دواع غامضة لتسويق "إيجابية" الحصيلة الرئاسية في الجزائر

وكالة الأنباء الجزائرية قدمت الرئيس تبون في ثوب الشخصية الاستثنائية رغم انحداره من النخبة التي استحوذت على السلطة منذ الاستقلال.
الخميس 2025/07/03
في غياب الحيادية

الجزائر- قدمت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، في تقرير لها، حصيلة إيجابية للرئيس عبدالمجيد تبون، خلال ست سنوات من اعتلائه قصر المرادية، وسط تساؤلات عن دلالات ودواعي الاستعراض، فلا هو تزامن مع نهاية ولاية رئاسية، ولا حتى نهاية عام من الولاية الجديدة، الأمر الذي يعيد طرح آليات تقييم عمل الأجهزة الرسمية، خاصة في ظل غياب آليات رقابية للسلطات التشريعية والسياسية والإعلامية.

وتحت عنوان “عهد تبون.. عودة الريادة الجزائرية”، سردت البرقية مختلف المعالم التي شكلت عناوين حقبة الرئيس تبون في حياة البلاد، دون أن تتناول الانتظارات المعطلة للجزائريين، في عدد من القطاعات كالشغل والتعليم والصحة والخدمات، الأمر الذي يضعها في خانة الدعاية التي يراهن عليها لإضفاء ألوان معينة تريدها السلطة على الواقع الجزائري.

وأشارت البرقية إلى أنه “منذ توليه رئاسة الجمهورية في ديسمبر 2019، باشر الرئيس عبدالمجيد تبون مسار تحول عميق في الجزائر، في مستوى تطلعات شعب لطالما بحث عن التغيير والتجديد، وفي سياق طبعته أزمة ثقة غير مسبوقة بين الحاكم والمحكوم، وتراجع مكانة الجزائر على الساحة الدولية، شكل تولي الرئيس عبدالمجيد تبون سدة الحكم نقطة انطلاق لتحول يصفه الجميع بالتحول الجذري، سواء على الصعيد السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي“.

تباين النتائج العملية، مع خطاب السياسي للرئيس الذي تحدث في أكثر من مناسبة عن الارتقاء بالوصول إلى سقف 30 مليار دولار، كمداخيل خارج المحروقات

وقدمت الوكالة، الرئيس تبون، في ثوب الشخصية الاستثنائية في البلاد، رغم انحداره من النخبة التي استحوذت على السلطة منذ الاستقلال إلى غاية الآن، فتحت لوائها تدرّج في مختلف المسؤوليات وشغل عددا من المناصب إلى غاية أن وصل إلى قصر المرادية.

وقالت “ورث الرئيس تبون بلدا دفعه الحراك الشعبي سنة 2019 إلى الاستفاقة من سبات مؤسساتي دام سنوات، فبادر منذ البداية إلى وضع الأسس الصحيحة لإعادة التأسيس السياسي، فتم حل البرلمان، وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، وتعزيز إدماج الشباب في الحياة العامة. وفي ظرف ست سنوات فقط، أعاد نسج خيوط الثقة بين الدولة ومواطنيها، مانحا الشعب مكانة مركزية في المنظومة المؤسساتية.”

وعلى منحى الوكالة الرسمية، سارت الصحف والمواقع الإخبارية المحلية، حيث تم تناقل محتوى البرقية التسويقية بالجملة والتجزئة، ما أضفى على المشهد الإعلامي حملة دعائية للرجل الأول في الدولة، رغم عدم وجود أيّ استحقاق انتخابي يستهدف استمالة الناخبين.

وفي غياب مؤسسات محترفة في سبر الآراء وإعداد الاستطلاعات، يستعان بها في قياس شعبية المسؤولين، وحتى في ظل المشاركة الشعبية الضعيفة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية المنتظمة منذ العام 2019، فإن الوكالة الرسمية أكدت على أن سياسة “المواطن خط أحمر،” وهي السياسة التي يؤكد عليها الرئيس في كل مناسبة.

وأضافت “كرست مراجعة الدستور، التي زكاها الاستفتاء الشعبي، توازنات جديدة في السلطة، وعززت الحقوق والحريات، لأنها كرّست مبدأ السيادة الشعبية كركيزة أساسية في المشروع الوطني. وهي خطوة تعيد، في نظر الكثيرين، الاعتبار لعهد أول نوفمبر 1954 ولروح الجزائر الفخورة بجذورها الثورية، ممجدة نضالات وبطولات ماضيها ومتطلعة بكل إصرار نحو المستقبل“.

تم تناقل محتوى البرقية التسويقية بالجملة والتجزئة، ما أضفى على المشهد الإعلامي حملة دعائية للرجل الأول في الدولة، رغم عدم وجود أيّ استحقاق انتخابي

وفي خضم ما وصفته بالانجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي بنيت عليها مقاربة الرئيس تبون، لفتت إلى أن المراهنة على مرحلة ما بعد المحروقات هي من أبرز تحديات عهد الرئيس تبون. ففي بلد ظل مرتهنا لعائدات النفط، كرّست مساعي النهوض بالصناعة، وتحديث الزراعة، ودعم الصادرات خارج المحروقات إرادة واضحة لبناء اقتصاد متنوع، مدرّ للثروات وفرص العمل، واليوم، تسجل الجزائر نسبة نمو للناتج الداخلي الخام تصل إلى 4.2 في المئة وهو أداء أشادت به مؤسسات مالية دولية عدة، واعتبرته دليلا على الصمود والقدرة على التعافي.

لكن ما لم تتطرق إليه، هو تباين النتائج العملية، مع محاور الخطاب السياسي للرئيس الذي تحدث في أكثر من مناسبة عن الارتقاء بالوصول إلى سقف 30 مليار دولار، كمداخيل خارج المحروقات، في غضون العام 2030، لكن النتائج تتحدث عن سبعة مليارات دولار فقط، وهو رقم بعيد جدا عن الطموحات المروّج لها، ما يثير الاستفهام عن صدقية الوعود الرئاسية.

وفي غياب بيانات محايدة من طرف جهات مختصة، تابعت “يولي الرئيس تبون أهمية بالغة للعلم والابتكار باعتبارهما رافعتين أساسيتين للتنمية المستدامة، حيث تم إنشاء مدارس وطنية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، مع تقديم دعم متزايد للبحث العلمي والمقاولاتية الذاتية، في خطوة تهدف إلى إعداد جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل التكنولوجي. وقد أصبحت الشركات الناشئة محورا رئيسيا لهذا التوجه، كوسيلة لإقحام الكفاءات الجزائرية الشابة في النهضة التنموية“.

ورغم أن الجزائر تعيش في محيط متوتر، وتربطها علاقات مأزومة مع عدة عواصم، إلا أن الوكالة الرسمية، ذكرت بأن البلاد استعادت صوتها وهيبتها. ولفتت إلى أنه، من الساحل الأفريقي إلى المتوسط، ومن القضية الفلسطينية إلى نصرة القضايا الأفريقية، تؤدي الجزائر دورها كاملا كقوة إقليمية حرة في قراراتها ومواقفها، موقف غالبا ما يزعج البعض، لأن صرامة المبدأ تصدم الخطابات السائدة، لكنه يعزز من مصداقية الجزائر وصورتها لدى الشعوب التي ترى فيها شريكا وفيا، ثابتا، ويحترم التزاماته.

1