جدار سانت ليغو السميك يرتفع مجددا في وجه القوى السياسية الصاعدة في العراق

مشاركة شكلية للمستقلين في انتخابات نوفمبر تحولهم إلى مجرد ديكور مُثْر للمشهد الانتخابي.
الأربعاء 2025/10/01
أجيال تتعاقب ولا شيء يتغيّر

مزيج من الترقب والتشكيك يشكل الرأي العام السائد في العراق حول الانتخابات البرلمانية القادمة، حيث يرى طيف واسع من الجمهور أن العملية الانتخابية لن تفضي إلى تغيير حقيقي، ولن تكون سوى مناسبة لتجديد العهدة للقوى نفسها الممسكة بالسلطة منذ أكثر من عقدين.

بغداد - تستعد الأحزاب والقوى السياسية في العراق لانتخابات برلمانية من المقرر إجراؤها في الحادي عشر من نوفمبر المقبل، ويشارك فيها إلى جانب القوى المسيطرة على السلطة منذ أكثر من عقدين من الزمن مرشحون مستقلون يحدوهم أمل ضعيف في اختراق الجدار السميك الذي أقامته الأحزاب الكبيرة وخصوصا الدينية حول مواقعها ومكانتها في السلطة، لكن صعوبات كبيرة تواجههم وقد تحول دون تحقيق أملهم.

وفي ظل ترقب واسع النطاق، تطرح تساؤلات حول قدرة الاستحقاق الانتخابي على إحداث تغيير في المشهد السياسي، مع ترجيح متابعين بأن المسار الحالي يعزز مواقع الأحزاب الكبرى.

وعزا العديد من الخبراء هذا الترجيح إلى طبيعة النظام الانتخابي الذي أعيد العمل به، وتحديدا صيغة سانت ليغو المعدلة، التي تهدف إلى جعل عملية توزيع المقاعد أكثر عدلا.

ويرى مختصون أن هذا النظام يرجح كفة القوائم الكبرى، ما يضعف قدرة القوى السياسية الناشئة والمرشحين المستقلين على تحقيق تمثيل برلماني مؤثر.

وبهذا تتحول مشاركة تلك القوى وهؤلاء المرشحين في الانتخابات إلى خدمة إضافية للقوى الكبرى الحاكمة حيث يساهمون في رفع نسبة المشاركة في الاقتراع ويلعبون دور الديكور المثري للمشهد الانتخابي دون تغيير ما سيتمخض عنه من نتائج.

واعتبر مراقبون أن تجاوز حضور وأدوار الأحزاب التقليدية يظل صعبا، وسط توقعات بأن نتائج الانتخابات قد لا تُفضي إلى فائز بأغلبية واضحة.

سربست مصطفى: النظام الانتخابي مصمم لخدمة الأحزاب الكبيرة المسيطرة على الحكم
سربست مصطفى: النظام الانتخابي مصمم لخدمة الأحزاب الكبيرة المسيطرة على الحكم

وتعني تلك الفرضية أن تشكيل الحكومة المقبلة سيعتمد مرة أخرى على التوافق بين الكتل الرئيسية، في مسعى للحفاظ على الاستقرار السياسي وتسيير أمور الدولة.

وقال سربست مصطفى الناشط المدني والخبير الانتخابي العراقي، شغل سابقا منصب رئيس مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالعراق، لوكالة الأناضول إن “الأساس القانوني لهذه الانتخابات هو القانون رقم 12 لسنة 2018، وتم تعديله بموجب القانون رقم 4 لسنة 2023.”

وأضاف “وفق هذا القانون تم الرجوع لتطبيق نظام التمثيل النسبي وفق صيغة سانت ليغو المعدلة، واعتبار كل محافظة دائرة انتخابية واحدة.”

وأردف “لذلك فإن هذا النظام الانتخابي صمم لمصلحة الأحزاب الكبيرة المسيطرة على مقاليد الحكم في العراق، وليس في مصلحة الأحزاب الصغيرة والفتية والمستقلين.”

ورأى مصطفى أنه “لا يمكن أن تتكرر نتائج انتخابات مجلس النواب في 2021؛ لأن النظام الانتخابي الذي طبق حينئذ كان نظام الصوت الواحد غير المتحول الذي كان مساعدا في فوز عدد من المرشحين المستقلين أو غير المتحزبين.”

والقانون الانتخابي الذي طبق في انتخابات 2021 كان قانون نظام الصوت الواحد غير المتحول وهو مختلف تماما عن قانون سانت ليغو المعدل الذي طبق في الانتخابات السابقة (2014 و2018) وتمت العودة إليه في انتخابات 2023.

وسيشارك في الانتخابات المرتقبة في نوفمبر المقبل 31 تحالفا و38 حزبا سياسيا و88 مرشحا ضمن ما يسمى القائمة المنفردة والتي يكون فيها التنافس على المقاعد العامة، وقد صدّق عليهم مجلس المفوضين وأجريت لهم قرعة الأرقام الانتخابية.

وبشأن إمكانية اللجوء إلى التوافق بين التحالفات، بيّن مصطفى أنه “نظرا لأن التيار الوطني الشيعي يقاطع العملية الانتخابية والذي يمتلك جمهورا كبيرا وملتزما إلى حد كبير بتوجيهات مقتدى الصدر، فإن نتائج أية عملية انتخابية لا تعكس الواقع السياسي في العراق بشكل صحيح مما يؤثر حتما على طبيعة الحكومات المشكلة.”

مراقبون يرون أن تجاوز حضور وأدوار الأحزاب التقليدية يظل صعبا، وسط توقعات بأن نتائج الانتخابات قد لا تُفضي إلى فائز بأغلبية واضحة

وأضاف “لا أعتقد أن الحكومة العراقية القادمة ستختلف عن سابقاتها، لكن حجم الكتل النيابية خاصة الشيعية قد يطرأ عليه تغيير ببروز قوى من رحم الإطار التنسيقي نفسه.”

وتأسس الإطار التنسيقي بعد الانتخابات التشريعية عام 2021 بهدف مواجهة محاولات التيار الصدري، لتشكيل حكومة أغلبية وطنية.

وفي ما يتعلق بادعاءات احتمال التدخل الخارجي في سير العملية الانتخابية، قال مصطفى “القانون الانتخابي يمنع تمويل الحملات الانتخابية من قبل مصادر أجنبية سواء كانت أفرادا أو هيئات.”

لكنه استدرك بالقول “في ظل عدم وجود رقابة على مصادر تمويل الأحزاب السياسية وعدم تقديم ديوان الرقابة المالية تقارير سنوية عن الوضع المالي وحركة الأموال للأحزاب السياسية استنادا إلى قانون الأحزاب السياسية فإن كل شيء جائز.”

ولفت إلى أن النظام الانتخابي يتوقع أن يساهم في زيادة المشاركة لأنه يقلل من الأصوات المهدورة، إضافة إلى قوة التنافس التي قد تحفز الناخبين على المشاركة.

وعن توقعات انخفاض نسبة المشاركة، أرجع مصطفى ذلك إلى عدة أسباب، وهي “عدم الاهتمام السياسي، وأولوية المعيشة، والاحتجاج على الواقع.”

وللتمكن من استعادة ثقة الناخبين وتحقيق الإصلاح في العراق، دعا مصطفى الحكومة القادمة إلى “اتخاذ مجموعة من الخطوات، وهي: إنهاء هيمنة الأحزاب، ومكافحة الفساد، وتطبيق القوانين، والاعتماد على الكفاءة والاختصاص في التعيينات، والالتزام بالدستور.”

الرأي العام العراقي حول الانتخابات يشكل مزيجا من الترقب والتشكيك، حيث يرى العديد من الناخبين أن العملية الانتخابية قد لا تفضي إلى تغيير حقيقي

ويشكل الرأي العام العراقي حول الانتخابات مزيجا من الترقب والتشكيك، حيث يرى العديد من الناخبين أن العملية الانتخابية قد لا تفضي إلى تغيير حقيقي.

ويعزو سيف صلاح مهدي، وهو طالب جامعي في الثلاثينات من العمر، هذا التحدي إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها “ترسّخ الطبقة السياسية الحالية وصعوبة تحقيق المرشحين الجدد نجاحا كبيرا، بالإضافة إلى ممارسات الفساد والتلاعب التي تؤثر على نزاهة النتائج، وضعف المشاركة الشعبية التي تقلل من شرعية العملية الانتخابية.”

وفي حديثهم عن أبرز القضايا التي يجب أن يعالجها المرشحون، يجمع الناخبون على أهمية محاربة الفساد وتحسين الخدمات العامة.

فبالنسبة إلى الشاب والشابة سيف وسارة علي يعد “تحسين البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والصحة من أهم الأولويات، إلى جانب وضع آليات عملية للشفافية ومحاسبة المسؤولين.”

ويشيران إلى أن التحدي الحقيقي للمرشحين الجدد “لا يكمن فقط في طرح حلول واقعية، بل في قدرتهم على تنفيذها ضمن بيئة سياسية معقدة.”

وفي التاسع من أبريل الماضي صوت مجلس الوزراء على تحديد الحادي عشر من نوفمبر المقبل موعدا لإجراء الانتخابات البرلمانية.

وفي منتصف الشهر ذاته أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عزمه الترشح للانتخابات.

وبدأت دورة مجلس النواب الحالية في التاسع من يناير 2022 لتستمر أربع سنوات ستنتهي في الثامن من يناير 2026.

وبحسب القانون العراقي، يجب إجراء الانتخابات التشريعية قبل 45 يوما من انتهاء الدورة البرلمانية.

وجرت آخر انتخابات تشريعية بالعراق في أكتوبر 2021، وذلك بعد مرور عامين على المظاهرات الشعبية التي أجبرت رئيس الحكومة الأسبق عادل عبدالمهدي على تقديم استقالته، وجاء خلفا له مصطفى الكاظمي ليشرف على إجراء الانتخابات.

وشكلت الانتخابات المبكرة آنذاك نقطة تحول مفصلية في العراق، وكانت الخامسة منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، والأولى التي تجرى وفق نظام الدوائر الانتخابية في المحافظات.

ويضم البرلمان العراقي الحالي 329 نائبا، وتملك أحزاب وتيارات شيعية الغالبية فيه. وتتقاسم السلطات الثلاث مكونات مختلفة، حيث تعود رئاسة الجمهورية تقليدا إلى الأكراد ورئاسة البرلمان إلى السنّة، فيما يتولى المكوّن الشيعي رئاسة مجلس الوزراء المنصب التنفيذي الأهم في البلاد والأكثر تأثيرا في سياساتها، خصوصا وأن رئيس الوزراء نفسه هو من يشغل أيضا منصب القائد العام للقوات المسلحة.

3