حمّى القبض على مقاليد السلطة التنفيذية تستبق الانتخابات البرلمانية العراقية
عودة رئيس الوزراء العراقي الحالي محمّد شياع السوداني لتولي رئاسة الحكومة إثر الانتخابات البرلمانية القادمة لا يعني فقط حرمان الطامحين لتولي المنصب من الفوز به، لكنّها تعني أيضا أن يكون أقوى مما كان عليه في ولايته الأولى وأكثر قدرة على محاربة الفساد ومعاقبة الضالعين فيه.
بغداد- قبل أكثر من شهر على موعد الانتخابات البرلمانية في العراق انطلق داخل الأوساط السياسية والحزبية ما يشبه عملية تفكير بصوت عال في تحديد من يتولّى رئاسة الحكومة أهم منصب تنفيذي في البلاد، وذلك دون الحاجة إلى انتظار ما ستتمخّض عنه صناديق الاقتراع من نتائج، حيث يعرف كبار الفاعلين السياسيين والمعنيين بقيادة الدولة أن الأمر يتوقّف على الصفقات السياسية والتوافقات بين الأحزاب أكثر من الاعتماد على النتائج الانتخابية.
وبمجرّد انطلاق الحملة الانتخابية نشطت بالتوازي معها سوق التسريبات وإطلاق بالونات الاختبار محمّلة بأفكار و”أخبار” متضاربة بشأن الاختيار المسبق لرئيس الوزراء القادم.
وحملت بعض التسريبات رسائل سلبية لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني الذي يخوض الانتخابات ضمن تحالف يحمل اسم “الإعمار والبناء” بهدف محدّد ومعلن وهو الحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة.
لكن المنصب ذاته مطلوب بقوّة من قبل منافسين كبار للسوداني من داخل عائلته السياسية الشيعية الموسّعة ما يجعلهم معنيين بقطع طريق عودته إلى المنصب حتى قبل الانتخابات ونتائجها.
ومثلما تريد بعض القوى احتكار المنصب لقادتها نظرا إلى ما ينطوي عليه من امتيازات كبيرة ومن تحكّم في مقدرات الدولة بما في ذلك المقدرات الاقتصادية والمالية التي كانت دائما مدار صراع شرس بين الأحزاب والفصائل المسلحة المتنفذة، لا تريد القوى ذاتها أن ترى السوداني يعود إلى السلطة أقوى مما كان عليه في ولايته الأولى ومستندا إلى قدر من الشعبية تأتّى له من وراء الإنجازات التي حققها والمشاريع التي أطلقها.
النقاش المسبق حول شخص رئيس الوزراء دليل على أن الكلمة الفصل هي للتحالفات والصفقات وليست للانتخابات
كما لا تريد أن تراه مطلق اليدين ومتحرّرا من ضغوط القوى التي أوصلته إلى المنصب في ولايته الأولى كخيار ضرورة بديل عن السيناريو الأسوأ بالنسبة إليها والذي واجهته إثر الانتخابات البرلمانية السابقة حين حقّق تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر نتائج انتخابية جيدة كانت ستقوده إلى تعيين رئيس للوزراء ما جعل القوى المضادّة للتيار تتكتل في ما بينها وتشكل الإطار التنسيقي الشيعي الذي اختار السوداني رئيسا للحكومة.
ويعني وجود رئيس وزراء قوي على رأس السلطة التنفيذية، أيضا، لدى الكثير من القوى الضالعة في الفساد وسرقة المال العام إمكانية إخضاعها للمحاسبة والعقاب، علما أنّ هذا المسعى يمثّل أحد الشعارات الرئيسية في الحملة الانتخابية للسوداني.
وفي أجواء الصراع المبكّر على رئاسة الحكومة بدأت تروّج أسماء بعض الشخصيات كمرشّحة لشغل المنصب وذلك على سبيل اختبار النوايا وجس نبض الطبقة السياسية والرأي العام الشعبي.
وتناقلت منابر إعلامية ومواقع للتواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة اسم الأمين العام الحالي لمجلس الوزراء حميد الغزي كموضع توافق بين قوى شيعية رئيسية من بينها تيار مقتدى الصدر، الوطني الشيعي، لتولي المنصب إثر انتخابات نوفمبر القادم.
لكنّ مصادر سياسية مطلعة نفت حدوث ذلك التوافق وفنّدت بشكل قطعي الأنباء التي تم تداولها حول التوصل إلى اتفاق نهائي بين القوى السياسية لتسمية الغزي المقرب من الصدر رئيسا لمجلس الوزراء المقبل واصفة ما يتمّ تداوله بهذا الشأن بأنّه “تكهنات وتسريبات غير دقيقة”.
ورغم ذلك النفي إلاّ أنّ المصادر أقرّت بوجود مشاورات فعلية بين القوى السياسية بشأن اختيار رئيس الوزراء القادم في مظهر على اهتمامها الشديد بهذا الموضوع الحيوي بالنسبة إليها والهامّ لمكانتها في السلطة.
ونقلت وكالة شفق نيوز الإخبارية عن قيادييْن في الإطار التنسيقي، وقيادي في التيار الوطني الشيعي قولهم إنّ “المشاورات بين القوى السياسية مازالت مستمرة ولم تصل إلى مرحلة الحسم بشأن المرشح لرئاسة الحكومة المقبلة، وملف تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات ما يزال يخضع للنقاش داخل أروقة الإطار التنسيقي وبالتنسيق مع بقية الشركاء السياسيين من الأكراد والسنة، ولم يطرح اسم الغزي رسميا في أيّ اجتماع مشترك حتى الآن، وهذا الملف سابق لأوانه والحوارات الحاسمة ستكون ما بعد إعلان نتائج انتخابات البرلمان”.
وأضافت ذات المصادر أن “التيار الصدري مازال مقاطعا لأيّ تواصل واتصال مع الأطراف السياسية العراقية كافة ولا يوجد أيّ اتفاق أو تنسيق بخصوص اختيار رئيس الوزراء المقبل إطلاقا.”
ويعتبر الصدر وتياره أحد أبرز المتضررين من تكتلات القوى السياسية التي سبق أن انتزعت منه امتياز تشكيل الحكومة الذي كان على وشك الحصول عليه إثر انتخابات أكتوبر 2021.
وعلى هذه الخلفية أعلن الرجل مقاطعته الانتخابات القادمة داعيا أنصاره لعدم المساهمة في انتخاب من يعتبرهم فاسدين والامتناع عن مساعدتهم على الصعود إلى السلطة وإضفاء المشروعية على انتخابهم.
ورغم تلك المقاطعة مازال اسم الرجل يُقحم في قضية اختيار رئيس الوزراء القادم، وهو أمر يبدو متعمّدا من قبل مطلقي الإشاعات وبالونات الاختبار المتعلقّة بهذا الأمر لمنح جهودهم للتشويش على حملة السوداني وعرقلة مساره نحو الولاية الثانية قدرا من القوّة نظرا إلى ما للصدر من قوّة جماهيرية وتأثير على مزاج الشارع.