سياسة عقلانية غيّرت جذريا طبيعة العلاقة بين الرياض وأنقرة من الجفاء إلى التعاون المثمر
مرور العلاقات السعودية – التركية من الجفاء إلى التواصل والتنسيق والتعاون متعدّد المجالات جاء وليد سياسة عقلانية من الطرفين تمكنّت من تجاوز الخلافات على قضايا هامشية نحو التركيز على ما هو أهم وأكثر تحقيقا لمصالح الدولتين الكبيرتين وخدمة لاستقرار المنطقة.
أنقرة- قال وزير العدل التركي يلماز تونج إن بلاده والسعودية تلعبان دورا مهما في ضمان السلام والاستقرار في المنطقة.
ويوصّف الوزير بهذا الكلام واقع العلاقات بين بلاده والمملكة والتي تمرّ بأفضل مراحل ازدهارها بعد أن تبدّلت جذريا من الجفاء إلى التعاون المثمر متعدد المجالات، وذلك بفعل سياسات عقلانية سلكتها الدولتان، وجسدتها السعودية على وجه الخصوص بسلسلة مصالحات وخفض للتوتر لم تستثن منها حتى الجارة إيران رغم ما يميّز سياسات الأخيرة من تدخّلات في شؤون الإقليم لطالما كانت مبعثا لإثارة القلاقل وعدم الاستقرار.
وجاء كلام تونج خلال حفل استقبال نظمته السفارة السعودية في أنقرة بمناسبة اليوم الوطني السعودي الموافق للثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام.
وحضر الحفل إلى جانب الوزير التركي السفير السعودي في أنقرة فهد بن أسعد أبوالنصر، ورئيس المحكمة الدستورية التركية قدير أوزكايا، ونائب وزير الخارجية محمد كمال بوزاي، ونائب وزير الدفاع موسى هيبت، ووالي أنقرة واصب شاهين، إضافة إلى نائب رئيس حزب الحركة القومية يشار يلدريم، وممثلي بعثات دبلوماسية في أنقرة، ومسؤولين سياسيين، وعدد من المدعوين.
وشدد تونج في كلمته خلال الحفل على أن الروابط التاريخية والثقافية العميقة تشكل الأساس المتين للعلاقات الأخوية بين تركيا والسعودية، مبينا أن العلاقات الثنائية تعمقت بشكل مطرد على مدى عقود من الزمن على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وأشار إلى أن البلدين يلعبان دورا مهما في ضمان السلام والاستقرار في المنطقة، لافتا إلى أن قادة تركيا والسعودية لعبوا دائما أدوارا قيادية وقادوا البلدين نحو علاقات متبادلة أقوى.
وتطرق إلى الزيارات المتبادلة بين الرئيس رجب طيب أردوغان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في السنوات الأخيرة، وذكر أن الاتصالات بين الوزارات والمؤسسات المعنية تكثفت على جميع المستويات، وأن الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق التركي – السعودي عقد في الرياض في 18 مايو الماضي بعد انقطاع دام ثماني سنوات.
ولفت الوزير التركي إلى أن الرئيس أردوغان التقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الاستثنائية المشتركة.
وأشار تونج إلى أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين اكتسبت زخما بالتوازي مع تطور العلاقات السياسية، وأوضح أن حجم التجارة بين البلدين وصل إلى 8 مليارات دولار بنهاية عام 2024 وتجاوز 4.8 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري.
وأعرب عن رضاه عن الاهتمام الذي يبديه المستثمرون السعوديون بتركيا، مضيفا أن الشركات التركية أبدت تاريخيا أيضا اهتماما كبيرا بالفرص التي توفرها السعودية، وأن هذا التوجه زاد في السنوات الأخيرة.
ولفت إلى أن ديناميكية وتكامل اقتصادي البلدين يوفران فرصا أكبر للتعاون، وذكر أنهم يهدفون إلى زيادة حجم التجارة إلى 10 مليارات دولار على المدى القصير و30 مليار دولار على المدى المتوسط.
وشدد على أن رؤية السعودية 2030 والأحداث الرياضية أو التجارية الدولية الكبرى التي ستستضيفها المملكة توفر فرصا كبيرة للمزيد من التعاون بين المقاولين الأتراك والسعودية.
وأشار تونج إلى أن التفاعل بين الشعبين التركي والسعودي أصبح أوسع من أيّ وقت مضى، مضيفا أن أكثر من 800 ألف مواطن سعودي استضافتهم تركيا العام الماضي، وأن الزيادة في زيارات المواطنين الأتراك والسعوديين لبعضهم البعض أدت إلى تحسين العلاقات بين الشعبين.
وأكد أن العلاقات الجيدة بين تركيا والسعودية اللتين تعتبران دولتين مهمتين في المنطقة والعالم الإسلامي “مهمة للغاية من أجل السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي،” وذكر أن البلدين في تنسيق وتعاون وثيقين بشأن القضايا الإقليمية.

وصرح الوزير التركي أن الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة تُحزن الجميع بشدة، قائلا “ندعو الله أن يرحم إخواننا الفلسطينيين الذين استشهدوا خلال الهجمات الإسرائيلية، فظلم إسرائيل للفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس مستمر”.
وأضاف تونج “عدوانية إسرائيل تؤثر على منطقتنا بأكملها، ولن يتحقق السلام والاستقرار في المنطقة إلا بإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.” وأشاد “بالدور القيادي الذي تلعبه السعودية الشقيقة في ما يخص تنفيذ حل الدولتين”.
وتطرق تونج إلى المؤتمر الدولي من أجل تسوية سلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين الذي انعقد الاثنين برئاسة السعودية وفرنسا في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك، مؤكدا أن تركيا ستواصل دعمها للقضية الفلسطينية.
وقال “مثّل مجددا رئيسنا رجب طيب أردوغان ضمير الإنسانية وصوتها في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكدا هذا العزم مجددا وبكل وضوح أمام أنظار العالم أجمع، ومن هنا استنكر بشدة أمامكم مرتكبي جريمة الإبادة الجماعية”. وأردف “عدم فعالية القانون الدولي والمحاكم الدولية يُحزننا جميعا، فاحترام القانون الدولي والامتثال لقرارات المحاكم الدولية واجب على الدول، ولكن نلاحظ مع الأسف عدم الالتزام بذلك”.
مساع تركية إلى زيادة حجم التجارة إلى 10 مليارات دولار على المدى القصير و30 مليار دولار على المدى المتوسط
وشدد على أن تركيا ستواصل العمل الوثيق مع السعودية بشأن القضية الفلسطينية، مهنئا السعودية بيومها الوطني.
من جهته خاطب السفير السعودي في تركيا فهد بن أسعد أبوالنصر الأتراك بقوله “يسعدنا اليوم مشاركتكم معنا في الاحتفال بمسيرة وطننا المجيد، فهو مناسبة نؤكد فيها على انفتاح المملكة على العالم، وسعيها الدائم لتعزيز الروابط الإنسانية والثقافية مع مختلف الشعوب، بما فيها الجمهورية التركية الشقيقة، انطلاقا من رؤية حكيمة تسعى للسلام والرخاء العالمي”.
وأكد أن العلاقات السعودية – التركية تشهد اليوم “نموا متسارعا في كافة المجالات،” بما في ذلك الاقتصادية والثقافية والسياحية، مدفوعة برؤية مشتركة لقيادتي البلدين نحو تعزيز الشراكة الإستراتيجية وتحقيق الاستقرار والازدهار.
وأشار إلى أن احتفال العام الحالي باليوم الوطني جاء ليؤكد على شعار المملكة “عزّنا بطبعنا”، مبينا أنه لا يمثل مجرد كلمات، بل هو انعكاس للقيم الأصيلة والمبادئ الراسخة التي تفخر السعودية بمشاركتها مع العالم أجمع.
ولفت إلى أن رؤية السعودية 2030 التي أطلقها ولي عهد المملكة تأتي لتضع الشباب في قلب أولوياتها، معتبرا أنهم عماد المستقبل وأساس نهضة الوطن. وأضاف “من هذا المنطلق، نرى في أبنائنا وبناتنا الطلبة الدارسين في تركيا الشقيقة، خير من يمثلون جسور التواصل بين بلدينا، فهم سفراء لوطنهم في كل مكان”.
من جانبه، هنأ رئيس المحكمة الدستورية التركية قدير أوزكايا السعودية بيومها الوطني، معربا عن رضاه الكبير عن العلاقات الوثيقة والودية بين البلدين.
وأشار أوزكايا إلى أن العلاقات الثقافية والتجارية بين البلدين متقدمة للغاية، مشددا على أهمية تعزيز هذه العلاقات والتعاون بشكل أكبر. ولفت إلى أن إقامة علاقات قوية بين المؤسسات القضائية في البلدين ستكون مفيدة للغاية، مبينا أن ذلك من شأنه تمكين تبادل الأفكار والخبرات والمعلومات بين البلدين.