حملة السوداني ترسم الإعمار والبناء في مواجهة الفساد والفشل للفوز بالانتخابات
 
بغداد - تتجه الأنظار في العراق نحو الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي لم تعد مجرد استحقاق دوري، بل تحولت إلى ما يشبه الاستفتاء الوطني على مسار الدولة بين التنمية المتعثرة والفساد المستشري.
ويقود هذه المعركة رئيس الحكومة الحالي محمد شياع السوداني، الذي صعد بالخطاب السياسي إلى مستوى الصدام المباشر، واصفا المشاركة في هذه الانتخابات بأنها "معركة بين من يريد إعادة إنتاج مشاريع الفشل والفساد، وبين من يسعى لاستمرار عجلة الإعمار والتنمية في العراق".
وتعد هذه الصياغة بمثابة إعلان واضح للنيات، حيث يسعى السوداني ليس فقط للفوز بولاية ثانية، بل لتثبيت رؤية شاملة تتجاوز منطق المحاصصة والتوافقات الضيقة، نحو بناء "دولة قوية بقرارها، رصينة في إدارتها".
وأطلق السوداني، خلال حضوره مؤتمرا انتخابيا للترويج لمرشحي محافظة نينوى ضمن قائمة "الإعمار والبناء" التي يترأسها، نداء وطنيا مباشرا للمواطنين، يضع فيه مسؤولية التغيير على عاتق الناخب.
وشدد رئيس الحكومة على أن "المشاركة في الانتخابات هي موقف وطني يسجل للتاريخ، موقف يعيد الثقة بين المواطن والدولة".
ويربط هذا الخطاب بشكل استراتيجي بين ممارسة الحق الديمقراطي والتحول نحو نموذج حكم جديد، مؤكدا أن هذا التحول "لن يكون إلا بانتخاب الشخصيات الوطنية النزيهة الكفوءة".
ويأتي تركيز السوداني على مفاهيم "النزاهة" و"الكفاءة" ليضع منافسيه، وتحديدا الشخصيات التي ارتبطت بأخطاء الماضي وسنوات الفساد، في موقف دفاعي، مؤكدا أنه "لا مجال لأخطاء الماضي، ولا مجال للإهمال والتأخير".
وتتمحور حملة السوداني الانتخابية حول أولوية العمل وخدمة المواطن، فقد أكد أن "أولويتنا هي العمل وخدمة المواطن، ومهمتنا أن نعالج هموم الناس واحتياجاتهم، لأن خدمة أهلنا شرف نسعى إليه".
وتترجم هذه الأولويات في حركته الانتخابية عبر قوائم "الإعمار والبناء" التي تتوزع على غالبية المدن العراقية، مما يرسخ فكرة أن مشروعه يتجاوز البعد الطائفي أو الإقليمي الضيق إلى مشروع وطني يركز على الخدمات والبنى التحتية، وهو ما يلامس بشكل مباشر تطلعات الشارع العراقي بعد سنوات من سوء الإدارة وتدهور المرافق العامة.
ويظهر هذا التمركز حول الإعمار والتنمية قدرة السوداني على قراءة المزاج الشعبي الذي بات يطالب بالإنجاز المادي والملموس، بعيداً عن الشعارات السياسية الكبرى.
وينظر المحللون السياسيون إلى حملة السوداني الانتخابية على أنها تمثل انعطافا سياسيا في تاريخ العراق ما بعد 2003، فقد نجح رئيس الحكومة في الخروج من عباءة "الإطار التنسيقي" التي أوصلته إلى السلطة، عبر تقديم نفسه كمرشح للدولة والخدمات، لا كمرشح ائتلاف سياسي محدد.
ويشكل هذا التمايز بحد ذاته مكسبا استراتيجيا للسوداني، حيث يعزله عن الانتقادات الموجهة للطبقة السياسية التقليدية ويسمح له بالاستفادة من السخط الشعبي الواسع ضد الفساد والمحاصصة.
تعكس قائمة "الإعمار والبناء" استراتيجية "الإنجاز أولا"، وهي محاولة ذكية لتحويل الإخفاقات التراكمية للحكومات السابقة إلى وقود انتخابي لصالحه، بشرط أن ينجح في إقناع الناخبين بأنه يمتلك الأدوات والمشروعية لاستكمال هذا المسار.
وتعد مساعي رئيس الحكومة للحصول على ولاية ثانية لإدارة دفة الحكم خلال السنوات الأربع المقبلة محفوفة بتحديات كبيرة، أبرزها الرفض المعلن من قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي.
وتتمسك هذه القوى بتقليد التوافق داخل البيت الشيعي لتحديد رئيس الحكومة، وترى أن المنصب ليس من حصة الكيان الذي يحصل على الأغلبية في الانتخابات، مما يضع السوداني في مواجهة مباشرة مع القوى التقليدية.
ويتجسد هذا الرفض الداخلي في تسريب أسماء اثني عشر مرشحا محتملا لتولي منصب رئيس الحكومة الجديدة من قبل مصادر شيعية، ومن بينهم شخصيات ثقيلة مثل نوري المالكي، زعيم حزب الدعوة الإسلامية، الذي سبق أن تولى المنصب لدورتين متتاليتين بين عامي 2007 و2014، إضافة إلى أسماء أمنية مثل رئيس جهاز الأمن القومي قاسم الأعرجي ورئيس جهاز المخابرات حامد الشطري وآخرين.
ويفهم من هذا التحرك أنه محاولة لتقويض شرعية السوداني الانتخابية والضغط عليه للقبول بمنطق التوافق المسبق، الأمر الذي يتعارض بشكل مباشر مع خطاب "الدولة القوية بقرارها" الذي يتبناه.
ويشير مراقبون إلى أن تمرد السوداني على الإطار التنسيقي يخدم مصالح العراق الوطنية على المدى الطويل، فقد سئم الشارع العراقي من مبدأ التوافقات المغلقة التي تنتج حكومات ضعيفة ومشتتة الولاءات.
ويظهر السوداني شجاعة سياسية نادرة في خوض هذه المعركة بشكل فردي ضد منظومة التحاصص الراسخة.
وبالرغم من أن هذا المسار قد يعرضه لحرب سياسية وإعلامية شرسة، إلا أنه يوفر له فرصة تاريخية لكسر حلقة الفساد والإهمال عبر تفويض شعبي مباشر.
وتعتمد نجاحاته على قدرته على تحويل صراعه مع النخبة السياسية إلى صراع بين إرادة الشعب المتمثلة في الخدمات والنزاهة، وإرادة النخب المتمثلة في البقاء على السلطة والمنافع.
وتكتسب الانتخابات المقبلة أهمية مضاعفة بالنظر إلى حجم التنافس الديمقراطي غير المسبوق، فقد أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق أن نحو 7900 مرشح سيتنافسون في الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي ستجرى يوم 11 من الشهر المقبل في عموم البلاد، بما فيها مدن إقليم كردستان العراق.
ويتسابق هؤلاء المرشحون لشغل 329 مقعدا في البرلمان الجديد، الذي سيكون السادس منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
وتشير الأرقام المعلنة من المفوضية إلى وجود قاعدة انتخابية ضخمة، حيث يحق لـ21.404.291 عراقي الإدلاء بأصواتهم من أصل 47 مليون نسمة، وذلك عبر 8703 مراكز انتخابية تضم 39 ألفا و285 محطة اقتراع.
وتُبرز هذه الأرقام ضخامة العملية الديمقراطية وتؤكد أن مصير الولاية الثانية للسوداني وقائمة "الإعمار والبناء" مرهون بقدرته على حشد هذه الكتلة الناخبة.
وباشرت الكتل المتنافسة حملاتها الدعائية بفعالية كبيرة، حيث شرعت في نشر صور المرشحين وعقد التجمعات الجماهيرية المكثفة للتعريف ببرامجها.
ويلاحظ الاستعانة الواسعة بوسائل الإعلام والتلفزيونات ومواقع التواصل الاجتماعي، مما يؤكد تحولا في آليات التنافس السياسي نحو الوسائط الحديثة.
وفي خضم هذه الأجواء التنافسية المحتدمة، شكل اغتيال المرشح السني صفاء المشهداني، بانفجار عبوة ناسفة في منطقة الطارمية شمالي بغداد، صدمة كبيرة.
وتلقي هذه الحادثة الأمنية بظلالها على المشهد الانتخابي، وتذكر بالتحديات الأمنية المستمرة، رغم الأجواء المستقرة نسبيا في البلاد.
ويعد هذا الاغتيال بمثابة اختبار لإصرار الحكومة الجديدة على حماية العملية الديمقراطية، ويعزز من ضرورة التركيز على خطاب الأمن والاستقرار الذي يسعى السوداني لتثبيته كجزء لا يتجزأ من مشروع "الإعمار والتنمية" الذي يخوض معركته الكبرى من أجله.
 
        
      
    