تحول في منظومة الدعم الاجتماعي يلغي الفوارق بين الأسر المغربية
الرباط - شرعت الدولة المغربية في إحداث تحول نوعي في منظومة الدعم الاجتماعي، عبر اعتماد نظام موحد يتميز بالدقة والشفافية في استهداف الأسر المستحقة، ويضمن العدالة في توزيع الإعانات.
وقد رافقت هذا التحول تعبئة مالية استثنائية، بلغت برسم سنة 2024 ما مجموعه 25 مليار درهم (2.79 مليار دولار)، خصصت لصرف إعانات شهرية مباشرة لفائدة أربعة ملايين أسرة، يستفيد منها نحو 12 مليون مواطن، أي ما يعادل ثلث سكان المملكة، وفق ما أكدته وفاء جمالي المديرة العامة للوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي.
وبحسب جمالي تتوزع هذه الإعانات على حوالي مليونين و500 ألف أسرة يستفيد أطفالها (أكثر من 5 ملايين و500 ألف طفل) من التعويضات العائلية إلى غاية بلوغهم 21 سنة، وقرابة مليون و500 ألف أسرة تتلقى منحا جزافية مباشرة. وتتكفل 4 ملايين أسرة مستفيدة بما يقارب مليون وأربعمئة ألف شخص مسن، مع إدماج فئات عريضة من الأسر في وضعية هشاشة، من ضمنها حوالي 400 ألف أرملة، بينهن ما يناهز 90 ألف أرملة يتكفلن بأكثر من 150 ألف يتيم.
وتمثل منظومة الدعم الاجتماعي في المغرب تجسيدا عمليا للإرادة الملكية التي تبتغي إرساء عدالة اجتماعية حقيقية وتحقيق كرامة المواطنين، ما يؤسس لنموذج مغربي رائد في مجال الحماية الاجتماعية.
واعتبرت جمالي أن هذه المكتسبات مكنت المملكة من أن تكون في طليعة الدول الأفريقية والإقليمية التي أرست نظاما متكاملا للدعم المباشر، قائما على الاستهداف الدقيق والحوكمة الرقمية، ومستلهما لأفضل الممارسات الدولية، مع مراعاة الخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية.
وقالت في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء إن نجاح هذه المنظومة يتطلب تعبئة جماعية مستمرة، لتحويلها إلى رافعة فعالة للتمكين، وتعزيز مكانة المغرب ضمن الدول المتقدمة في مسار التنمية البشرية المستدامة.
هذا المسار يهدف إلى تمكين الأسر من بناء قدراتها الذاتية، عبر تيسير ولوجها لبرامج المواكبة والتكوين والتوجيه الاقتصادي
ورغم هذا التقدم اللافت شددت جمالي على أن منظومة الدعم الاجتماعي المباشر لا تزال في مرحلة التفعيل التدريجي، ما يستدعي الانتقال بها من آلية لتقديم الإعانات المالية، إلى رافعة إستراتيجية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي.
وأوضحت أن هذا الانتقال يستلزم رفع ثلاثة تحديات رئيسية؛ يتمثل أولها في تعزيز سياسة القرب عبر تدبير ترابي-إنساني للدعم، مشيرة إلى أن هذا التحدي ينطلق من ضرورة ملاءمة الدعم الاجتماعي مع الخصوصيات المحلية لكل مجال ترابي، مع إيلاء أهمية خاصة للبعد الإنساني في العلاقة مع المستفيدين، وذلك من خلال إحداث تمثيليات ترابية للوكالة تسهم في تحسين جودة الخدمة وتعزيز ثقة المواطنين.
أما التحدي الثاني، وفق جمالي، فيتمثل في تعزيز الأثر الاجتماعي للدعم وتحقيق نقلة نوعية في حياة الأسر، مشددة على أن هذا التحدي يقتضي ربط الدعم المالي بمؤشرات واضحة لتحسين حصول المستفيدين على فرص التعليم وخدمات الصحة، والعمل على تقوية فرص إدماجهم الاجتماعي، بما يضمن أثرا ملموسا ومستداما على جودة حياتهم.
كما يتعلق الأمر بتفعيل آليات فعالة للمواكبة الاقتصادية للأسر، ويهدف هذا المسار إلى تمكين الأسر من بناء قدراتها الذاتية، عبر تيسير ولوجها إلى برامج المواكبة والتكوين والتوجيه الاقتصادي، وتعزيز الولوج إلى فرص الشغل اللائق، وتطوير المهارات، بما يفضي إلى تحقيق استقلالية اقتصادية واجتماعية دائمة.
ويعرف المغرب تراجعا ملموسا في مستوى عيش الأسر المغربية، يكشف عمق التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد خلال الفترة الأخيرة.
وكشفت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومقاومة الفساد عن مؤشرات على ما وصفته بالأرقام الصادمة الواردة في البحث الوطني حول الظرفية لدى الأسر سنة 2025، معتبرة أنها تعكس واقعًا معيشيا متأزمًا لا يمكن تجاهله.
وجاء في المذكرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط أن 76 في المئة من الأسر المغربية أكدت أن مستوى معيشتها تدهور خلال السنة الماضية، مقابل 6.8 في المئة فقط ترى أن الوضع تحسن، فيما 17.2 في المئة تعتبره مستقرًا.
أما على مستوى التوازن المالي فقد صرحت 57.6 في المئة من الأسر بأن مداخيلها لا تغطي سوى نفقاتها اليومية، في حين اضطرت 40.6 في المئة إلى استخدام مدخراتها أو اللجوء إلى الاقتراض لتلبية حاجياتها الأساسية. ولم تتجاوز نسبة الأسر التي تمكنت من الادخار 1.8 في المئة.
وشددت المنظمة على أهمية تقديم دعم مباشر للقدرة الشرائية للأسر المغربية من خلال اعتماد آليات فعالة لضبط الأسعار، ومكافحة أشكال الاحتكار التي تزيد من أعباء المواطنين، إلى جانب مراجعة السياسات الجبائية بما يراعي مبدأ العدالة الاجتماعية.