حفتر يسترضي اليونان ويحافظ على علاقته مع مصر وتركيا
بنغازي (ليبيا)- حاول قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر ضرب عصفورين بحجر واحد، استرضاء لليونان وحفاظا على علاقة قوية مع مصر وتركيا، عندما دعا أثينا إلى الاستثمار في بلاده، ملمّحا إلى تجاوز عقبة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، والتي أعلنت اليونان رفضها.
وكشفت دعوة حفتر أثينا للاستثمار في ليبيا عن وجه براغماتي كبير في تصورات قائد القيادة العامة العسكرية في شرق ليبيا، ورغبته في المواءمة بين مصالحه مع مصر وتركيا، وعدم الدخول في مواجهة مع اليونان التي انزعجت من تطور علاقته مع أنقرة مؤخرا.
وتجد مصر نفسها في موقف حرج سياسيا، حيث تريد اليونان توظيف علاقة القاهرة الجيدة برئيس البرلمان عقيلة صالح، وقائد الجيش الوطني خليفة حفتر، لتبني موقفا علنيا رافضا لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية، لكن القاهرة التي تحسنت علاقتها مع تركيا لا تريد صداما معها، أو انهيارا لتحالفها مع اليونان في شرق البحر المتوسط.
◄ البرلمان الليبي يميل إلى المصادقة على الاتفاقية البحرية في أقرب جلسة قد يعقدها لأعضائه
ويقول متابعون إن الظروف السياسية التي رفضت فيها مصر الاعتراف بمذكرة التفاهم حول ترسيم الحدود بين ليبيا وتركيا في فبراير 2019، اختلفت كثيرا الآن، حيث تطورت العلاقات مع أنقرة ووصلت إلى مستوى مرتفع من التعاون الاقتصادي، كما كسرت تركيا “تابو” أو محرمات توطيد علاقتها مع قادة شرق ليبيا وكانوا غالبا ضد تصورات حكومة طرابلس حيال أنقرة وتعزيز مصالحها في الأراضي الليبية.
ويضيف هؤلاء المتابعون أن مصر قد تكون نصحت حفتر بفكرة دعوة اليونان للاستثمار وتقديم حوافز اقتصادية تخفف حرجها وتعزز حسن نواياها، وتقلل من تصعيد أثينا ضد اتفاقية ترسيم الحدود التي رفضتها مصر سابقا بحجة عدم قانونيتها، بعد أن حصلت بموجب هذه الاتفاقية على نحو 30 ألف كيلومتر مربع جديدة في المياه الإقليمية، وهو جانب مسكوت عنه في الاتفاقية ويمثل إغراء اقتصاديا كبيرا لمصر.
وقال مصدر مصري لـ”العرب”، رفض ذكر اسمه، إن القاهرة رفضت الاتفاقية لمنع نشوب صراعات في شرق المتوسط، وتعلم أن الترسيم بهذه الطريقة سيواجه باعتراضات قانونية، ونصيحتها دائما لكل الدول بحل الخلافات بالأدوات السياسية، كما أن حدودها البحرية مع اليونان جرى ترسيمها ولا توجد بها إشكاليات، والقبول بأيّ مساحة زيادة في المياه الإقليمية يؤثر سلبا على علاقة القاهرة الحيوية مع أثينا.
رخا أحمد حسن: موقف حفتر من الاستثمار اليوناني يعبّر عن توجه جديد
وجاء عرض حفتر لليونان عقب استقباله من قبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مدينة العلمين على البحر المتوسط، وبعد أيام قليلة من استقبال السيسي أيضا لرئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح.
وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن إن زيارة حفتر ثم عقيلة، أوحت بوجود تباين بينهما، ويصعب التأكيد على موقف ليبي واضح تجاه المجتمع الدولي، ومسألة تعيين الحدود من السابق لأوانه حسمها مع تركيا أو غيرها، وليبيا لم تحدد بوصلتها النهائية بعد، وأمام شواطئها قدرات طبيعية هائلة من النفط والغاز الطبيعي.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن موقف حفتر من الاستثمار اليوناني يعبّر عن توجه جديد، وكان من المقرر مشاركة شركات مصرية في إعمار مناطق عديدة قبل ظهور موقف مغاير للسلطة في شرق ليبيا، والتي قررت وضع معايير دولية لاختيار الشركات المساهمة في تلك العملية.
ودعا حفتر، الأحد، الشركات اليونانية المتخصصة في البنية التحتية وإعادة الإعمار، للمساهمة في المشاريع التنموية في ليبيا، وتعزيز المصالح المشتركة بين البلدين، في خضم استقباله وزير الخارجية اليوناني جورج جيرابيتريتيس والوفد المرافق له في بنغازي، والتباحث حول سبل دعم التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية.
وأعرب وزير خارجية اليونان خلال اللقاء عن تقديره لدور المشير حفتر في ترسيخ الأمن والاستقرار في ليبيا، وما تشهده المدن والقرى من نهضة عمرانية متسارعة.
وكانت قضية الحدود البحرية بين تركيا وليبيا ضمن قائمة القضايا التي ناقشها وزير خارجية اليونان مع حفتر، قبل اتجاه البرلمان للمصادقة عليها، وهو ما ترفضه أثينا.
وتعتبر اليونان الاتفاقية البحرية بين ليبيا وتركيا تعديا على نطاقها الإقليمي، وظهرت تحركات أوروبية للعمل على كبح أيّ خطوة ليبية نحو تثبيت الوضع القانوني للاتفاق.
واللافت أن حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في طرابلس والحكومة المكلفة من قبل مجلس النواب في بنغازي أعربتا عن استنكارهما لقيام اليونان بمنح تراخيص للتنقيب عن النفط والغاز في مناطق بحرية متنازع عليها مع ليبيا.
◄ القاهرة التي تحسنت علاقتها مع تركيا لا تريد صداما معها، أو انهيارا لتحالفها مع اليونان في شرق البحر المتوسط
وظلت مذكرة التفاهم حول مجالات تحديد الصلاحية البحرية الموقّعة بين ليبيا وتركيا معلّقة نحو ستة أعوام، وأعيد فتحها مؤخرا بعد أن تحسنت علاقات تركيا مع مصر، ونجحت الأخيرة في قطع شوط إيجابي لتطوير علاقتها مع حفتر وعقيلة.
ووقّعت شركة النفط التركية في 25 يونيو الماضي مذكرة تفاهم مع المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا لإجراء مسوحات زلزالية مشتركة ضمن المناطق البحرية في الاتفاق، ما أثار غضبا في اليونان، قابلته أنقرة بتكثيف تحركاتها الدبلوماسية مع ليبيا.
وأشارت تقارير محلية إلى أن البرلمان الليبي يميل إلى المصادقة على الاتفاقية البحرية في أقرب جلسة قد يعقدها لأعضائه، وثمة نقاط قد ينصح بتعديلها، وأبرزها بند يمنح تركيا حق الموافقة المسبقة قبل تعاقد ليبيا مع شركات دولية كبرى.
وتقوم اللجنة الفنية في البرلمان الليبي حاليا بمراجعة نصوص الاتفاقية البحرية، وتعمل على إعداد بروتوكول تنفيذي بالتنسيق مع الجانبين المصري والتركي.
ورفض مجلس النواب مذكرتي تفاهم وقعتا بين حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج وتركيا في فبراير2019، لكنه يرى الآن أن مذكرة ترسيم الحدود تمنح ليبيا ومصر امتدادا أوسع في مناطقهما الاقتصادية الخالصة، استنادا إلى قانون أعالي البحار الذي يعتبر اليابسة الأساس في ترسيم الحدود.
ووسّع الجانبان التركي والليبي نطاق المذكرة الأولى في 3 أكتوبر 2022، من خلال توقيع مذكرة تفاهم جديدة تمنح أنقرة حقوقا إضافية للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في المياه الإقليمية في البحر المتوسط، وداخل الأراضي الليبية.