جهود تركية لتحسين مواقع تركمان العراق في السلطة عبر الانتخابات

السفير التركي لدى بغداد: مكون رئيسي لم يحصل على كافة حقوقه.
الأربعاء 2025/10/22
المكونات العراقية في قلب صراعات النفوذ الخارجي

الاهتمام التركي البالغ بشؤون تركمان العراق والحرص الدائم على تأطيرهم سياسيا تحت راية أنقرة لا يعود فقط إلى دوافع قومية، بل أيضا إلى دوافع براغماتية تتمثل في استخدام هذا المكون مساعدا على تأمين نفوذ تركيا في البلد، على غرار استخدام إيران للمكون الطائفي الشيعي لنفس الغرض.

كركوك (العراق)- تأمل السلطات التركية في أن تشكّل الانتخابات العراقية المقررة لشهر نوفمبر القادم فرصة للمكون التركماني العراقي الذي تربطه بتركيا وشائج الوحدة القومية لتحسين مواقعه في السلطة بالعراق، حيث ترى أنقرة أنّه لم يحصل في النظام الجديد الذي تأسس في العراق في مرحلة ما بعد سقوط حكم حزب البعث على يد القوات الأميركية سنة 2003 على ما يستحق من مكانة باعتباره ثالث أكبر مكون عرقي في البلد بعد المكونين العربي والكردي.

وتبذل تركيا منذ سنوات جهودا لتأطير تركمان العراق سياسيا تحت مظلة الجبهة التركمانية التي تشارك أنقرة بالفعل في ترتيب صفوفها الداخلية واختيار قيادتها، ولا تتردّد القيادات التركية على أعلى مستوى في التعبير عن دعمها لهذا المكوّن والدفاع عن حقوقه متجاوزة في بعض الأحيان حدود الدعم إلى الوصاية والتدخل في الشأن الداخلي للعراق.

وإذ يسوَّق الدعم التركي لتركمان العراق خلف واجهة الدوافع القومية فإنّه لا ينفصل، في واقع الأمر، عن أهداف براغماتية تتمثّل في ما يمكن أن يشكّله هذا المكون بحصوله على مواقع متقدّمة في السلطة بالعراق من سند لجهود أنقرة لتوسيع نفوذها في البلد، على غرار ما فعلته إيران بالاعتماد على مكوّن طائفي هذه المرّة يتمثّل في شيعة البلاد.

تدخلات أنقرة في شؤون المكون التركماني العراقي تتجاوز حدود المساندة المشروعة إلى ممارسة الوصاية

وبغض النظر عن محدودية حظوظ التركمان في الحصول على مواقع ذات قيمة كبيرة ومؤثرة في مسارات الدولة العراقية، فإنّ هذا المكوّن يظل مفيدا في نظر تركيا على الأقل في حفظ التوازن العرقي في مناطق عراقية أهمها على الإطلاق محافظة كركوك الغنية بالنفط والتي لا تريد تركيا أن تراها تمرّ إلى أيدي أبناء المكون الكردي الذي يظل على الدوام مصدر ارتياب الأتراك، بغض النظر عن تطور العلاقات في الوقت الحالي بين أنقرة والقيادات الكردية التي تتولّى إدارة الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق.

وفي نطاق الدعم التركي لتركمان العراق قبيل الانتخابات العراقية المقررة للحادي عشر من الشهر القادم، أجرى السفير التركي في بغداد آنيل بورا إينان زيارة إلى مدينة كركوك، حيث أكّد بأن التركمان يمثلون أحد أقوى الروابط الاجتماعية بين العراق وتركيا.

والتقى إينان في منطقة ألطون كوبري ذات الأغلبية التركمانية في كركوك برئيس الجبهة التركمانية العراقية محمد سمعان آغا ورئيس الكتلة التركمانية في البرلمان العراقي النائب عن محافظة كركوك أرشد صالحي. وصعد آغا إلى قيادة الجبهة في أبريل الماضي بعد الاستقالة المفاجئة لسلفه حسن توران.

وجاء ذلك بحسب مطلعين على شؤون الجبهة التركمانية ضمن عملية إعادة ترتيب لأوضاع الجبهة بادرت بها أنقرة لملاءمة أوضاع حلفائها وأبناء قوميتها التركمان العراقيين مع التقدم الكبير في النفوذ التركي داخل العراق.

وجاءت العملية على خلفية عدم رضا الحكومة التركية عن أداء الجبهة التركمانية في محافظة كركوك موضع التركيز التركي الكبير وهو ما عجّل برحيل توران الذي تراجع في فترة قيادته للجبهة تمثيلُ التركمان في الحكومة المحلية للمحافظة التي آلت قيادتها إلى الاتّحاد الوطني الكردستاني غريم أنقرة وصديق عدوّها حزب العمّال الكردستاني، كما ضعفت مشاركتهم في الهياكل الإدارية للمحافظة وخصوصا في أجهزتها الأمنية.

واحتفظت تركيا على مدى السنوات الماضية بنفوذ قوي داخل الجبهة التركمانية التي تمثّل الوعاء السياسي الأهم لتركمان العراق الأمر الذي مكنّ أنقرة دائما من إنجاز نقلات سلسة في قيادة الجبهة بما يتلاءم مع توجهات حكوماتها وذلك على غرار ما قامت به حكومة رجب طيب أردوغان عندما أقدمت في وقت سابق على استبعاد عناصر ذات ميول قومية أقرب في توجهاتها إلى حزب الشعب الجمهوري وأخرى على وفاق مع قيادات شيعية عراقية، وجاءت بقيادات ذات ميول إسلامية أقرب إلى توجّهات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

الدعم التركي لتركمان العراق يكشف عن أهداف براغماتية تتمثّل في ما يمكن أن يشكّله هذا المكون من سند لجهود أنقرة لتوسيع نفوذها في البلد

وتسمح الذراع التركية القوية للقيادات التركمانية العراقية بهامش محدود من التنافس لكنّها تمنع نشوب خصومات كبيرة بينها على غرار ما يحدث دائما بين مختلف السياسيين العراقيين من مختلف المكوّنات، الأمر الذي يفسّر تماسك الجبهة ولحمتها.

وفي مظهر على ارتباط تحركات السفير التركي صوب المكوّن التركماني بالاستحقاق الانتخابي الوشيك في العراق، أكد إينان على أهمية الانتخابات البرلمانية التي ستجرى قريبا، مشددا على ضرورة المشاركة الواسعة للتركمان في هذه الانتخابات.

وزار السفير مقر الجبهة التركمانية حيث التقى بمرشحي تحالف جبهة تركمان العراق الموحدة، كما قام بزيارة قلعة كركوك التاريخية ومدارس وقف المعارف التركية في المدينة.

وأعرب عن تمنياته بالتوفيق لجميع مرشحي تحالف الجبهة التركمانية في الانتخابات، مؤكّدا أن التركمان عنصر أصيل في العراق وأنهم دائما مخلصون لدولتهم، لكنّه استدرك بالقول إنهم لم يحصلوا بعد على كامل حقوقهم.

وأشار إلى أن التركمان يمثلون أحد أقوى الروابط الاجتماعية بين العراق وتركيا، مؤكدا رغبة أنقرة في رؤية العراق كبلد موحد ومتماسك.

وقال “نؤكد أولا للمجتمع التركماني، ثم لكافة المرشحين في العراق، أننا لا نرى أيّ مبرر للانقسام على أساس العائلة أو المنطقة أو المذهب أو الدين”. وأعرب عن أمله في أن تجرى الانتخابات بسلاسة، مؤكدا رغبة بلاده في تشكيل حكومة بمشاركة فاعلة من التركمان.

من جهته قال آغا إن التركمان يخوضون نضالا من أجل الحفاظ على هويتهم ووجودهم في العراق، فيما قال أرشد صالحي رئيس الكتلة التركمانية في البرلمان العراقي والذي حضر اللقاء مع السفير إنّ التركمان على الرغم من إبعادهم عن المعادلة السياسية في العراق، إلا أنهم لم يتنازلوا عن وحدة أراضي البلاد.

3