خولة المناعي تستعرض ثراء تجربتها الفنية في "سيرة ومسيرة"

المعرض يعكس المراحل المختلفة التي مرت بها الفنانة من الدراسة والتعلم إلى الإبداع والمشاركة في معارض محلية ودولية.
السبت 2025/09/06
تجربة قطرية منفتحة على العالم

الدوحة – في معرض “سيرة ومسيرة” اختارت الفنانة التشكيلية القطرية خولة المناعي أن تقف مع جمهورها وقفة تأمل في تجربتها الفنية، في الخمسة والثلاثين عاما الماضية، وكيف بدأت تجربتها ونضجت وأبرز التحولات التي شهدتها، مستعيدة ذكرياتها مع لوحاتها ومع محطات مهمة من مسيرتها التي هي جزء مهم من مسيرة التشكيل القطري.

وافتتح الدكتور خالد بن إبراهيم السليطي المدير العام للمؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا، معرض “سيرة ومسيرة” بحضور عدد من ممثلي البعثات الدبلوماسية ونخبة من الفنانين والإعلاميين والمهتمين، وذلك في قاعة رقم 2 بمبنى 18.

ويضم المعرض الذي انطلق في الرابع من سبتمبر الجاري ويستمر حتى الثالث عشر من الشهر ذاته، قرابة ثمانين عملا فنيا متنوعا يجمع بين النسيج والرسم الواقعي والتجريدي والتأثيري، إلى جانب الخط العربي الذي يوثق مسيرة الفنانة منذ انطلاقتها عام 1990 وحتى 2025، كما يعكس المراحل المختلفة التي مرت بها من الدراسة والتعلم إلى الإبداع والمشاركة في معارض محلية ودولية.

بوكس

وقالت الفنانة خولة المناعي إن المعرض يسلط الضوء على ثراء تجربتها الفنية وتنوع أساليبها وتقنياتها، حيث تقدم من خلال لوحاتها مدارس فنية متعددة تكشف عن تمازج الذكريات مع التجارب الشخصية، كما تتناول مواضيع ثقافية ذات صبغة محلية، تفتح للزائر نوافذ على ملامح الماضي، إلى جانب استلهامها لعناصر أخرى تأثرت بها من خلال اطلاعها على ثقافات عالمية متعددة بما يشير إلى أهمية الفنّ في مدّ جسور التواصل بين الحضارات.

وشاركت الفنانة في العديد من المعارض داخل قطر وخارجها، حيث مثلت الدولة في محافل فنية دولية، ومن أبرز أعمالها لوحة “امرأة من الماضي” التي عُرضت في المغرب وبريطانيا وفرنسا بالتعاون مع وزارة الإعلام سابقا والديوان الأميري، كما حصلت على عدة جوائز في الرسم من قطر ودول الخليج، وتمَّ تكريمها في دولة الكويت عام 2019 عن أبحاثها في السدو وتكريمها من حاكم الشارقة تقديرا لجهودها في جمع الحكايات الشعبية، وأقتني عدد من أعمالها لمتاحف ومؤسسات مرموقة، كما تُعرض لوحتان من أعمالها النسيجية في أحد المتاحف السويسرية.

يذكر أن الفنانة خولة محمد عبدالعزيز المناعي درست الفن في قطر، وتعلمت علم النسيج في جامعة حلوان بمصر، قبل أن تطوّر أسلوبها الفني بدراسة الفن التجريدي في جامعة الفنون ببريطانيا.

يصفها البعض بأنها فنانة تشكيلية قطرية “بصريا وفكريا”، فأعمالها تمزج بين التكوين الهندسي والرمزي، وتنتقل من الواقعي إلى السوريالي، ومنه إلى المفاهيمي بأسلوب احتفى بالفن المعاصر المحلي والعالمي. تستخدم خامات بسيطة لتوليد رموز معقدة وألغاز بصرية، وتحوّل فضاء المعرض إلى مسرح بصري يتفاعل معه الجمهور. كما تعيد صياغة العلاقة بين التراث والحداثة، وتمنح المشاهد الحرية في بناء تفسيره الخاص لأعمالها.

لوحاتها تتوازن بين الوضوح والغموض، إذ تبدو بسيطة المظهر لكنها تحمل عمقا تكوينيا عبر علاقات غير تقليدية بين عناصر فنية مثل الحبال والحلقات والتفاحات المعلقة، كما تستخدم زخارف من التراث القطري مثل السجاد والبيوت القديمة بأسلوب تجريدي دقيق. هذا التداخل الإبداعي بين الرسوم الهندسية والزخارف التراثية يمنح أعمالها صوتا بصريا قويا يؤكد أصالتها وانتماءها المحلي.

في أحد معارضها، تحولت خولة المناعي من أسلوب السوريالية إلى مدرسة ما بعد الحداثة والتعبير المفاهيمي، حيث اعتمدت على تركيبة غامضة تستدعي التأويل، مستخدمة خامات بسيطة مثل الحبال وصفائح الحديد وحلقات النايلون لتوليف أشكال هندسية ذات دلالة رمزية، مع ألوان ترابية (بنية ورمادية) تعكس البيئة المحلية. هذا التحول جعل أعمالها تبدو مثل ألغاز تتحدى المشاهد لفك رموزها، مما منحها عمقا فكريا وتأملا بصريا.

وفي معارضها التجريدية، لم تكتف المناعي باللوحات فقط، بل استخدمت المجسمات التركيبية المصنوعة من الحديد والتي تغطي أرضية الصالة بشكل سينوغرافي، فحولت المساحة إلى مشهد مسرحي يتجول فيه الزائر، وكأن شخصيات رمزية – كرجل وامرأة – تتنقل عبر حكاية بصرية رمزية.

وقد أوضحت في إحدى المرات تحولها نحو المدرسة التجريدية بالقول “لأني أخذت دورة في المدرسة التجريدية في إيطاليا عام 2005 وأحببت التجريدية لأنها تمنح للفنان قراءات مختلفة للفن وتبعده عن الواقعية التي دار حولها جدل من ناحية الحلال والحرام”.

ومن الجوانب التي أثارت إعجاب النقاد في أعمال خولة المناعي هو احترامها لتعدد القراءات، وابتعادها عن فرض تفسير محدد على المتلقي. فهي تفتح أمام الجمهور مساحة واسعة للتفاعل الحر مع العمل، وتشجع على التأويل الذاتي، ما يجعل من تجربتها حوارا بصريا مستمرا بين الفنانة والمشاهد. وقد اعتبر النقاد هذا النهج علامة على ثقة الفنانة بجمهورها، وعلى وعيها بطبيعة الفن الحديث الذي يتجاوز الرسائل المباشرة نحو خلق تجارب شخصية وفردية لدى كل متلق.

ويرى بعض النقاد أن تجربة الفنانة تُعد من التجارب الفنية المتميزة في المشهد التشكيلي القطري والعربي. فهي تجربة غنية ومتجددة، تجمع بين الجذور المحلية والأساليب العالمية، بين الحس الجمالي والتأمل الفلسفي، وتُظهر قدرة لافتة على الابتكار دون الانفصال عن التراث. ويُنظر إلى أعمالها كمساحة فنية حرة، تتجاوز الجماليات السطحية نحو أسئلة أعمق حول الهوية، والوجود، والعلاقة بين الشكل والمعنى.

Thumbnail
14