توجه عقلاني يقود العراق إلى البحث عن شراكات إقليمية مفيدة بديلة عن الارتباطات الأيديولوجية
زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى الإمارات نموذج مجسد لتوجه حكومته الحالية نحو تنويع الشراكات الإقليمية للعراق وإعادة التوازن إليها، وتوطئة لاستثمار الشراكات نفسها في إنجاح المخطط التنموي الذي يقول السوداني نفسه إنه يريد مواصلة بنائه من خلال الحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة.
أبوظبي - مثلت زيارة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وفتحه مع قيادتها ملفات اقتصادية وتنموية امتدادا للتوجه العقلاني الذي حاول الرجل إضفاءه على سياسة حكومته ليكون بديلا عن التوجهات العقائدية والأيديولوجية التي حكمت خلال سنوات سابقة العلاقات الإقليمية لبلاده، وكثيرا ما قادت إلى ارتباطات تحولت إلى عبء على البلد وهو ما ينطبق على العلاقة مع الجارة الشرقية إيران.
ويوفّر تمتين العلاقة مع الإمارات بالتحديد للسوداني الحامل لمشروع تنموي طموح يقول إنّه يسعى للحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة لاستكماله، مجالا واسعا للتعاون مع بلد ثري ماديا ومستقر سياسيا وأمنيا ويستند إلى تجربة تنموية فريدة أثبتت نجاعتها وجدواها من خلال كم الإنجازات والمكاسب التي حققتها على أرض الواقع.
وشملت مباحثات رئيس الوزراء العراقي في أبوظبي مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان “مختلف مسارات التعاون والعمل المشترك وفرص تنميتهما خاصة في المجالات التنموية والاقتصادية بما يخدم أولويات التنمية في البلدين ويحقق مصالحهما المتبادلة ويعود بالخير على شعبيهما”، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “وام”.
ومن الجانب العراقي أشار بيان لمكتب السوداني إلى أنّ اللقاء مع الشيخ محمّد بن زايد “تناول تنمية التعاون المشترك، لاسيما في قطاعات التجارة والطاقة والنقل، وبضمنه تعزيز التعاون في ما يخص طريق التنمية الإستراتيجي في إطار الاتفاق الرباعي الخاص بالطريق وملحقاته بجانب استعراض الأوضاع في المنطقة، وسبل العمل على دعم الاستقرار، ومنع اتساع الصراع وكل أسباب التصعيد”.
ونقل البيان عن رئيس الوزراء تأكيده “حرص العراق على إقامة أفضل العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن اتجاه الحكومة في الانفتاح على جميع أشكال الشراكات مع الدول الشقيقة والصديقة”.
ومثلت الزيارة التي بدأها السوداني الأربعاء إلى أبوظبي مظهرا على تنامي العلاقات بين الإمارات والعراق الباحث عن شراكات مفيدة تخدم توجّه حكومته الحالية نحو تنويع علاقاته الإقليمية وإعادة التوازن إليه، وتلبي حاجته إلى تنشيط تنميته وتنويع اقتصاده حيث تعتبر الإمارات وجهة مثالية للباحثين عن الاستئناس بخبرة واسعة ونموذج استثنائي في مجال التنمية المتوازنة والمستديمة.
وعلى صعيد عملي شرعت الإمارات في الدخول على خطّ التنمية في العراق من خلال مشاركتها في مشروع طريق التنمية الذي سيربط مياه الخليج جنوبي العراق بالحدود التركية شمالا ليشكل جزءا من مسار أطول صوب أوروبا عبر تركيا وساحلها على البحر المتوسط.
وتمتد آمال السوداني من خلال حرصه على تنمية علاقاته مع دولة الإمارات الصاعدة بقوة كطرف فاعل في المعادلة الإقليمية والدولية إلى أبعد من حدود ولايته الحالية على رأس الحكومة، إذ يريد تأمين سبب إضافي لنجاحه في قيادة الحكومة خلال ولاية جديدة قال إنّه يسعى بالفعل إلى الحصول عليها من خلال خوضه الانتخابات البرلمانية المقررة لشهر نوفمبر القادم ضمن تحالف انتخابي يحمل اسم ائتلاف الإعمار والتنمية، وتوقّع السوداني نفسه أنه يمتلك فرصة كبيرة للفوز وتشكيل الحكومة القادمة.
وكان رئيس الوزراء العراقي الباحث عن شركاء وازنين لبلاده في تمويل التنمية قد أعلن حديثا عن توفير العراق فرصا استثمارية بقيمة 450 مليار دولار في مختلف القطاعات، مشيرا إلى تجاوز حجم الاستثمارات الفعلية في البلد لمئة مليار دولار ومعلنا عن عقد مؤتمر خاص لعرض الفرص الاستثمارية المتعلقة بمشروع طريق التنمية الذي وصفه بيان لمكتبه بأنه الأوسع في المنطقة.
هدف السوداني من إثراء شبكة علاقات العراق يتجاوز حدود ولايته الحالية إلى الولاية الثانية التي يسعى إليها
ويمثل مجال الطاقة ميدانا مفتوحا لاستفادة العراق من التجربة الإماراتية الثرية وخصوصا في اسثمار المصادر المتجدّدة لتوليد الطاقة الكهربائية.
وعلى مدى السنوات الماضية تجاوز ملف الكهرباء في العراق بكثير إطاره الاقتصادي والتقني ليتحوّل إلى ملف سياسي بما يثيره من احتجاجات شعبية وانتقادات حادّة للحكومات العراقية بسبب عدم قدرتها على توفير هذه المادة الحيوية بانتظام للسكان، وخصوصا بسبب ما يثيره اللجوء إلى إيران لاستيراد الكهرباء والغاز المستخدم في استيرادها من تجاذبات مع الولايات المتحدة التي لا تنفك تضغط على بغداد لإجبارها على الالتزام بالعقوبات المفروضة على طهران وعدم تمكينها من مصدر للعملة الصعبة.
وضمن المساعي المتعدّدة التي تبذلها الحكومة العراقية الحالية بحثا عن تنويع مصادر الطاقة الكهربائية، بدأت بغداد تتطلع إلى خبرة الإمارات في استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء خصوصا وأن العراق يعتبر من الدول المشمسة على مدار أغلب فصول السنة.
وبحث السوداني في هذا الإطار مع وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي سلطان أحمد الجابر خطوات مباشرة شركة مصدر الإماراتية بمشروع توليد ألف ميغاواط من الكهرباء من الطاقة الشمسية في العراق.
وقال مكتب رئيس الوزراء في بيان إنّ الأخير التقى الجابر في أبوظبي وبحث أوجه التعاون مع دولة الإمارات العربية في قطاعي الطاقة والبتروكيماويات، بهدف “تحقيق النمو المستدام والمصالح المشتركة بين البلدين”.
وأكد السوداني، بحسب البيان، سعي العراق إلى “تعزيز التعاون الجاد مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتطوير قطاع الطاقة”، و”إيجاد الشراكات الفاعلة من أجل تطوير الصناعات البتروكيماوية الصديقة للبيئة”.