توتر أمني في السليمانية بعد توقيف قيادي كردي بارز
أربيل - يشهد إقليم كردستان العراق توتراً متصاعداً عقب تنفيذ عملية أمنية واسعة فجر الجمعة، انتهت باعتقال لاهور شيخ جنكي، زعيم حزب "جبهة الشعب" وأحد أبرز الوجوه السياسية في السليمانية. العملية، التي تخللتها مواجهات مسلحة عنيفة بين قوات الأمن ومرافقي شيخ جنكي، أثارت مخاوف بشأن استقرار المدينة، وأعادت تسليط الضوء على عمق الانقسامات داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، وفي صفوف القوى المنبثقة عنه.
وبحسب مصادر محلية وشهود عيان، شنت قوات مشتركة من جهاز مكافحة الإرهاب، الكوماندوز، وآسايش الاتحاد الوطني الكردستاني، حملة أمنية على فندق "لاله زار"، حيث كان يتحصن شيخ جنكي. القوات، التي طوقت المكان بالكامل، وجهت نداءات عبر مكبرات الصوت تطالب المواطنين بالابتعاد عن المنطقة، قبل أن تندلع اشتباكات مسلحة عنيفة في محيط الفندق وعدة أحياء متفرقة من السليمانية.
وسُمع دوي انفجارات وإطلاق نار كثيف خلال العملية، في وقت أكدت فيه مصادر طبية مقتل شخصين وإصابة ما لا يقل عن ستة آخرين، وسط تحذيرات من احتمال ارتفاع الحصيلة مع استمرار التوتر الأمني.
جاءت الحملة الأمنية بعد ساعات فقط من صدور مذكرة اعتقال رسمية بحق شيخ جنكي عن محكمة تحقيق الأمن في السليمانية، استنادًا إلى المادة 56 من قانون العقوبات العراقي، والتي تتعلق بجرائم تمس الأمن والنظام العام.
وفي أول رد فعل له قبل اعتقاله، دعا شيخ جنكي أنصاره إلى التظاهر والنزول إلى الشوارع لـ"مقاومة السلطة القائمة"، حسب تعبيره، مؤكداً أن منزله محاصر من قبل "قوة كبيرة" وأنه لن يسلّم نفسه.
وزاد هذا التصعيد من حدة الاحتقان الشعبي والسياسي في السليمانية، وأجبر السلطات المحلية على فرض طوق أمني مشدد، مع إغلاق جميع مداخل المدينة لمنع تدفق أنصار شيخ جنكي إلى مواقع الاشتباك.
وفي خضم هذا التصعيد، أفادت تقارير بوقوع هجمات بطائرات مسيرة على منطقة دباشان، حيث يقع مقر إقامة بافل طالباني، الرئيس الحالي للاتحاد الوطني الكردستاني. ولم تتضح بعد الجهة التي تقف وراء الهجمات، لكنها تزامنت مع اشتباكات داخلية، ما يزيد المخاوف من انزلاق الوضع نحو صراع مفتوح داخل الحزب الكردي العريق.
من جانب آخر أعلنت إدارة قناة زووم نيوز الموالية للاهور شيخ جنكي أن مقر القناة تعرض إلي مداهمة من قبل قوات "الكوماندو" التابعة للاتحاد الوطني الكوردستاني وتم تكسير ومصادرة أجهزة القناة مما تسب بتوقف بث القناة.
ودعت رئاسة إقليم كردستان الجمعة إلى حل جميع الخلافات بالقانون والسلم وسيادة القانون والأمن في محافظة السليمانية وحماية منازل المواطنين.
من جانبها أعربت رئاسة الجمهورية العراقية وبعثة الأمم المتحدة "يونامي" والسفارة الأميركية، الجمعة، عن قلقها البالغ إزاء الأحداث الدامية.
وفي بيان رسمي، أكدت رئاسة الجمهورية أنها تتابع التطورات "بقلق شديد"، مشيرة إلى مقتل وإصابة عدد من عناصر الأمن خلال الاشتباكات، وشددت على أهمية الاحتكام إلى القانون والمؤسسات القضائية، وضرورة الابتعاد عن العنف بما يعزز الاستقرار ويحمي أرواح المواطنين.
وعبّرت بعثة "يونامي" عن أسفها لسقوط ضحايا، ودعت إلى ضبط النفس وتجنب أي تصعيد من شأنه تعريض حياة المدنيين للخطر، مع التأكيد على احترام حقوق الإنسان وضمان مسار قانوني عادل يتماشى مع الدستور العراقي.
وفي السياق ذاته، أبدت السفارة الأميركية قلقها من تصاعد التوتر في السليمانية، معربة عن أسفها لسقوط قتلى وجرحى، ودعت جميع الأطراف إلى الامتناع عن أي أعمال عنف، وضمان العدالة وسيادة القانون في التعامل مع الأزمة.
وقال متحدث الخارجية التركية أونجو كتشالي، الجمعة، إن بلاده تتابع عن كثب الأحداث في مدينة السليمانية شمالي العراق مضيفا "نتابع عن كثب التطورات في السليمانية من ناحية استقرار العراق وسلامته وسلامة مواطنينا (المقيمين الأتراك)".
وأشار في منشور على اكس إلى أن القنصلية العامة التركية في أربيل تواصلت مع السلطات المحلية المعنية، مشيرا إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سلامة المواطنين الأتراك.
وتثير هذه التطورات المخاوف من تحوّل السليمانية، المدينة التي طالما اعتُبرت معقلاً للحركات السياسية الكردية، إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الأجنحة المتنازعة داخل الاتحاد الوطني.
يشكل اعتقال لاهور شيخ جنكي أحدث فصل في صراع طويل داخل أروقة الاتحاد الوطني الكردستاني، الحزب الذي أسسه عمه جلال طالباني، والذي شهد خلال السنوات الأخيرة تصدعات متكررة بين قياداته.
وكان لاهور يشغل منصب الرئيس المشترك للحزب إلى جانب بافل طالباني، قبل أن تتدهور العلاقة بينهما عام 2021، عندما اتهم بافل غريمه السياسي بمحاولة تسميم بعض قادة الحزب. تبع ذلك إقصاء لاهور من منصبه وتراجع نفوذه السياسي، ما دفعه لاحقًا إلى تأسيس حزب جديد تحت مسمى "جبهة الشعب".
ويمتلك لاهور تاريخاً حافلاً في العمل الأمني والعسكري، إذ لعب دوراً بارزاً في تأسيس جهاز مكافحة الإرهاب في كردستان (CTG)، وكان أحد أبرز الشخصيات في محاربة الجماعات المتشددة مثل "أنصار الإسلام"، وخاصة خلال "عملية مطرقة الفايكنغ" الشهيرة عام 2003.
ورغم صعود نجمه السياسي في مؤتمر الحزب عام 2019، حيث حصل على أعلى نسبة أصوات، فإن المواجهة مع بافل طالباني كانت حتمية، وانتهت بتحولات جذرية في قيادة الحزب الكردي الأبرز في السليمانية.
ويعكس المشهد المعقد في السليمانية حجم التحديات التي تواجه الأحزاب الكردية في الحفاظ على وحدة القرار السياسي والأمني داخل الإقليم. فبينما يستمر حزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، في تعزيز شعبيته يبدو الاتحاد الوطني غارقاً في صراعات داخلية تهدد مكانته التاريخية.
ومن غير المستبعد أن تؤدي هذه التطورات إلى إعادة رسم خريطة التحالفات السياسية في كردستان، وسط تساؤلات عن المدى الذي يمكن أن تبلغه المواجهات، وما إذا كانت السليمانية على أعتاب انفجار أمني قد يتجاوز حدود المدينة ويؤثر على استقرار الإقليم بأسره.