تعنت حزب الله يضع سيناريو المواجهة العسكرية على طاولة الحكومة اللبنانية

الخيارات الدبلوماسية لنزع السلاح تصطدم برفض قيادات حزب الله.
السبت 2025/10/04
سلاح الحزب صداع مزمن

بيروت - يضع تعنت حزب الله ومراوغاته السياسية في ملف نزع سلاحه سيناريو المواجهة العسكرية على طاولة الحكومة اللبنانية كخيار أخير لفرض السيادة.

ويقول متابعون للشأن اللبناني إن سيناريو المواجهة العسكرية المحتملة لا يلغي مسارات سلمية متعددة الجبهات للمضي قدما في حصر السلاح، إلا أن تضارب تصريحات مسؤولي الحزب والدوائر السياسية المقربة منه بين استعدادهم لمناقشة الأمر تارة وبين رفضهم القاطع للتفاوض تارة أخرى فرض تعجيل الحكومة اللبنانية بالنظر في الاستعداد للمواجهة بموازاة المساعي الدبلوماسية.

ويجعل تعنت حزب الله عملية نزع السلاح طويلة ومعقدة، حيث يتطلب التوفيق بين الحلول الأمنية والسياسية والدبلوماسية حيث يعتمد أي نجاح محتمل لنزع السلاح على قدرة الدولة اللبنانية على بناء تحالف داخلي يضم القوى المعتدلة، مع استغلال الضغوط الدولية والدعم الإقليمي بشكل متزامن لإقناع الحزب والفصائل الأخرى بالامتثال.

سيناريو المواجهة العسكرية المحتملة لا يلغي مسارات سلمية متعددة الجبهات للمضي قدما في حصر السلاح

ويتطلب هذا المسار توازنا دقيقا بين فرض سلطة الدولة وتجنب التصعيد العسكري الذي قد يهدد السلم الأهلي، خصوصًا في بلد يحمل آثار صراعات طويلة ومخلفات حرب أهلية.

ويرى محللون أن تعنت حزب الله يمثل اختبارا لقدرة الدولة اللبنانية على إدارة المخاطر الأمنية المعقدة، إذ أن أي محاولة لإجباره على التخلي عن السلاح يجب أن ترافقها أدوات ضغط سياسية واقتصادية مدروسة، إلى جانب إستراتيجية إعلامية وتقريب الفصائل المعتدلة لتعزيز تأثير الدولة على الأرض.

ويشدد المحللون على أهمية مراقبة التوازنات الإقليمية، حيث يمكن أن يؤدي تدخل حلفاء الحزب أو الدعم الخارجي إلى تعقيد المسألة أكثر، وجعل أي خطوة عسكرية أو دبلوماسية محفوفة بالمخاطر.

وتؤكد الوقائع الأخيرة أن الخيارات الدبلوماسية لم تحقق حتى الآن اختراقا في موقف حزب الله، فقد رفض الحزب الانسحاب الكامل من جنوب لبنان واحتفظ بأسلحة ثقيلة رغم الاتفاقات السابقة بتسليمها الى الجيش اللبناني.

وحتى الآن سلم الحزب أسلحة خفيفة للجيش لا تؤثر عمليا على قوته في مسعى لكسب الوقت والايهام بوجود مفاوضات جارية.

ومع استمرار إسرائيل في شن ضربات شبه يومية، يزداد التبرير الداخلي للحزب بالاحتفاظ بأسلحته، ويزيد هذا الجمود من صعوبة تنفيذ أي خطة لنزع السلاح، ما يجعل الخيار العسكري واردًا على الطاولة كحل أخير.

وعلى الرغم من ذلك، يشير الخبراء إلى أن المواجهة العسكرية لن تكون سهلة على الحكومة اللبنانية، فهي تواجه تحديات تتعلق بقدرة الجيش على فرض السيطرة على مناطق متنازع عليها، بالإضافة إلى المخاطر المترتبة على استقرار الدولة والمؤسسات.

مسارات سلمية متعددة

ويحذر مراقبون من أن تتطور أي عملية عسكرية ضد حزب الله إلى صدام واسع، قد تؤدي إلى تدخل إقليمي أو دولي، ما يجعل التقييم الإستراتيجي للحكومة ضرورة ملحة قبل اتخاذ أي قرار.

ويكشف المسار اللبناني في التعامل مع قضية السلاح غير الشرعي عن تباينات كبيرة بين التجارب الجزئية التي نجحت مع بعض الفصائل الفلسطينية، وبين التعقيدات البنيوية التي تحول دون تعميم هذا النجاح على حزب الله.

وفي حالة الفصائل الفلسطينية، أظهرت التجارب أن ثمة إمكانية لتحقيق خطوات تدريجية لحصر السلاح، عبر مقايضات محدودة مثل تسليم جزء من الترسانة مقابل وعود بتحسين الحقوق المدنية أو إدماج بعض المقاتلين في أنشطة اقتصادية واجتماعية.

وقد لعبت عدة عوامل دورًا في هذا النجاح الجزئي، منها استعداد بعض القيادات الفصائلية للدخول في تفاهمات مع الدولة، وغياب ارتباط عضوي بين هذه الفصائل وبين البنية الاقتصادية والسياسية اللبنانية، إضافة إلى حجم سلاحها المحدود مقارنة بترسانة حزب الله.

لكن هذه التجربة الجزئية، على أهميتها، لا يمكن أن تمتد تلقائيًا إلى حالة حزب الله. فالحزب لا يمثل مجرد تنظيم مسلح منفصل عن المجتمع، بل هو كيان مدمج بعمق في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للطائفة الشيعية. سلاحه ليس مجرد أداة عسكرية، بل هو عنصر جوهري في شرعيته السياسية والرمزية أمام قواعده، وهو ما يجعله مختلفًا عن فصائل أخرى يمكن أن تخوض مفاوضات براغماتية حول السلاح.

كما أن شبكة الخدمات والمؤسسات التي يديرها الحزب ـ من مدارس ومستشفيات إلى جمعيات خيرية وفرص عمل ـ تجعل من وجوده المسلح مظلة حماية لأمن وعيش شريحة واسعة من اللبنانيين، ما يصعّب أي محاولة لطرح خيار نزع السلاح خارج إطار بدائل اقتصادية وأمنية متينة.

وإضافة إلى ذلك، يمتلك حزب الله بنية عسكرية ولوجستية متطورة تتجاوز بكثير إمكانات الفصائل الفلسطينية.

وراكم الحزب ترسانة ضخمة من الأسلحة والصواريخ والبنى التحتية الدفاعية، مستفيدًا من دعم خارجي مستمر ومن خبرات ميدانية اكتسبها في صراعات إقليمية، خصوصًا في سوريا.

صدام واسع

وهذا الحجم من القوة لا يمكن تفكيكه بقرارات سريعة أو بتسويات جزئية، بل يتطلب آليات معقدة تتضمن مراقبة دولية وضمانات أمنية حقيقية.

وهنا تتجلى معضلة أساسية: فطالما أن إسرائيل تمثل تهديدًا فعليًا ومستمرًا، سيظل الحزب يبرر تمسكه بسلاحه باعتباره خط الدفاع الأول عن لبنان، الأمر الذي يعقّد أي مسار لنزع السلاح.

ولذلك، فإن أي محاولة لفرض نزع شامل للسلاح بالقوة من دون توفير بدائل مؤسساتية وأمنية جدية ستقود حتمًا إلى فراغ أمني خطير.

وقد يتحول هذا الفراغ بسرعة إلى بؤرة فوضى تستغلها مجموعات صغيرة أو شبكات تهريب أو حتى قوى إقليمية منافسة، وهو ما يعيد إنتاج حالة اللادولة التي شهدها لبنان في مراحل مختلفة من تاريخه.

ويعني الفراغ الأمني أيضا فقدان ثقة السكان بالدولة، وهو ما يمكن أن يشعل موجات احتجاج أو يزيد من التوتر الطائفي، ليقود في نهاية المطاف إلى صدامات داخلية أو حتى إلى حرب أهلية جديدة.

ويتطلب إعادة فرض الدولة لسيادتها على أراضيها مزجا بين الحلول الأمنية والسياسية والدبلوماسية، وإرادة قوية من الدولة اللبنانية، وتحالفا داخليا يضم القوى المعتدلة، مع قدرة على إدارة المخاطر الأمنية المتشابكة مع حزب الله.

ويظل خيار المواجهة العسكرية حاضرا على الطاولة، لكنه مرتبط بمدى نجاح الحكومة في استغلال الفرص الدبلوماسية والسياسية وتقوية تحالفاتها الداخلية، بما يضمن الحد الأدنى من السيطرة دون الدخول في صدام شامل يهدد السلم الأهلي في البلاد.

1