تدابير زجرية ووقائية لحماية الطلاب في تونس من مخاطر المخدرات
 
تونس ـ كشفت الدراسات والإحصائيات المنجزة من قبل منظمات المجتمع المدني في تونس عن ارتفاع استهلاك المواد المخدرة في صفوف الشباب واليافعين والأطفال في السنوات الأخيرة. وخلصت المؤشرات المسجلة ضمن نتائج مسح تعاطي المخدرات في صفوف الأطفال، إلى تضاعف استهلاك الطلاب التونسيين للمخدرات 5 مرات خلال العشر سنوات الأخيرة.
وتعد حماية الوسط الطلابي من ظاهرة المخدّرات ووقاية المراهقين منها وحسن التدخل عند اكتشاف الأمر، مسؤولية مشتركة بين جميع المتعاملين مع الطلاب من جهاز أمني وكادر تربوي وأخصائيين نفسيين ومندوبي حماية الطفولة، نظرا إلى أن كل جهة تتعهد بجانب من الموضوع، وفق ما أجمع عليه المشاركون في يوم توعوي للوقاية من المخدرات نظمته وزارة الداخلية التونسية.
وتعمل الوزارة على إعداد برنامج مواطني لمكافحة المخدرات يجمع بين الجانب الزجري والجانب الوقائي، كما تعمل بالشراكة مع كافة المتدخلين على تكثيف الجانب التوعوي في مقاربتها لمكافحة المخدرات والتوقي من أخطارها خاصة في الوسط المدرسي.
وقال المدير العام للأمن العمومي بوزارة الداخلية عصام الفيتوري إن الوزارة بصدد وضع مخطط تنفيذي للإستراتيجية الوطنية للحد من العنف المجتمعي، يقوم على التعامل بشكل مختلف مع ظاهرة تفشي العنف في المجتمع وتنامي استهلاك المخدرات.
وأكد الفيتوري أنّ المؤسسات التربوية تضطلع من خلال كادرها التربوي بدور محوري في رصد حالات الاستهلاك في صفوف الطلاب في مراحله الأولى، والتصرف بوعي ومسؤولية تجاه هذه الظاهرة ضمن مقاربة شاملة تدمج جهود الدولة والأسرة والمجتمع المدني، باعتبار أن المدرسة تظل الفضاء الأمثل لترسيخ السلوك السليم وتنمية الوعي المبكر بالمخاطر من أجل بناء حصانة ذاتية لدى الناشئة.
بدوره، لاحظ العميد بوزارة الداخلية فخرالدين قدري أن الدراسات أثبتت الترابط بين العنف والمخدرات، وهو ما دفع إلى التركيز على الوسط المدرسي باعتباره يضم أكبر فئة في المجتمع، مبينا أنّ برنامج الوزارة لمكافحة المخدّرات يقوم على التوعية ثم مواجهة الظاهرة من قبل قوات الأمن والديوانة، يليه التكفل والتعهد بالمدمنين من قبل وزارة الصحة، وبعد ذلك إعادة إدماجهم في المجتمع تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية.
وأكدت الأخصائية النفسية بوزارة التربية هدى الهلالي على ضرورة توعية الكادر التربوي بأعراض وعلامات الاستهلاك لدى الطالب حتى يسهل التعرف على الطلاب الذين وقعوا في فخّ الإدمان. ويشمل عمل الأخصائيين النفسيين بالمعاهد والإعداديات الكثير من الوضعيات التي يمكن أن يتعرّض لها الطالب ومن بينها تعاطي المخدّرات، وفق ما أكدته الهلالي في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء.
◄ حماية الوسط الطلابي من ظاهرة المخدّرات مسؤولية مشتركة بين جميع المتعاملين مع الطلاب من جهاز أمني وكادر تربوي وأخصائيين نفسيين
وبخصوص نقص الأخصائيين النفسيين بالمقارنة مع عدد الطلاب، كشفت الهلالي أن أول انتداب للأخصائيين النفسيين في وزارة التربية تم سنة 2015 ثم سنة 2017، بمعدل أخصائيين نفسيين اثنين في كل مندوبية جهوية للتربية، وأن الوزارة تعتزم انتداب 31 أخصائيا نفسيا آخرين، ملاحظة أن هذا الموضوع لا يتعلق بوزارة التربية وحدها بل يقتضي تضافر جهود كل الأطراف المتدخلة فيه.
وكان المعهد الوطني للصحة قد نشر في عام 2023 مؤشرات كشفت أن 16.2 في المئة من التلاميذ المستجوبين ضمن عينة مسح تعاطي المخدرات يجدون سهولة في الحصول على مادة “الزطلة” (القنب الهندي) لاستهلاكها، في حين تقدر نسبة استهلاك التلاميذ ولو مرة واحدة للأقراص المخدرة بـ8 في المئة.
وقالت المديرة التنفيذية لجمعية اليافعين ضحى الجورشي إن تعاطي المخدرات يعد من الظواهر الاجتماعية الحارقة المرصودة في صفوف اليافعين في السنوات الأخيرة، مما يتطلب حمايتهم من المخاطر داخل الفضاءات التي يتحركون داخلها.
وتؤكد الجورشي أن محيط المدارس والفضاءات الترفيهية تحول في الكثير من الحالات إلى فضاء غير آمن يعج بالمروجين والمنحرفين، مشيرة إلى أن دراسة قامت بها الجمعية وشملت الطلاب في خمس ولايات في المناطق الجنوبية والشمالية والساحلية ووسط العاصمة أثبتت أن مخاطر الانحراف إلى تعاطي المخدرات لدى الأطفال في عمر أقل من 18 سنة هي نفسها رغم التنوع الجغرافي والتفاوت التنموي، لأن الفضاء الخارجي للمدرسة والطريق منها وإليها يكثر فيه المنحرفون والعاطلون عن العمل والمنقطعون عن الدراسة وعصابات المروجين.
بدوره أرجع سامي نصر، الباحث في علم الاجتماع، أسباب تفاقم هذه الظاهرة إلى انتشار ثقافة الإحباط والفشل وغياب الحلول الجذرية للمشاكل التي يتخبط فيها الشباب التونسي. ولفت نصر إلى قضية التفكك الأسري التي ساهمت بنسب كبيرة في تفاقم استهلاك المخدرات خاصة لدى الأطفال وطلاب المدارس والجامعات. وأوضح أن نسق الحياة المرتفع يجبر الأمهات والآباء على وجودهم خارج منازلهم للعمل وبالتالي تغيب مساحات الالتقاء بالأبناء للعناية بهم وتأطيرهم، ما يترك الأبواب مفتوحة أمام هؤلاء لسلك طريق الإدمان وأنواع أخرى من الجريمة.
وقال إن مسألة الإدمان وتعاطي المواد المخدرة ترتبط بعاملين أساسيين؛ أولهما الهشاشة النفسية للطفل أو المراهق الذي يبحث عن حب التجربة والمخاطرة، والثاني هو تراجع دور المؤسسة التربوية وهشاشة الأسرة اللذين يكونان دافعا للمراهقين نحو الهروب من الواقع.
واعتبر نصر أن أسباب تفاقم الظاهرة بعد الثورة تتمثل خصوصا في انتشار مظاهر الفقر والتخلف والتهميش والتفكك الأسري وانعدام الرقابة الأسرية إلى جانب الضغوط النفسية نتيجة الفشل والإحباط أو الشعور بالنقص والانقطاع المبكر عن الدراسة، بالإضافة إلى مظاهر التفكك الأسري وظهور حالات الانفصال والطلاق، وهي العوامل الأساسية المسببة لسلوك المتعاطي للمواد المخدرة والمتمرد عادة على سلطة الأبوين وسلطة المجتمع.
وأكد أن الإدمان له كلفة اقتصادية إضافية تثقل كاهل ميزانية الأسرة إضافة إلى إهدار قدرتها المالية على العلاج وإعادة التأهيل، إلى جانب ارتفاع الكلفة على المجتمع والدولة، كإهدار رأس المال البشري، وارتفاع الوفيات في صفوف المتعاطين، وارتفاع النفقات المتعلقة بالعلاج.
 
        
      
     
        
      
    