رسوم ترامب الجمركية تبدد مكاسب الهند من النفط الروسي

37 مليار دولار مقدار خسائر نيودلهي المحتملة من تقلص صادراتها إلى السوق الأميركية.
الخميس 2025/08/28
في قمة التوازن الصعب

تستعد الهند لمواجهة ضربة قوية لتجارتها الخارجية مع دخول الرسوم الأميركية على منتجاتها حيز التنفيذ، وهي خطوة ستهدد نحو نصف صادراتها إلى أكبر أسواقها، وتؤكد هشاشة العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، والأهم أنها ستبدد مكاسبها من شراء النفط الروسي.

نيودلهي- وفّرت الهند المليارات من الدولارات بزيادة وارداتها من النفط الروسي مخفّض السعر في أعقاب الحرب في أوكرانيا، لكن الرسوم الجمركية الأميركية العقابية ستقضي سريعًا على هذه المكاسب، في ظل غياب أيّ حلول سهلة في الأفق.

ويقدّر المحللون أن الهند قد وفّرت ما لا يقل عن 17 مليار دولار بزيادة وارداتها النفطية من روسيا منذ أوائل عام 2022، واليوم تجد نفسها داخل دوامة الحرب التجارية التي أشعلتها الإدارة الأميركية وبدأت مفاعيلها على البلد الأربعاء.

وقد يُخفّض قرار الرئيس دونالد ترامب بفرض رسوم إضافية تصل إلى 50 في المئة على الواردات الهندية الصادرات بأكثر من 40 في المئة، أي 37 مليار دولار في السنة المالية الحالية التي بدأت في أبريل، وحدها، وفقًا لمبادرة أبحاث التجارة العالمية (جي.تي.آر.آي)، وهي مؤسسة فكرية في نيودلهي.

ومع استمرار تداعيات الرسوم، قد تُضعف موقف رئيس الوزراء ناريندرا مودي سياسيًا، مع تعريض الآلاف من الوظائف للخطر في القطاعات كثيفة العمالة مثل المنسوجات والأحجار الكريمة والمجوهرات.

17

مليار دولار وفرتها الهند منذ عام 2022 من خلال زيادة وارداتها من الخام الروسي الرخيص

ويرى محللون أن رد فعل الهند قد يُعيد تشكيل شراكتها القائمة منذ عقود مع روسيا، ويُعيد ضبط علاقاتها المُعقدة بشكل متزايد مع الولايات المتحدة، وهي علاقة تعتبرها واشنطن حيوية لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وقال هابيمون جاكوب مؤسس مجلس دلهي للأبحاث الإستراتيجية والدفاعية “تحتاج الهند إلى روسيا للحصول على معدات دفاعية لسنوات قادمة، ونفط رخيص عند توفره، ودعم جيوسياسي في الفضاء القاري، ودعم سياسي في مسائل حساسة.”

وأضاف “هذا يجعل روسيا شريكًا لا يُقدر بثمن للهند.” لكنه أكد لرويترز أنه “رغم الصعوبات بين نيودلهي وواشنطن في عهد ترامب، لا تزال الولايات المتحدة أهم شريك إستراتيجي للهند. ببساطة، لا تملك الهند رفاهية اختيار أحدهما على الآخر، على الأقل حتى الآن.”

وأفاد مصدران حكوميان هنديان بأن نيودلهي ترغب في إصلاح علاقاتها مع واشنطن، وهي منفتحة على زيادة مشترياتها من الطاقة الأميركية، لكنها مترددة في وقف واردات النفط الروسية تمامًا.

وصرح وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار للصحافيين الثلاثاء بأن المناقشات مع واشنطن مستمرة، حيث يعقد مسؤولون من كلا البلدين محادثات افتراضية حول التجارة، وأمن الطاقة، بما في ذلك التعاون النووي، واستكشاف المعادن المهمة.

ويمثل الخام الروسي الآن ما يقرب من 40 في المئة من إجمالي مشتريات الهند من لا شيء تقريبًا قبل الحرب، ويقول المحللون إن أيّ توقف فوري لن يشير فقط إلى الاستسلام تحت الضغط ولكنه أيضًا غير مجدٍ اقتصاديًا.

هابيمون جاكوب: الهند لا تملك رفاهية التفضيل بين روسيا والولايات المتحدة

وتقود المشتريات الهندية شركة ريلاينس إندستريز التابعة للملياردير موكيش أمباني، والتي تدير أكبر مجمع تكرير في العالم في ولاية غوجارات، مسقط رأس مودي.

ويمكن أن ترتفع أسعار الخام بأكثر من ثلاثة أضعاف إلى نحو 200 دولار للبرميل إذا توقفت الهند، ثالث أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم، عن شراء النفط من روسيا.

ووفقًا لتقديرات حكومية هندية داخلية راجعتها رويترز ستفقد أيضًا خصمًا يصل إلى 7 في المئة على عروض النفط الروسية مقارنة بالمعايير العالمية.

وفي بيان حاد بشكل غير معتاد هذا الشهر، اتهمت الهند الولايات المتحدة بازدواجية المعايير في استهدافها لواردات النفط الروسية بينما تستمر هي نفسها في شراء سادس فلوريد اليورانيوم والبلاديوم والأسمدة الروسية.

وتقول نيودلهي إن الدول الأخرى التي زادت من مشترياتها من النفط الروسي، مثل الصين، لم تُعاقب. واتهم وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت الهند بالتربح من الزيادة الحادة في مشترياتها من النفط الروسي، ووصف ذلك بأنه غير مقبول.

وفي مقابلة مع شبكة سي.أن.بي.سي الأسبوع الماضي، صرّح بأنه على عكس الزيادة الكبيرة في واردات الهند من النفط الروسي بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، ارتفعت مشتريات الصين من النفط الروسي من 13 إلى 16 في المئة.

وتؤكد الهند أن وارداتها من النفط الخام من روسيا “تهدف إلى ضمان تكاليف طاقة متوقعة ومعقولة للمستهلك الهندي. إنها ضرورة فرضتها حالة السوق العالمية.”

وحذّرت وزارة خارجيتها من أن وقف واردات النفط الروسي، التي تبلغ حاليًا حوالي مليوني برميل يوميًا، سيعطل سلسلة توريدها بالكامل ويرفع أسعار الوقود المحلية.

وذكرت أن الإدارة الأميركية السابقة برئاسة جو بايدن دعّمت مشترياتها من النفط الروسي للحفاظ على استقرار الأسعار العالمية، فيما تقول موسكو إنها تتوقع أن تواصل الهند شراء النفط منها.

ولم يُعلّق مودي مباشرةً على الرسوم الجمركية، لكنه تعهد مرارًا بدعم المزارعين الهنود، وهو ما يُنظر إليه على أنه ردٌّ مُبطّن على مطالب ترامب بفتح القطاع الزراعي الهندي الواسع.

ويُشكّل المزارعون كتلةً تصويتيةً رئيسية، ويواجه مودي انتخاباتٍ صعبةً في ولاية بيهار الريفية في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام. كما تعهّد بتخفيضاتٍ كبيرةٍ في ضريبة السلع والخدمات بحلول أكتوبر لتعزيز الطلب المحلي.

وفي إطار نشاط دبلوماسي مكثف يهدف إلى تعزيز التعددية القطبية، زار مسؤولون هنود كبار روسيا في الأيام الأخيرة، بينما من المقرر أن يزور مودي الصين هذا الشهر لأول مرة منذ أكثر من سبع سنوات.

◄ الأسعار قد ترتفع إلى 200 دولار للبرميل إذا توقف ثالث أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم عن شراء الخام من روسيا

وبدأت العلاقات الهندية – الصينية بالتحسن منذ نحو عام، عقب اشتباك حدودي مميت عام 2020. ومن المتوقع أن يلتقي مودي بالرئيس شي جينبينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة منظمة شنغهاي للتعاون – وهي تكتل أمني إقليمي- والتي تبدأ الأحد المقبل.

إلا أن المصادر التي تحدث لرويترز ولم تذكر هويتها، أشارت إلى أن الهند لا تزال حذرة للغاية في علاقاتها مع الصين، ولم تفكر بعد في عقد قمة ثلاثية بين القادة الثلاثة، كما تأمل روسيا.

ويعتقد خبراء أن الدول الأخرى قد تستلهم من رد فعل الهند على الرسوم. وقال جاكوب “الخلاصة للدول الأخرى هي أنه إذا تعرضت الهند، وهي قوة اقتصادية وعسكرية كبرى ناشئة، لضغوط هائلة من واشنطن، فقد تكون قدرتها على تحمل الضغط الأميركي أقل.”

وبالإضافة إلى ذلك، قد يفسر البعض الديناميكيات الحالية على أنها تشير إلى أن الصين قد تُشكّل قوة موازنة، وخاصة في ظل تحركات ترامب الجيوسياسية غير المتوقعة والعدوانية.

ويقول خبراء إن تحركات ترامب الأخيرة قد أعادت العلاقات الأميركية – الهندية إلى أسوأ مراحلها على الأرجح منذ فرض الولايات المتحدة عقوبات على الهند بسبب تجاربها النووية عام 1998.

وإلى جانب التجارة، قد يؤثر الخلاف على مجالات أخرى مثل تأشيرات العمل للمتخصصين الهنود في مجال التكنولوجيا ونقل الخدمات إلى الخارج.

وحتى لو تمكنت الهند في نهاية المطاف من إلغاء بعض الرسوم، فإن العديد من العواقب ستبقى، لاسيما في مجال التجارة.

وقال أجاي سريفاستافا، مؤسس معهد جي.تي.آر.آي، وهو مسؤول تجاري هندي سابق، “المنافسون مثل الصين وفيتنام والمكسيك وتركيا، وحتى باكستان ونيبال وغواتيمالا وكينيا، سيستفيدون، ما قد يُبعد الهند عن أسواق رئيسية حتى بعد إلغاء الرسوم.”

 

11