم إلى الكونغرس في أبريل الماضي. وأوضح أنّ رئيس لجنة الدراسات الجمهورية النائب أوغست بفلوغر اعتبر التشريع الخاص بحظر الواردات العراقية من إيران جزءا من حملة الضغط القصوى التي يقودها ترامب ضد النظام الإيراني.

وتعلم الولايات المتحدة أنّ لإيران حلفاء أقوياء في الداخل العراقي يعملون على رعاية مصالحها ويستخدمون طرقا غير مشروعة لمساعدتها على الالتفاف على العقوبات والحصول على العملة الصعبة. وتقوم بسبب ذلك بتوجيه ضغوطها مباشرة نحو المنظمات العراقية المرتبطة بطهران.

وغالبا ما يقصد بتلك المنظمات الفصائل المسلّحة التي أعلنت لجنة الخدمات المسلحة الجمهورية في الكونغرس الأميركي مؤخرا عن تمرير تعديل للقانون الذي قدمه النائب جو ويلسون بشأن الدفاع الوطني متضمنا منع تمويلها من موارد الدولة العراقية. وتستخدم الميليشيات سيطرتها الميدانية وقوّة سلاحها وأيضا نفوذها السياسي والأمني في الانخراط بعمليات تهريب لمصلحة إيران بما في ذلك تهريب نفطها الممنوع من التسويق بفعل العقوبات.

إدارة ترامب التي تبدو باحثة عن أقصر طريق للضغط على إيران وإضعافها وصولا إلى إرغامها على التخلي عن برنامجها النووي وحتى الصاروخي لا تبدو مستعدة لمراعاة مصلحة العراق

ونفت بغداد الجمعة أي ضلوع للعراق في عمليات تهريب الخام الإيراني للالتفاف على العقوبات الأميركية، بعدما اتهمت واشنطن شبكات مرتبطة برجل أعمال عراقي بنشاطات من هذا النوع. وفرضت واشنطن مطلع يوليو الماضي عقوبات على ستة كيانات وأربع سفن بسبب مشاركتها عن علم في اقتناء أو بيع أو نقل أو تسويق النفط من إيران.

ووفقا لبيان أميركي، شاركت شبكات التهريب هذه في نقل وشراء كميات من النفط الإيراني تقدّر قيمتها بمليارات الدولارات، مشيرا إلى أن شبكة من الشركات يقودها رجل أعمال عراقي استفادت من تهريب النفط الإيراني عبر تقديمه على أنه نفط عراقي أو ممزوج بنفط عراقي. ونفى مدير شركة تسويق النفط العراقية سومو علي نزار أي تورط في ذلك. وقال لوكالة الأنباء العراقية “لا توجد أي عمليات خلط أو تهريب داخل الموانئ العراقية أو المياه الإقليمية”.

وأكد أن “الحديث عن وجود أماكن تسمح بتهريب النفط العراقي وخلطها بنفط دول مجاورة، عار عن الصحة”، مضيفا “لا يوجد أي دليل لدى أي جهة من الجهات الدولية العالمية، يجزم بوجود هذا النوع من الخلط أو التهريب”. وكان مصور لوكالة فرانس برس انضم الثلاثاء بدعوة من الشركة العامة لموانئ العراق وقيادة القوة البحرية، إلى دورية أمنية في قناة خور عبدالله والمياه الإقليمية العراقية في جنوب البلاد، لملاحقة مهربي المشتقات النفطية وضمان سلامة الملاحة البحرية.

ولإثبات الجدية في محاصرة التهريب بشتى أنواعه وضبط الحدود والمنافذ أعلن مدير عام الشركة العامة لموانئ العراق فرحان الفرطوسي في الخامس من أغسطس الجاري أن القوات الأمنية الحامية لقناة خور عبدالله تعمل بشكل مستمر لتأمين البضائع.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن الفرطوسي قوله إن “هناك مراقبة مستمرة لجميع السفن الداخلة لقناة خور عبدالله، وتعمل السلطات العراقية على تدقيق الوثائق الرسمية لكل السفن الداخلة إلى القناة”. وأضاف أن “المياه الإقليمية تخضع لقانون وسلطة الدولة”، مشيرا إلى أن “الأجهزة العسكرية والأمنية تنفذ عملية مسح للمياه الإقليمية العراقية من أجل التحري عن جميع السفن التجارية والنفطية المتواجدة في مناطق الانتظار”.

وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية في أواخر يوليو الماضي عن فرض عقوبات على أكثر من 115 فردا وشركة وسفينة متهمين بتسهيل بيع النفط الإيراني. وطالت العقوبات أسطولا يُسيطر عليه، وفقا لوزارة الخزانة الأميركية، محمد حسين شمخاني ابن علي شمخاني أحد أبرز مستشاري المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي. ورأت وزارة الخارجية الإيرانية أن هذه العقوبات “عمل خبيث يهدف إلى تقويض النمو الاقتصادي ورفاه الإيرانيين”.

3