حملة الحوثيين على الموظفين الأمميين تتواصل بلا هوادة
صنعاء – واصلت جماعة الحوثي حملتها على موظفي الأمم المتحدة في مناطق سيطرتها محوّلة العمل الكبير والضروري الذي تقوم به المنظمة في تلك المناطق في المجال الإنساني والإغاثي والخدمي إلى مقامرة بأمن وسلامة الموظفين القائمين على تأمين ذلك العمل.
ويتخذ الحوثيون الموالون لإيران من اتهام الموظفين الأمميين بالتجسس لمصلحة جهات خارجية في مقدمتها إسرائيل ذريعة لتنفيذ اعتقالات في صفوفهم كاشفين بذلك عن حالة من الفوبيا لدى قيادات جماعتهم من الاختراق الأمني والاستخباراتي خصوصا بعد أن نجحت إسرائيل في اغتيال رئيس حكومة الجماعة وعدد من الوزراء بالإضافة إلى رئيس أركانها.
وأعلن الأحد عن اعتقال ثلاثة موظفين يمنيين بينهم امرأتان يعملون لدى الأمم المتحدة في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون بتهمة التجسس لإسرائيل، وفق ما أفاد مصدر أمني حوثي وكالة فرانس برس.
وجاء ذلك استمرارا للحملة الأمنية بحق موظفي المنظمة الأممية والهيئات التابعة لها منذ نحو شهرين. كما جاءت التوقيفات الجديدة بعد يومين من توقيف سبعة موظفين محليين في الأمم المتحدة جميعهم يمنيون بتهمة التخابر مع إسرائيل.
مسؤول أمني حوثي في صنعاء يقول إنه لا تزال لدى جهاز الأمن والمخابرات قائمة طويلة لموظفين أمميين ملاحقين بالتجسس
وقال مسؤول أمني في صنعاء: “تم توقيف امرأتين تعملان في برنامج الأغذية العالمي من منزليهما السبت. كما تم توقيف رجل يمني يعمل في المنظمة نفسها مساء السبت.”
وأضاف المصدر الأمني: “لا يزال لدى جهاز الأمن والمخابرات في صنعاء قائمة لم تنته في توقيف المتورطين في التخابر مع العدو الإسرائيلي والأميركي.”
والأسبوع الماضي، أُفرج عن 20 موظفا لدى الأمم المتحدة، بينهم 15 أجنبيا، بعدما احتجزهم الحوثيون في المجمع الأممي في صنعاء إثر اقتحامه. وغادر 12 منهم اليمن لاحقا بحسب الأمم المتحدة. والجمعة، أعلنت الامم المتحدة أن 55 من موظفيها اعتقلهم الحوثيون منذ العام 2021، بينهم اثنان الخميس.
وفي الأشهر الأخيرة، أُوقف العشرات من موظفي الأمم المتحدة في مناطق يسيطر عليها المتمردون المدعومون من إيران.
واقتحم الحوثيون مكاتب الأمم المتحدة في صنعاء آخر أغسطس الماضي واحتجزوا أكثر من 11 موظفا، وفقا للمنظمة. كما اعتقلوا منذ ذلك الحين عددا غير محدد من موظفيها في مناطق سيطرتهم. وقال مسؤول حوثي كبير إنّ جماعته تشتبه في أنّ أولئك الموظفين كانوا يتجسّسون لحساب الولايات المتحدة.
واتّهم زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي منظمات تابعة للأمم المتحدة، منها برنامج الأغذية العالمي واليونيسف، بالمشاركة في “الدور التجسسي العدواني”، وقال إن بعضها كان له دور “في الاستهداف الإسرائيلي لاجتماع الحكومة، واستهداف رئيس الحكومة ورفاقه.”
وفي 28 أغسطس 2025 أسفرت ضربة نفّذتها الدولة العبرية على صنعاء عن مقتل رئيس حكومة الحوثيين أحمد غالب الرهوي إلى جانب عدد من الوزراء والمسؤولين، وتم في وقت سابق من الشهر الجاري الإعلان عن مقتل رئيس أركان القوات التابعة للحوثيين محمد عبدالكريم الغماري متأثرا بجراح أصيب بها في ضربة إسرائيلية سابقة.
علاقة ملتبسة تجمع بين جماعة الحوثي ومنظمة الأمم المتحدة حيث تجني الجماعة فوائد سياسية وحتى مادية مؤكّدة من حضور المنظمة وأنشطتها في اليمن
وعقب اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023، بدأ الحوثيون بشنّ هجمات في البحر الأحمر استهدفت سفنا قالوا إنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إليها. كما أطلقوا صواريخ ومسيّرات نحو الدولة العبرية، واضعين ذلك في سياق التضامن مع الفلسطينيين.
وردا على ذلك، نفّذت إسرائيل سلسلة ضربات في الأشهر الأخيرة على مناطق يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
وتجمع بين جماعة الحوثي ومنظمة الأمم المتحدة علاقة ملتبسة حيث تجني الجماعة فوائد سياسية وحتى مادية مؤكّدة من حضور المنظمة وأنشطتها في اليمن، وتقابل ذلك باتهامات وضغوط مستمرة عليها تصل حدّ اعتقال موظفيها على خلفية اتهامات لهم بالتجسس.
وقد أتاح حضور الأمم المتحدة في اليمن وعملها المتواصل طيلة سنوات الصراع بين الحوثيين والسلطة الشرعية اليمنية على خفض التوتر بينهما وعقد تفاهمات جزئية بشأن مسائل إنسانية وتبادل للأسرى جنبا إلى جنب محاولات إطلاق مسار سلمي أشمل، لجماعة الحوثي أن تحافظ على شبه اعتراف دولي بها كطرف محاور وشريك محتمل في السلام.
ولا يخلو الدور الأممي في اليمن من فوائد مادية وعملية ملموسة على أرض الواقع لسلطة الحوثيين، حيث تشارك الهيئات التابعة للمنظمة في تقديم مساعدات وإسداء خدمات أساسية لأعداد من سكان المناطق الخاضعة بحكم الأمر الواقع لتلك السلطة العاجزة عن الإيفاء بمتطلبات جميع السكان وتوفير احتياجاتهم.
وكما لا تنجح الأمم المتحدة في تغيير موقف الحوثيين منها وإنهاء اعتداءاتها على موظفيها، فإنها لا تنال بالمقابل رضا السلطة الشرعية اليمنية دائمة الانتقاد للمنظمة والتذمر مما تعتبره خدمات مجانية تسديها للجماعة الحوثية وتساهم من خلالها في إسنادها وتقوية موقفها.