رهان أردني على التدريب المهني لتعزيز تنافسية الاقتصاد
تجمع أوساط الخبراء في الأردن على أن الوصول إلى منظومة تدريب مهني فعّالة سيعتمد على الإصلاحات الإدارية وتعزيز الحوكمة، ومواءمة البرامج مع سوق العمل وشراكة حقيقية مع القطاع الخاص، بما يجعل هذا المسار خيارا إستراتيجيا يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد.
عمّان - يشكل رهان المسؤولين الأردنيين على التدريب المهني باعتباره أداة إستراتيجية لمواجهة تحديات البطالة، منعطفا مهما لزيادة مستويات التوظيف ومحاولة مواكبة المتطلبات المتغيرة لسوق العمل، بما يدفع عجلة التنمية المنشودة.
ولكن تحقيق إمكانياته يتطلب تعزيز وعي المجتمع بأهميته وتوفير دعم مالي واستثماري أفضل، وتكامُل أعمق بين مقدمي التدريب والقطاع الخاص وصُنّاع السياسات، إلى جانب تحسين البنية التحتية الرقمية والتعليم التطبيقي.
ويتفق خبراء ومختصون في مجال العمل بالبلاد على أن رؤية التحديث 2033 تمثل إطارا مرجعيا أساسيا ونقطة انطلاق لتطوير وهندسة منظومة التدريب المهني والتقني بالبلاد.
وكان مجلس الوزراء أقر أخيرا نظام صندوق دعم أنشطة التعليم والتدريب المهني والتقني وتطوير المهارات لسنة 2025، الذي يهدف إلى جعله محركا لتوليد فرص التشغيل للأفراد، وتمكينهم من الانخراط في العمل والإنتاج.
وسيتم من خلال الصندوق تمويل المشاريع التي سيتم إطلاقها في مناطق الأرياف والبوادي والمناطق النائية، وذلك في مسعى للحد من مستوى البطالة الذي يبلغ 21.3 في المئة، بحسب الأرقام الرسمية.
ورغم تحسن المؤشرات الظرفية بدعم من برنامج صندوق النقد الدولي، لكن البلد يعاني من صعوبات اقتصادية، وهو ما يتطلب وصفة تضمن الإبقاء على استمرارية الوظائف واستدامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كونها أحد أعمدة بناء الاقتصاد.
ويرى وزير العمل الأسبق نايف استيتية أن هندسة منظومة التدريب المهني والتقني بما ينسجم مع احتياجات سوق العمل، تستدعي تبني متطلبات أساسية تقوم على الشراكة مع أصحاب العمل ومراجعة المناهج وتوفير فرص تدريب وتشغيل فعلية.
وأشار في تصريحات لوكالة الأنباء الأردنية الرسمية إلى أهمية وجود مجالس قطاعية يقودها أصحاب العمل للمشاركة في تحديد المهارات المطلوبة، مع وضع إطار للمؤهلات وضمان الجودة بربط الشهادات بالمستويات والاعتماد على مزوّدي تدريب موثوقين.
وأكد أن رفع مكانة التعليم والتدريب المهني وربطه بالتشغيل الفعلي يتطلبان خطة شاملة تبدأ ببناء سردية اجتماعية تُبرز قصص النجاح ومزايا المهن التقنية، مع إدخال الإرشاد المهني المبكر وتجريب المسارات منذ الصفوف المتوسطة.
وشدد استيتية على تمكين المدارس والمراكز التدريبية من عقد شراكات سريعة مع المنشآت، وربط التمويل بمؤشرات الأداء كالتشغيل ورضا أصحاب العمل، مؤكدا أن التدريب المهني يمثل مدخلا رئيسيا لزيادة فرص العمل وتحقيق العدالة التنموية.
وتُشير بيانات رسمية إلى أن مؤسسة التدريب المهني الحكومية تملك نحو 38 معهدا تدريبيا منتشرة في مختلف المحافظات، مجهزة بحوالي 350 مشغلا تدريبيا.
وتوفر هذه المعاهد طاقة استيعابية تصل إلى 10 آلاف متدرب في كل دفعة سنوية، بينما القدرة التشغيلية السنوية قد تصل إلى 20 ألف مستفيد.
38
معهدا تتبع مؤسسة التدريب المهني منتشرة في البلاد بطاقة 10 آلاف شخص سنويا
ويرى عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الأردن إيهاب قادري أن تطوير منظومة التعليم والتدريب المهني والتقني أحد المرتكزات الأساسية لتلبية احتياجات سوق العمل والحد من معدلات البطالة، خصوصا بين الشباب.
وأشار قادري ممثل قطاع الصناعات الجلدية والمحيكات في الغرفة إلى أن مواءمة البرامج مع احتياجات السوق تتطلب وجود دراسات دورية ترصد المهن المطلوبة، وتحديث المناهج باستمرار وفق معايير مبنية على الكفاءات.
وتطرق أيضا إلى أهمية التوسع في التدريب المزدوج وربط الدعم والتمويل بمؤشرات النجاح الفعلية وعلى رأسها التشغيل، إلى جانب توفير مسارات تعليمية متدرجة من الشهادة المهنية وصولا إلى الدبلوم والبكالوريوس التطبيقي، بما يعزز من جاذبيتها لدى الطلبة.
وعلى صعيد رفع مكانة التعليم والتدريب المهني، بيّن قادري أن هذا يتطلب جهودا متوازية تبدأ من حملات توعوية تبرز قصص نجاح لخريجين استطاعوا بناء مستقبل مهني متميز أو ريادة أعمال ناجحة.
وعلاوة على ذلك إدخال التوجيه المهني المبكر في المدارس لتوضيح الفرص المتاحة في القطاعات الصناعية والخدمية، مع توفير حوافز مالية ومنح للطلبة، وتشجيع المنشآت التي توفر فرص تدريب وتشغيل فعلية.
ويفترض أن يترافق ذلك مع الحرص على ضمان الجودة واعتماد المراكز التدريبية، وربط البرامج بعقود تشغيل مسبقة تعزز ثقة المجتمع بمخرجات هذه المنظومة.
وأكد مدير عام مؤسسة التدريب المهني سابقا زياد عبيدات أن هندسة منظومة التدريب المهني والتقني تبدأ بالإصلاحات الإدارية الشاملة وإيجاد إدارة كفؤة تلتقط المخرجات.
وقال “يجب أن تعمل هذه المنظومة بشكل فوري على ترجمة هذه المخرجات إلى خطط عمل تنفيذية فعلية بمؤشرات قابلة للقياس على مستويات الأثر والنتائج والتنفيذ”.
وأشار إلى أن مواءمة مخرجات التدريب المهني مع متطلبات سوق العمل، تتطلب الاعتماد على تطوير وتوفير نظام بيانات سوق العمل، وأن يتم تحديثه باستمرار.
وأوضح أن الضرورة تقتضي إجراء الدراسات الدورية لمتطلبات سوق العمل من الاختصاصات والمهارات الفنية والتقنية والحياتية النوعية المطلوبة، والتي تعد مرجعية في تطوير وتحسين برامج التدريب وإدخال تخصصات جديدة إلى هذه المنظومة.
وشدد على أهمية إيجاد شراكة حقيقية مع القطاع الخاص تلمس الاحتياجات والتطوير والتحسين وتحويل الاتفاقيات إلى واقع عملي.
ويعتقد خبراء أن غياب رؤية إستراتيجية لدى الجهات المعنية لاستشراف المستقبل والمهن الناشئة أدى إلى تأخر ملحوظ في مواكبة التطورات المهنية والتقنية اللازمة لضمان فعالية منظومة التدريب المهني رغم المحاولات المتكررة.
وأكد خبير سوق العمل حمادة أبونجمة أن من عوامل تطوير منظومة التعليم والتدريب المهني والتقني تحديث المناهج وتطوير قدرات المدربين وتوسيع البنية التحتية لمراكز التدريب.
وإلى جانب ذلك تعزيز تطبيق الإطار الوطني للمؤهلات الذي من شأنه أن يربط بين المسارات المهنية والأكاديمية ويوفر فرصا للانتقال والتطور المهني المستمر.
وأوضح أبونجمة، وهو مدير بيت العمال الأردني، أن هذا يتطلب بناء الثقة المجتمعية بهذا المسار من خلال تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، وبشكل أساسي ضمان فرص تشغيل حقيقية بعد التدريب.
ولنجاح ذلك، يعتقد الخبير أن اعتماد منظومة مرنة يجب أن يتيح للمتدربين مسارين، الأول التشغيل المباشر عبر شراكات مع القطاع الخاص، والثاني التمكين الذاتي من خلال مشاريع ريادية مدعومة من الدولة.