بشائر نهاية الحرب في غزة لا تشمل شركات الشحن البحري
مجرّد التوصّل إلى تهدئة للحرب في قطاع غزّة تلوح هشّة ومهدّدة بالانتكاس في أي لحظة لا يشكّل ضمانة لشركات الشحن العالمية للعودة إلى المسار المختصر عبر باب المندب والبحر الأحمر وقناة السيويس، ما قد يجعلها عرضة من جديد لمزاجية جماعة الحوثي المرتبطة في سياساتها وقراراتها بإيران التي تتناقض التهدئة مع مصالحها.
الحديدة (اليمن) – يظلّ الموقف في الممر البحري الإستراتيجي عبر باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس محتفظا بغموضه رغم اتضاح معالم تهدئة في قطاع غزّة الذي اتّخذت جماعة الحوثي من نصرة سكانه سببا لشنّ هجمات على سفن وناقلات تقول إنّها مرتبطة بإسرائيل بشكل أو بآخر، الأمر الذي جعل شركات عالمية كبرى عاملة في قطاع الشحن البحري تحوّل مسار سفنها بعيدا عن ذلك الممر غير الآمن ونحو ممر طويل يلتف على القارة الأفريقية غربا ويكلف اتّباعه خسارة في الوقت ويرتّب أعباء مالية إضافية كبيرة على تلك الشركات.
ومنطقيا تعني نهاية الحرب في غزّة عودة الهدوء إلى البحر الأحمر، وبالتالي عودة حركة الملاحة الدولية عبره إلى سالف نشاطها، لكن على صعيد واقعي يخضع الأمر لحسابات واعتبارات ثانوية.
فالحوثيون وإنّ غلّفوا انخراطهم في تهديد حركة الملاحة الدولية ودخولهم في صراع ضدّ إسرائيل بنصرة الفلسطينيين في غزّة، فإنهم لم ينفصلوا يوما عن إيران التي يلعبون دور الذراع المحلية لها ويقومون بالتالي بتنفيذ سياساتها وخوض صراعاتها بالوكالة.
ولا يبدو من مصلحة إيران في الوقت الحالي إنهاء التوتّر في البحر الأحمر بما يعنيه ذلك من خسارة ورقة ضغط على خصومها الإقليميين والدوليين.
وعلى الطرف المقابل قد لا تكون إسرائيل بحّد ذاتها في وارد شمول جماعة الحوثي بالتهدئة التي بدأتها في غزّة، بعد أن طالتها صواريخ الجماعة ومسيّراتها وظهر لها وجود تهديد جدي لها قادم من الأراضي اليمنية.
وهدّد كبار القادة الإسرائيليين بشكل متكرّر بمواصلة ضرب الحوثيين حتّى تدمير مقدراتهم وتحييد خطرهم. ولا يُستبعد أن تكون التهدئة في القطاع بحدّ ذاتها فرصة للدولة العبرية لتوجيه جهدها الحربي بشكل رئيسي صوب الجماعة.
كما أنّ التهدئة في غزّة بحدّ ذاتها تبدو هشّة وقابلة للانفجار في أي لحظة ما يعني بقاء شبح التوتّر مخيما على البحر الأحمر.
وتشكّل مختلف تلك العوامل مجتمعة حالة من عدم اليقين لدى كبار الفاعلين الدوليين في مجال الشحن البحري تدفع كبريات الشركات إلى التريث بشأن قرار عودتها إلى ذلك الممر القصير والمختصر للوقت والموفر للمال.
وعبّر عن تلك الحالة عدد من الفاعلين والمختصين في مجال النقل البحري. وقال آلان مورفي المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة سي إنتليجنس لشبكة سي.أن.بي.سي إنّ أمر التهدئة “لا يزال في مراحله الأولى”، مذكّرا بأن الحوثيين “برّروا هجماتهم على الشحن الدولي بأنها رد على الحرب بين إسرائيل وحماس، ولكن لا توجد ضمانات باستمرار وقف إطلاق النار الأخير بين الطرفين وأن يؤدي إلى إنهاء الصراع في غزة”.
وتوقّع أن الحوثيين لا يعتبرون وقف إطلاق النار ملبيا لمطالبهم وأنهم “قد يجعلون من مطلب إقامة دولة فلسطينية كاملة شرطا لوقف الهجمات، وهو أمر ينطوي على تحّد كبير”.

ويعكس تمسّك كبار شركات النقل البحري في العالم بتجنّب الإبحار عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر ومواصلة توجيه سفنهم وناقلاتهم نحو مسار طويل ومكلف ماليا، حجم المشكلة التي تسبّب بها الحوثيون من خلال تعرضّهم لخطوط الملاحة تحت عنوان دعمهم لحركة حماس الفلسطينية في صراعها المسلح ضدّ إسرائيل.
ولا تريد شركات الشحن العالمية الدخول في مقامرة وجعل مصالحها ومصالح حرفائها وكذلك أمن طواقمها رهنا لمزاجية جماعة أيديولوجية غير منضبطة ومعروف عنها أنّها تؤدي دور الذراع الإقليمية لإيران وتصوغ قراراتها ومواقفها وفقا لسياسات الإيرانيين ومصالحهم وصراعاتهم.
وقال لارس جينسن من شركة فيسبوتشي ماريتايم من جهته في منشور على منصة “لينكد إن” إنّ “على الرغم من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس فإن الحوثيين لن يبدؤوا في الوقت الحالي وقف إطلاق نار” واستدل بتصريح سابق لزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي قال فيه إن استهداف الطرق البحرية “سيستمر حتى يتوقف العدوان على غزة ويُرفع الحصار الجائر بالكامل”.
لا يبدو من مصلحة إيران في الوقت الحالي إنهاء التوتّر في البحر الأحمر بما يعنيه ذلك من خسارة ورقة ضغط على خصومها الإقليميين والدوليين
وساق رئيس سي إنتليجنس العديد من العوائق الأمنية وحتى اللوجستية التي تحول دون العودة الوشيكة لكبار الناقلين إلى باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس، مشيرا إلى وجود العديد من نقاط الضعف التي يجب حلها قبل أن تتمكن شركات الشحن العالمية من تبرير تعريض طواقمها للخطر من خلال عبور البحر الأحمر، على الرغم من أنه يوفر الوقت وتكلفة العبور، مؤكدا أن الأمر خارج سيطرة شركات الشحن.
وأكّد أن تلك الشركات ستطلب “التزامات حازمة للغاية من الحوثيين بعدم شن المزيد من الهجمات، بالإضافة إلى زيادة الدعم الأمني من القوات الغربية، قبل أن تفكّر في مجرّد العودة”، مستدركا بأنّ كلا الأمرين، الالتزام الحوثي والدعم الأمني الغربي، “صعْبَا المنال”.
ولوجستيا، يقول مورفي، إنّ شبكات الشحن البحري معقدة للغاية وتُعتبر “وحوشا ثقيلة يصعب تحريكها”، وعلى سبيل المثال يتطلب نقل خدمة أسبوعية واحدة إلى مسار قناة السويس أربع عشرة سفينة في رحلة ذهاب وعودة مدتها ثمانية وتسعون يوما، سيتم توجيه اثنتي عشرة منها إلى السويس وسيتم إخراج السفينتين الأخيرتين من الخدمة.
وأوضح قائلا “هذه عمليات تستغرق عدة أشهر لتنفيذها وهي ليست قرارا يُتخذ باستخفاف خاصة إذا كان هناك خطر حقيقي من الاضطرار إلى عكس المسار والعودة إلى أفريقيا، في حال عودة الهجمات إلى البحر الأحمر”.
وبعد ذلك، يضيف مورفي “بمجرد أن تقرر شركات الشحن البحري عبور البحر الأحمر مرة أخرى، من المتوقع حدوث ازدحام في الموانئ لأن السفن التي تسلك الطريق الأقصر عبر البحر الأحمر والسويس ستصل إلى موانئ أوروبا وآسيا في نفس وقت السفن التي تسافر حول القرن الأفريقي”.