ثلث الشباب في تونس خارج أطر العمل والدراسة
تونس ـ تتحول بطالة الشباب في تونس منذ سنوات إلى أزمة هيكلية نتيجة قصور في توفير آليات جديدة لاستيعاب الوافدين على سوق العمل وتحسين نسب النمو الخالقة للثروة وفرص الشغل.
وأظهرت نتائج التعداد العام للسكان والسكنى، التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء مؤخرا، أن ثلث الشباب في تونس (32.5 في المئة) يوجدون خارج أطر العمل والدراسة، أي لا يزاولون نشاطا مهنيا ولا يتابعون تعليما.
وبينت المعطيات ذاتها أن 32.5 في المئة من الفئة العمرية بين 15 و34 سنة يزاولون تعليمهم، في حين يعمل 32.7 في المئة، فيما لا تتجاوز نسبة الذين يتابعون تكوينا مهنيا 3.5 في المئة.
ويقدر العدد الجملي للشباب في البلاد بـ3 ملايين و202 ألف شخص (26.7 في المئة من مجموع السكان)، مقابل 3 ملايين و649 ألفا سنة 2014 (26.7 في المئة من السكان).
وتدفع عوامل مثل ارتفاع نسب البطالة الشباب إلى الهجرة، وكشفت معطيات حديثة صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء أنّ أكثر من 150 ألف تونسي غادروا البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة من أجل الاستقرار في الخارج، في مؤشر يعكس تواصل نزيف الهجرة خصوصا في صفوف الشباب والكفاءات.
32.5
في المئة من الفئة العمرية بين 15 و34 سنة يزاولون تعليمهم، في حين يعمل 32.7 في المئة، فيما لا تتجاوز نسبة الذين يتابعون تكوينا مهنيا 3.5 في المئة
وبيّنت نتائج التعداد العام للسكان والسكنى أنّ نسبة البطالة على المستوى الوطني بلغت خلال الثلاثي الرابع من سنة 2024 حوالي 16.4 في المئة، في حين سجّلت بطالة خريجي التعليم العالي ارتفاعا طفيفا لتبلغ 16.8 في المئة، ما يؤكد الصعوبات المتواصلة أمام هذه الفئة في إيجاد موطئ قدم بسوق الشغل. أمّا الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة، فقد بلغت نسبة البطالة في صفوفهم مستوى مقلقا وصل إلى 29.9 في المئة، أي ما يقارب ثلث هذه الفئة العمرية.
ويرى خبراء أنّ هذه الأرقام تبرز استمرار أزمة التشغيل في تونس، إذ تدفع نسب البطالة المرتفعة وغياب الأفق الاقتصادي العديد من الكفاءات إلى البحث عن فرص أفضل خارج البلاد، بما تنجر عنه خسارة موارد بشرية مهمة يمكن أن تسهم في دفع التنمية. كما تعكس هذه الظاهرة هشاشة السياسات العمومية في معالجة ملف التشغيل، خاصة مع تزايد التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد.
في المقابل، تُطالب منظمات المجتمع المدني وعدد من الخبراء بضرورة وضع إستراتيجيات عاجلة لإعادة الثقة في السوق الوطنية وخلق بيئة محفّزة للاستثمار والتشغيل، حتى لا تتحول الهجرة إلى خيار قسري يفرضه واقع اقتصادي واجتماعي مأزوم.
وفي 2019، كشف مسح شامل ودراسة وافية عن الشباب في تونس، أجراه المرصد الوطني للشباب، أن 62 في المئة من الشباب التونسي لا يثقون بمؤسسات الدولة، وهو رقم صادم اعتبره المسؤولون ذا دلالة خطيرة.
وأكد مدير البحوث والدراسات في المرصد فؤاد العوني أن الدراسة أسفرت عن نتائج صادمة، تتمثل في وجود مليون شاب تونسي دون وظيفة أو تدريب مهني أو دراسة حاليا، واصفا هذا المؤشر بالخطير، لكونه يخص ثلث الشريحة المعنية تقريبا.
أكثر من 150 ألف تونسي غادروا البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة من أجل الاستقرار في الخارج
وقال العوني إن فكرة إجراء الدراسة وردت خلال مبادرة “الحوار حول شؤون الشباب وقضاياه”، وشملت نحو 2200 أسرة، لافتا إلى أن 62 في المئة من الشباب التونسي لا يثقون في برامج مؤسسات وهياكل الدولة، وقدرتها على تحقيق انتظاراتهم وتطلعاتهم، خصوصا في الأعوام الأخيرة.
وفي يوليو 2024، تم إطلاق الإستراتيجية الوطنية للشباب في أفق سنة 2035 والتي ستعمل على تحقيق عدة أهداف وطنية تتعلق أساسا بتعزيز فرص إدماج الشباب في الحياة العملية، وتدعيم الصلة بين الشباب ومحيطهم الاجتماعي وإتاحة الفرص أمامهم لإثبات قدراتهم الكامنة في العطاء والاهتمام والمشاركة في الشأن العام.
كما ستتولى هذه الخدمة العمل على ضمان تكافؤ الفرص بين مختلف الفئات الشبابية واستهداف الأكثر هشاشة منها والحد من التفاوت الاجتماعي بينها.
ومن هذه المنطلقات سيتم العمل على إبلاغ احتياجات الفئات الشبابية وانتظاراتها إلى دوائر صنع القرار وتهيئة بيئة مجتمعية داعمة للشباب تتيح لهم فرص المشاركة في تصور السياسات والبرامج الخاصة بهم ومتابعة تنفيذها، إلى جانب مراجعة السياسات والبرامج في اتجاه تحفيز الطاقات الشبابية الإبداعية في مختلف المجالات وتشجيع الفئات الشبابية على الانخراط الكامل في مجتمع المعرفة والمعلومات والاتصال والمشاركة في الحياة العامة والحوار التفاعلي مع الآخرين.
وكان رئيس الحكومة أحمد الحشاني قد أعلن الثلاثاء الحادي عشر من يونيو 2024 إطلاق الإستراتيجية الوطنية للشباب بقصر الحكومة بالقصبة، مبينا أنها ستسمح بمأسسة العمل الشبابي وبناء عقد اجتماعي جديد مع الشباب بما يعيد لهم ثقتهم في أنفسهم وفي مؤسساتهم، إضافة إلى تنمية قدراتهم.
وأفاد رئيس المرصد الوطني للشباب فؤاد العوني بأن الإستراتيجية الوطنية للشباب تقوم على جملة من المبادئ، أولها أن الشباب هم الشريك الأساسي في إعدادها وتنفيذها مثلما تم إشراكهم في مراحل صياغتها من خلال مجموعات الحوار ومن خلال الندوة التونسية الإقليمية حول الشباب والمستقبل التي نظمها المرصد والتي ركزت على العديد من المحاور المتجددة كالتعليم الجيد والعمل اللائق والأمن الغذائي والتغيير المناخي والهجرة.
وقال العوني إن الهدف الأساسي من هذه الإستراتيجية التي تمس الفئة العمرية من 15 إلى 34 سنة هو إعادة الثقة في العمل مع الشباب وضمان حقوق الأجيال القادمة ورؤيتها في أن يكون شباب تونس في أفق 2035 متجذرين في مواطنتهم، فاعلين في مجتمعهم، مشاركين في التنمية وخلق القيمة ومنفتحين على العالم.