تبون يثبّت موضع الجزائر على مسافة متساوية مع القوى الكبرى

مجموعة "فاغنر" مثلت مصدر قلق للجزائريين منذ دخولها إلى منطقة الساحل ومالي تحديدا بداية من العام 2021.
الأحد 2025/07/20
انفتاح على الجميع دون انحياز

الجزائر - أبدى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون تمسك بلاده بمعادلة دبلوماسية تقوم على الانفتاح على جميع الأطراف مع عدم الانحياز لأيّ طرف على حساب طرف آخر، أو معاداة طرف ما لأجل نيل رضا طرف آخر، مقابل الحفاظ على عقيدة دبلوماسية موروثة قوامها مبادئ ثابتة، ولذلك عبّر عن رفض بلاده لوجود مرتزقة على حدودها، مع احترامها لقرار الإدارة الأمريكية برفع الرسوم الجمركية على شركائها التجاريين بمن فيهم الجزائر.

وأعرب الرئيس تبون عن انفتاح بلاده على جميع القوى الدولية، بما فيها المتواجدة على خط صراع النفوذ والخصومة، كالولايات المتحدة وروسيا والصين، مشددا على علاقات الصداقة والتعاون التي تربط بلاده بتلك الدول، لكن ذلك لن يكون على حساب مبادئ الجزائر الثابتة، حسب تصريحه.

وأكد في مقابلة صحفية جمعته مع وسائل إعلام محلية، على أن الجزائر أعربت لـ”الأصدقاء” الروس عن رفضها وجود مرتزقة على حدودها، في تلميح لدور مجموعة “فاغنر” الروسية التي كانت تدعم المجلس العسكري الحاكم في مالي، قبل أن تعلن عن انسحابها خلال الأسابيع الأخيرة، بعد استكمال مهامها.

وشكلت مجموعة “فاغنر” مصدر قلق حقيقي للجزائريين منذ دخولها إلى منطقة الساحل ومالي تحديدا بداية من العام 2021، بسبب دعمها للجيش المالي في محاربة الفصائل الأزوادية المعارضة المتواجدة في شمال البلاد، وهو ما شكل تهديدا أمنيا للسيادة الإقليمية الجزائرية، وانتهى إلى إسقاط الجيش الجزائري لطائرة مسيّرة مالية مطلع شهر أبريل الماضي، بسبب اختراقها المجال الجوي الوطني، بحسب بيانين منفصلين لوزارتي الدفاع والخارجية.

وفيما بدا الوضع مثيرا لفتور في العلاقات الجزائرية – الروسية، بسبب تمدد نفوذ موسكو في منطقة الساحل وتهديد المصالح الجزائرية، أكد الرئيس الجزائري في تصريحه على طابع الصداقة العريقة التي تربط الجزائر وموسكو، وهو ما يكون قد مهد له قرار سحب مجموعة “فاغنر” شهر يونيو الماضي، واستخلافها بالفيلق الأفريقي، الذي يبدو أكثر تنظيما وانضباطا كونه يقع تحت وصاية وزارة الدفاع.

وكرّس الرئيس الجزائري مبدأ المسافة المتساوية بين جميع الأطراف الفاعلين في العالم، وعزا ذلك إلى عقيدة عدم الانحياز الموروثة عن حقبة الثورة التحريرية، ولذلك شدد على الصداقة التي تربط بلاده مع واشنطن وموسكو وبكين، ولم يبد أي انزعاج من رسم الـ30 في المئة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على البضائع الجزائرية المصدرة إلى الولايات المتحدة، خاصة وأن المبادلات التجارية لا تشكل إلا 0.5 في المئة من إجمالي النشاط التجاري لبلاده، واعتبره قرارا سياديا.

◙ الرئيس الجزائري كرّس مبدأ المسافة المتساوية بين جميع الأطراف الفاعلين في العالم، وعزا ذلك إلى عقيدة عدم الانحياز الموروثة عن حقبة الثورة التحريرية

وذكّر تبون، أنه استقبل قائد قوات “أفريكوم” الجنرال مايكل لانغلي، ثلاث مرات في رئاسة الجمهورية، وأن البلدين أبرما خلال الأشهر الماضية اتفاقا عسكريا مهما، لم يكشف عن تفاصيله، فضلا على أن المشاورات المتنوعة مستمرة بين قادة البلدين حول مختلف القضايا والملفات الثنائية والإقليمية والأمنية، وفيها ما هو غير معروف من طرف وسائل الإعلام.

وأوحى تصريح تبون، بأن الجزائر لا يمكن أن تكون في هذا الخندق من أجل إرضاء هذا الطرف، ومخاصمة طرف آخر، لأنها تلتزم بسياسة الحياد والدفاع عن مصالحها ومبادئها، بالحفاظ على صداقتها مع الجميع، ولا يمكن للجزائريين أن ينسوا دور الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي في دعم ثورة التحرير الجزائرية.

ويبدو أن الرئيس الجزائري، تلقف الرسالة التي انطوى عليها تقرير معهد دراسات الشرق الأدني، الصادر مؤخرا، والذي دعا الإدارة الأميركية إلى الانفتاح الإستراتيجي مع الجزائر، بما تشكله من ثقل ودور هام في المنطقة، واضطلاعها بأدوار سياسية وأمنية واقتصادية مفتاحية، ما يعطي الانطباع بأن القيادة الجزائرية تريد عبر رسائل التعاون مع واشنطن، إلى وأد الأصوات التي ارتفعت في السنوات الأخيرة، من أجل معاقبتها وعزلها، بسبب قربها من الروس. 

وعن سؤال، حول عزلة دبلوماسية تتداولها تقارير سياسية وإعلامية دولية، رفض الرئيس تبون وصف “العزلة الدولية جراء علاقاتها المتوترة مع بعض دول الإقليم والجوار بالقول “الجزائر ليست معزولة، حدودنا محمية وآمنة، جيشنا قوي، ومصالح الأمن لديها تجربة كبيرة. لا يجب خلق الأزمة التي لا نشعر بها أو بأي خطر، ولم نتأثر بما يحدث هنا وهناك. من يطلب مساعدة الجزائر فسيجدنا إلى جانبه، ومن أراد عكس ذلك فهو حر.”

وأضاف “الجزائر مدت يدها للأشقاء في مالي التي تعيش حالة من اللااستقرار بين الشمال والجنوب منذ 1960، حتى تبلور اتفاق الجزائر للسلام عام 2015، وأن بلاده تدعم حلا توافقيا، وتدافع بشراسة عن وحدة الشعب المالي وسيادة ترابه.” وتابع “لن نتخلى عن الأشقاء في مالي وسنساعد من يطلب منا المساعدة. مالي شهدت الانقلاب العسكري الخامس، والتاريخ يؤكد أنه كل ما وقع انقلاب يعتقدون أن مشكل شمال مالي سيحل بالقوة، لكن بعدها يصلون إلى قناعة بأن الحقيقة غير ذلك.”

ولفت إلى أن “من يريد أن يحل المشاكل بالقوة فليكن له ذلك. لن نستعمل سياسة التهديد بل نؤمن بسياسة حسن الجوار. لن نتدخل في الشؤون الداخلية لمالي وبوركينا فاسو والنيجر إلا إذا طلب منا. ونفس الشيء مع ليبيا”، لافتا إلى أن الجزائر رفضت المشاركة في عملية عسكرية لدولة لم يذكرها بالاسم (على الأرجح فرنسا)، لتحرير رئيس النيجر السابق محمد بازوم، بعد احتجازه من طرف الانقلابيين، وهو ما ألغى هذه العملية.

كما أكد، أن “النيجر سحبت سفيرها من الجزائر تضامنا مع مالي لكنها أبقت أجواءها مفتوحة معنا. استقبلت الوزير الأول لهذا البلد على انفراد لمدة 3 ساعات، وتحدثنا عن مشروع اقتصادي واعد. لكن ذلك لم يتم للأسف بتأثير من جهة ما.” وهو تلميح إلى انسحاب نيامي من مشروع خط الغاز نيجيريا - أوروبا مرورا بالنيجر والجزائر.

2