تحول الطاقة في الخليج: بين الالتزامات المناخية والواقعية السياسية النفطية
في الوقت الذي يواجه فيه العالم الحاجة الملحة إلى إزالة الكربون، تقوم دولتان من أكثر الدول النفطية نفوذًا في غرب آسيا بتنسيق أداء مدروس بعناية. فقد وضعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نفسيهما في موقع غير متوقع كرائدتين في التحول الطاقي العالمي، حيث أعلنتا عن أهداف طموحة في مجال الطاقة المتجددة واستضافتا قمما مرموقة حول المناخ. لكن في الوقت نفسه، تعمل كلتا الدولتين على توسيع قدراتهما الإنتاجية من الوقود الأحفوري بمعدلات غير مسبوقة.
استثمرت الدولتان بكثافة في صياغة سجلهما الأخضر. وتَعِدُ إستراتيجية الإمارات العربية المتحدة “Net Zero 2050” بخلق 200.000 وظيفة جديدة في قطاعات الطاقة المتجددة، والمساهمة بنسبة 3 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي. وفي الوقت نفسه، تهدف رؤية المملكة العربية السعودية “Vision 2030” إلى الوصول إلى 50 في المئة من الطاقة المتجددة في مزيجها المحلي بحلول عام 2030، مع التزام المملكة بخفض 278 مليون طن من انبعاثات الكربون سنويا.
أطلقت كلتا الدولتين مشاريع ضخمة جذبت انتباه العالم. وتمثل شركة “NEOM Green Hydrogen Company” السعودية استثمارا بقيمة 8.4 مليار دولار في ما سيصبح أكبر منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم، قادرة على إنتاج 600 طن من الهيدروجين الخالي من الكربون يوميًا بحلول عام 2026. وقد حصلت الإمارات العربية المتحدة على أراض لإنشاء مشاريع طاقة شمسية وطاقة رياح جديدة بقدرة 4.6 غيغاواط في أبوظبي وحدها، مما يدعم أهدافها المتمثلة في توليد 10 غيغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030.
تحول الخليج في مجال الطاقة يمثل صورة مصغّرة للتوترات العالمية الأوسع بين المصالح الاقتصادية وضرورات المناخ، وهو توتر من المرجّح أن يحدد نجاح أو فشل الإجراءات الدولية المتعلقة بالمناخ في السنوات المقبلة
لا يمكن اعتبار هذه المبادرات مجرد رمزية. فقد منحت المملكة العربية السعودية عقودًا للطاقة المتجددة بقيمة 8.3 مليار دولار لإنتاج 15 غيغاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو ما يمثل “أكبر سعة يتم توقيعها عالميا لمشاريع الطاقة المتجددة في مرحلة واحدة”. ويقوم برنامج طاقة الرياح في الإمارات العربية المتحدة بالفعل باستبدال 120 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهو ما يعادل إزالة 26 ألف سيارة من الطرق.
بالرغم من ذلك، واقع الوقود الأحفوري لا يزال قائما، لأن الحاجة إليه لم تنتف بعد عبر العالم. وبالتالي، تخطط المملكة السعودية لزيادة طاقتها الإنتاجية من النفط من 12 مليون برميل يوميًا إلى 13 مليون برميل بحلول عام 2027، مع توسعات كبيرة في حقول مرجان وبري وزلوف تضيف ما يقرب من مليون برميل يوميا. وتسعى الإمارات العربية المتحدة نحو زيادة طاقتها الإنتاجية من النفط إلى 5 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2030.
ويكشف هذا النهج المزدوج عن التوتر الأساسي في صميم إستراتيجية تحول الطاقة في الخليج. ففي حين تنمو الطاقة المتجددة بشكل كبير، يستمر الطلب العالمي على النفط في التزايد، مما يخلق تناقضا يتحدى الالتزامات المناخية.
تعكس إستراتيجية دول الخليج التي تبدو متناقضة حسابات جيوسياسية معقدة تعبّر عن الضغوط التي يمثلها الطلب على النفط والحاجة إلى التنمية المستدامة.
إن التنويع الاقتصادي لا يزال المحرك الرئيسي، حيث تدرك كلتا الدولتين أن الاعتماد على النفط يخلق نقاط ضعف أمام تقلبات الأسعار والتغيرات طويلة الأجل في الطلب. تعمل استثمارات التحول في مجال الطاقة كوسيلة للتحوط الاقتصادي، مما يسمح لهذه الدول بتطوير مصادر دخل جديدة مع تعظيم العائدات من الأصول الهيدروكربونية الحالية.
يتوافق هذا النهج مع ما يسميه محللو الطاقة “البترو – ريال بوليتيك”، أي الاعتراف بأن الطلب العالمي على النفط سيستمر لعقود، حتى مع نمو الطاقة المتجددة. تشير توقعات منظمة أوبك إلى أن الطلب العالمي على النفط سيزداد بنسبة 18 في المئة ليصل إلى 120.1 مليون برميل يوميا بحلول عام 2050، مع استمرار النمو مدفوعا بقطاعي النقل والبتروكيماويات. بالنسبة لدول الخليج التي تتمتع بتكاليف استخراج منخفضة واحتياطيات عالية الجودة، فإن تعظيم الإنتاج خلال هذه الفترة الانتقالية يمثل سلوكا اقتصاديا عقلانيا.
المسألة ليست منحصرة في دول الخليج، فهناك دول أكبر تتميز بإنتاج ضخم للطاقة الأحفورية، في مقدمتها الولايات المتحدة، لا تلتزم أصلا بالخطاب المناخي العالمي، ولا تقدم نفس التنازلات أو المبادرات التي تقدمها دول الخليج
تخدم هذه الإستراتيجية أيضا القوة الإقليمية. من خلال وضع نفسيهما كموردتين للوقود الأحفوري ورائدتين في مجال الطاقة المتجددة، يمكن للسعودية والإمارات الحفاظ على نفوذهما لدى الدول المستوردة للطاقة، مع جذب الشركاء الدوليين المهتمين بالمناخ. ولا شك أن استضافتهما لأحداث مناخية كبرى: رئاسة الإمارات لمؤتمر COP28 والمبادرات الخضراء المختلفة للسعودية، توفر رأس مال دبلوماسي وتشكل الخطاب المناخي العالمي.
يكشف تحول الخليج في مجال الطاقة عن الواقع المعقد لإزالة الكربون في عالم لا يزال يعتمد على الوقود الأحفوري. في حين أن استثماراته في الطاقة المتجددة مهمة وضرورية، فإن التوسع المتزامن في إنتاج النفط والغاز يبدو وكأنه يعمل ضد الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات مناخية ذات مغزى. قد يكون هذا النهج منطقيا من الناحية الاقتصادية لهذه الدول، لكنه يثير تساؤلات جوهرية حول مصداقية الالتزامات المناخية العالمية وفعالية آليات التعاون الدولي.
وبالمناسبة، ليست المسألة منحصرة في دول الخليج، فهناك دول أكبر تتميز بإنتاج ضخم للطاقة الأحفورية، في مقدمتها الولايات المتحدة، لا تلتزم أصلا بالخطاب المناخي العالمي، ولا تقدم نفس التنازلات أو المبادرات التي تقدمها دول الخليج.
مع اقتراب العالم من نقاط تحول مناخية حرجة، تمثل إستراتيجية الخليج ذات المسارين فرصة وتحديا في الوقت نفسه. تظهر استثماراتها في الطاقة المتجددة إمكانية النشر السريع للطاقة النظيفة، ولكن استمرارها في التوسع في الوقود الأحفوري يشير إلى أن المصالح الاقتصادية لا تزال تتفوق على متطلبات المناخ. قد يعتمد نجاح العمل المناخي العالمي في نهاية المطاف على ما إذا كان من الممكن حل هذه التناقضات، ودون ذلك، فهي ستستمر في تقويض مصداقية التعاون الدولي في مجال المناخ.
وبالتالي، فإن تحول الخليج في مجال الطاقة يمثل صورة مصغّرة للتوترات العالمية الأوسع بين المصالح الاقتصادية وضرورات المناخ، وهو توتر من المرجّح أن يحدد نجاح أو فشل الإجراءات الدولية المتعلقة بالمناخ في السنوات المقبلة.