تعويل تونسي على المغتربين والسياح لسداد فاتورة الديون

تحويلات المغتربين تعد أحد أهم مصادر العملة الصعبة وقد تجاوزت في بعض السنوات الأخيرة عائدات السياحة.
الاثنين 2025/10/06
تقوية الدفاعات المالية ضرورية

تونس - تواجه تونس ضغوطا مالية متزايدة في ظل أزمة اقتصادية خانقة، دفعتها إلى اللجوء بشكل متزايد إلى تحويلات الجالية في الخارج وعائدات السياحة لتغطية خدمة الدين الخارجي.

وفي حين يبدو هذا التوجه حلا ظرفيا لتفادي تعثر محتمل في السداد، إلا أنه يطرح العديد من الإشكالات الاقتصادية والمالية، التي تعكس عمق الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد التونسي.

ومنذ سنوات طويلة تُعد تحويلات المغتربين أحد أهم مصادر العملة الصعبة، ولقد تجاوزت في بعض السنوات الأخيرة عائدات السياحة وحتى التصدير من قطاعات تقليدية مثل الفوسفات والزيتون.

أما القطاع السياحي، فرغم هشاشته وعدم تطوره بما يواكب التحديات والتنافسية، فضلا عن تذبذب مداخيله، إلا أنه يظل مصدرا رئيسيا لتدفقات نقدية بالعملة الأجنبية، خاصة في مواسم الذروة.

وتظهر المؤشرات النقدية والمالية التي نشرها البنك المركزي الاثنين أن أموال المغتربين وعائدات السياحة تغطي 120.9 في المئة من خدمة الدين الخارجي بعدما كانت تغطي النصف في أول شهرين من العام الحالي.

وبلغت خدمة الدين الخارجي التي تشمل أقساط سداد أصل الديون وفوائدها بنهاية سبتمبر الماضي قرابة 10.55 مليار دينار (3.49 مليار دولار) مسجلا تراجعا بواقع 3.7 في المئة على أساس سنوي.

4.15

مليار دولار أموال المغتربين والسياحة بنهاية سبتمبر وهي تغطي 120.9 في المئة من خدمة الديون

وتعكس هذه الأرقام أثرا مؤقتا في تخفيف أعباء فاتورة الدين العام، إذ إن تراجع خدمة الدين الخارجي يؤدي إلى تقلص الضغوط على الاقتصاد، وبالتالي تخصيص جزء كبير من الموارد المالية للاستثمار في المشاريع التنموية أو تحسين الخدمات العامة.

ونمت تحويلات المغتربين في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام بمقدار 8 في المئة بمقارنة سنوية لتصل إلى حوالي 2.15 مليار دولار. كما زادت إيرادات السياحة للفترة المذكورة بنسبة 8.2 في المئة لتتخطى الملياري دولار.

وهذا يعني أن إجمالي عوائد هذين المجالين بلغ نحو 4.12 مليار دولار، وهو يتجاوز فاتورة الديون التي تم سدادها في أول تسعة أشهر من العام، بما يسمح بتوفير فائض قدره 660 مليون دولار.

ووفق بيانات البنك المركزي التي أوردتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية، فقد بلغت الاحتياطيات النقدية الأجنبية قرابة 8.02 مليار دولار بتراجع طفيف عن مستوياتها قبل عام التي بلغت 8.38 مليار دولار.

ويُعزى هذا الانخفاض أساسا إلى زيادة الواردات من الطاقة والمواد الغذائية، إضافة إلى الاحتياجات التمويلية لميزانية الدولة. ومع ارتفاع خدمة الدين الخارجي، التي تشمل سداد أصل الدين وفوائده، باتت الحكومة تعتمد بشكل متزايد على هذه الموارد لتأمين التزاماتها تجاه المقرضين الدوليين والمؤسسات المالية.

وهذا التوجه، وإن كان يحقق استقرارا مؤقتا في الميزان الخارجي ويجنب البلاد شبح التعثر في السداد، إلا أنه يحمل في طياته آثارا سلبية على المديين المتوسط والطويل.

ويرى خبراء أن توجيه هذه الموارد إلى سداد الديون حتى ولو تم تحقيق فائض، بدلا من توظيفها في الاستثمار أو دعم القطاعات المنتجة، يضعف من قدرة الاقتصاد على التعافي الذاتي ويعمق من هشاشته أمام الصدمات الخارجية.

كما أن التعويل على مصادر غير مستقرة، مثل السياحة أو تحويلات المغتربين، يجعل الإستراتيجية المالية للدولة عرضة للتقلبات الإقليمية والدولية.

من ناحية أخرى، فإن هذا الاستخدام قد يترك آثارا اجتماعية مباشرة، إذ يُحرم الاقتصاد المحلي من موارد كانت يمكن أن تُوظف في تحسين البنية التحتية أو خلق فرص العمل أو تمويل برامج الدعم الاجتماعي.

توجيه الموارد إلى سداد الديون بدلا من توظيفها في الاستثمار أو دعم القطاعات المنتجة يضعف من قدرة الاقتصاد على التعافي

وقد يضعف استنزاف هذه الموارد في خدمة الدين من قدرة الدولة على التفاوض مع الجهات المانحة، ويزيد من شروط الإقراض في المستقبل، وهو ما قد يُدخل البلاد في حلقة مفرغة من الاقتراض والسداد دون نمو فعلي.

ويحذر خبراء من أن الاستمرار في هذا النهج، دون إصلاحات هيكلية حقيقية، قد يؤدي إلى تآكل الثقة في الاقتصاد، ويثني المستثمرين الأجانب عن توجيه رؤوس أموالهم نحو السوق التونسية.

وأشاروا إلى أنه قد يُفاقم من عجز ميزان المدفوعات على المدى الطويل، ويُعرض البلد للمزيد من الضغوط في حال تراجعت التحويلات أو تضررت السياحة لأي سبب طارئ، كما حصل في السابق أثناء الأزمة الصحية العالمية في عام 2020.

وفي ظل هذا الوضع، تصبح الحاجة إلى رؤية اقتصادية شاملة أمرا ملحا، تقوم على تحفيز القطاعات الإنتاجية، واستعادة التوازنات المالية، وفتح قنوات استثمار جديدة أكثر استدامة.

ولطالما شددت الأوساط الاقتصادية والمالية المحلية على أن الموارد التي تُستنزف اليوم في سداد التزامات مالية عاجلة، كان بالإمكان أن تشكل ركيزة لاقتصاد أكثر صلابة، لو تم استثمارها في الاتجاه الصحيح.

وتضرر الاقتصاد بشدة من الوباء وتداعيات الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى صعود صاروخي في التضخم، الذي بدأ في التراجع ليبلغ 5 في المئة بنهاية سبتمبر، فضلا عن ارتفاع تكاليف الاقتراض من القطاع المصرفي، حيث الفائدة لا تزال مرتفعة عند 7.5 في المئة.