رحيل بياتريس أوريا مونزون بطلة أوبرا كارمن الشهيرة
باريس – توفيت مغنية الأوبرا الفرنسية-الإسبانية بياتريس أوريا مونزون السبت عن 61 عاما في مدينة أجان بجنوب غرب فرنسا، بعد صراع طويل مع المرض، وفقا لما أعلنته مديرة أعمالها على “فيسبوك.”
وقالت تيريز سيديل التي تولت إدارة أعمال مونزون نحو 40 عاما لوكالة فرانس برس إنها “كانت فنانة ضخمة. كانت ضخمة (في دور) كارمن،” واصفةً إياها بأنها مغنية “من الطراز الرفيع،” و”صريحة جدا، وصادقة جدا، ومحبوبة جدا.”
وُلِدت بياتريس أوريا مونزون في 28 ديسمبر 1963 في مدينة أجان بفرنسا، لوالد إسباني يعمل رسامًا، مما أضفى على مسيرتها بعدًا ثقافيًا مزدوجًا مع امتداد تراثي فرنسي-إسباني.
1989
بدأت مسيرتها الاحترافية فعليًا بأداء دور Chérubino في Les Noces de Figaro، لكنها نالت الشهرة العالمية وتأثيرًا لا يُمحى بعد أن جسدت شخصية كارمن عام 1993
بدأت اهتمامها بالغناء منذ المرحلة المدرسية، حيث انضمت إلى جوقة المدرسة، ثم تعلقت بالأوبرا والتحقت أولاً بجامعة بوردو، ثم صقلت صوتها في المعاهد الموسيقية البارزة مثل المعهد الوطني بوردو، والمركز الوطني لفن الأوبرا في مرسيليا، وصولًا إلى مدرسة الفن الغنائي بأوبرا باريس.
بدأت مسيرتها الاحترافية فعليًا عام 1989 بأداء دور Chérubino في Les Noces de Figaro، لكنها نالت الشهرة العالمية وتأثيرًا لا يُمحى بعد أن جسدت شخصية كارمن عام 1993. منذ ذلك الحين، كرّست نفسها كرمز لهذه الشخصية على أبرز مسارح العالم من نيويورك إلى فيينا وغيرها.
وبرزت هذه الميزو-سوبرانو لسنوات بأدائها غير التقليدي لأوبرا “كارمن” لجورج بيزيه (1838-1875) في أوبرا باريس، وقد انعكست جذورها الثقافية المزدوجة في اختياراتها الفنية، لاسيما في تجسيدها لشخصية “كارمن” التي أصبحت توقيعها الفني الأبرز، حيث يرى النقاد أن أوريا مونزون لم تكن تؤدي “كارمن” فحسب، بل تتقمص دور البطلة واستطاعت بفضل صوتها الدافئ والقوي، وحضورها المسرحي الطاغي، أن تعيد رسم ملامح البطلة الغجرية لتصبح أكثر عمقًا وتحررًا من القوالب النمطية.
وعلى مدار مسيرتها، وقفت أوريا مونزون على أهم مسارح الأوبرا في العالم، من أوبرا باريس إلى متروبوليتان نيويورك، مؤدية أدوارًا تتراوح بين “دليلة” في “شمشون ودليلة” و”شارلوت” في “فيرتر”، إلى جانب مساهماتها في الريبرتوار الفرنسي والإيطالي. وتميز أداؤها بقدرتها على الجمع بين التقنية الصارمة والتعبير العاطفي الصادق، مما جعلها محبوبة من الجمهور والنقاد على حد سواء. في كل ظهور لها، كانت أوريا مونزون تثبت أن الغناء الأوبرالي ليس مجرد استعراض لقدراتها الصوت، بل هو تمثيل أيضا وتجسيد إنساني عميق للشخصية وللحظات عاطفية مهمة.
وقد أصدرت عام 2021 أول ألبوم منفرد لها بعنوان Assoluta يعكس تحولها من ميزو-سوبرانو إلى سوبرانو درامية.
وعن دورها “كارمن” تحدثت المغنية الراحلة في تصريحات صحفية عن علاقتها العميقة بالدور، وكيف تطورت رؤيتها له عبر ثلاثين عامًا من الأداء، حيث قال: بعد توقفها عن أدائه: “لن أعيد أداءه، لقد أنهيتُ علاقة هذا الدور بي… بعد 400 عرض،” موضحة: “كنت أرغب في أن أظهر أن كارمن يُمكن أن تجد صعوبة في ترك دون خوسيه”، في تجسيد إنساني يتجاوز الصور النمطية.
وتُعد “كارمن”، من أعمدة الريبرتوار الأوبرالي العالمي، لما تحمله من عمق درامي وابتكار موسيقي فريد. عُرضت لأول مرة عام 1875 في باريس، وقد شكلت آنذاك صدمة للجمهور المحافظ بسبب جرأة بطلتها وقصتها التراجيدية التي تنتهي بجريمة قتل على خشبة المسرح. كتب النص الغنائي هنري ميلهاك ولودوفيك هاليفي باللغة الفرنسية، مقتبسينه من رواية قصيرة للكاتب بروسبير ميريميه.

تدور قصة الأوبرا حول كارمن، الغجرية الحرة والمتمردة، التي ترفض الخضوع لأي سلطة، وتعيش الحب بشروطها، حتى لو كلّفها ذلك حياتها. هي قصة رومانسية تحكي موسيقيا قصة رجل باسيكي عشق امرأة غجرية متقلبة العواطف حولته من جندي مطيع إلى شقي خارج على القانون مطلوب رأسه، ليقوده هذا الحب الجارف أخيرا إلى ساحة الإعدام بعد أن طعنها بسكين في صدرها.
وتميزت الأوبرا بمزيج من الألحان الفرنسية الأنيقة والنكهات الإسبانية الصاخبة. ورغم فشلها في العرض الأول، عادت “كارمن” لتصبح بعد وفاة بيزيه لتصبح تحفة فنية خالدة تتجدد مع كل أداء، لما تحمله من طاقة مسرحية وإنسانية تُلامس القضايا الأزلية: الحب، الحرية، الغيرة والموت.
وذكّرت مديرة أعمال مونزون بـ “المسيرة الفنية الدولية الكبيرة” لفنانة “بكل ما تحمله الكلمة من معنى.” وانتقلت بياتريس أوريا مونزون إلى فئة السوبرانو، ومن أبرز أعمالها فيها أوبرا “توسكا” وشخصية الليدي ماكبث، إضافة إلى ادوار عدة أخرى.
وكتبت وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة روزلين باشلو على إنستغرام “كم هو محزن أن نفقد صديقة ومغنية رائعة!” أما التينور الإيطالي روبرتو ألانيا الذي شاركها في أوبرا “كارمن”، فكتب على فيسبوك “وداعا يا بيا!”