انهيار صامت لمشروع مؤسسة غزة الإنسانية والمساعدات تعود للطريقة القديمة

إذاعة الجيش الإسرائيلي تؤكد فشل المشروع وانتهائه، مرجعة التوقف إلى تفكيك مركز نتساريم ومنع السكان من الوصول للمراكز بمناطق السيطرة العسكرية برفح.
الأحد 2025/10/12
400 شاحنة إغاثية تتحرك تمهيدا لدخولها إلى القطاع المنكوب

القدس - توقفت عن العمل مراكز توزيع المساعدات بقطاع غزة، التابعة للشركة الأميركية المسماة "مؤسسة غزة الإنسانية"، ما يعني أن "المشروع فشل وانتهى"، بحسب إعلام إسرائيلي رسمي، الأحد.

ويشكّل هذا الانهيار الصامت لمشروع الإغاثة الذي تدعمه الولايات المتحدة ويسير بعيدا عن إشراف الأمم المتحدة، نكسة لجهود إسرائيل وواشنطن في تقديم بديل لعمليات الإغاثة التي تديرها المنظمات الدولية.

وكشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي، في تقرير لمراسلها العسكري دورون كادوش عن أن "مشروع مراكز التوزيع التابع للشركة الأميركية ينهار تدريجيا من دون إعلان رسمي إسرائيلي".

وأضاف "توقفت اليوم (الأحد) عن العمل أربعة مراكز توزيع تابعة للشركة الأميركية "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) من دون أي تصريح رسمي من إسرائيل حول ذلك".

ويأتي هذا التوقف المفاجئ ليعيد مسار إدخال المساعدات إلى ما سمته الإذاعة "الطريقة القديمة"، حيث ستُدخل إسرائيل اعتبارا من الأحد 600 شاحنة مساعدات إنسانية إلى غزة، دون أن تصل أي منها إلى مراكز التوزيع التابعة للمؤسسة الأميركية.

ويعدّ هذا التطور لافتا، فقد ذكرت الإذاعة أن "المرحلة الأولى من الاتفاق (الخاص بوقف إطلاق النار) الذي تم التوصل إليه لم تتطرق حتى الآن إلى مسألة مراكز التوزيع، ولم تحدد أي شيء بشأنها، لكن على أرض الواقع الأمور تتوقف"، مما يشير إلى أن التوقف جاء بفعل التطورات الميدانية وليس نتيجة لاتفاق سياسي.

ودخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل حيز التنفيذ الساعة 12:00 ظهر الجمعة بتوقيت القدس (09:00 ت.غ)، بعد أن أقرته حكومة تل أبيب فجرا.

وارتبط توقف المراكز الأربعة بأسباب ميدانية وأمنية مباشرة فرضتها التحركات الأخيرة للجيش الإسرائيلي داخل القطاع، فقد أفادت إذاعة الجيش بأنه تم تفكيك وإغلاق المركز الواقع على محور نتساريم (وسط القطاع)، لأنه يقع في منطقة "لم تعد تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي الذي يتراجع للخلف"، وهو ما يعني فقدان الغطاء الأمني اللازم لعمل المؤسسة.

أما المراكز الثلاثة الأخرى الموجودة في رفح (جنوب القطاع)، فأشارت الإذاعة إلى أنها تقع في مناطق تحت السيطرة المباشرة للجيش (خلف ما يسمى الخط الأصفر)، موضحة أنه "وحاليا يُمنع على السكان الغزيين (المواطنين الفلسطينيين) دخول تلك المناطق، ولذلك توقفت هذه المراكز فعليا عن العمل".

واستطردت الإذاعة في تحليلها للوضع مؤكدة أن إسرائيل "لا تعلن عن ذلك رسميا، لكن فعليا المشروع فشل وانتهى، ومن المشكوك فيه جدا أن تعود مراكز التوزيع في رفح للعمل".

وتأكيدا على العودة إلى الطرق التقليدية والمباشرة لإيصال الإغاثة، تحركت 400 شاحنة مساعدات إنسانية متنوعة إلى غزة في السادسة من صباح اليوم الأحد (03:00 بتوقيت غرينتش).

وانطلقت هذه الشاحنات من معبر رفح، ومن المقرر أن تتوجه إلى معبري كرم أبوسالم والعوجة تمهيدا لدخولها إلى القطاع.

وقد عبرت 90 شاحنة بالفعل خلال الساعة الأولى من معبر رفح من الجانب المصري إلى معبري كرم أبوسالم والعوجة.

ويشار إلى أن إرسال المساعدات الإنسانية إلى معبر العوجة يتم لأول مرة منذ شهر مارس الماضي، ويأتي ذلك نظرا لكثرة أعداد الشاحنات المتوقع إدخالها، مما يُظهر كثافة الاحتياج والجهد اللوجستي المبذول لتعويض النقص.

ويتزامن هذا الدفع الكبير للمساعدات مع جهود دبلوماسية مكثفة لفتح ممر إنساني واسع النطاق. ويجري حاليا التنسيق مع كل الأطراف المعنية لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الثلاثاء المقبل.

ويهدف هذا الإجراء إلى السماح باستقبال الجرحى والمصابين والمرضى الفلسطينيين القادمين من غزة، وكذلك استقبال الأفراد من الفلسطينيين والأجانب وحاملي الجنسيات المزدوجة، ومن العالقين في مصر أيضا، مما يوسع نطاق الحركة الإنسانية إلى ما هو أبعد من مجرد إدخال البضائع.

وبدأت تل أبيب وواشنطن، بعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، خطة لتوزيع مساعدات محدودة عبر ما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" في 27 مايو الماضي، في سياق محاولات إسرائيلية أميركية لضمان عدم وصول المساعدات إلى حركة حماس، إلا أن هذا المشروع واجه انتقادات واسعة وظروفا أمنية بالغة التعقيد منذ بدايته.

ويحيط الغموض بظروف تأسيس المؤسسة وتمويلها، حيث كشف تقرير سابق لصحيفة "هآرتس" العبرية أنها "أنشأتها إسرائيل بالتنسيق مع إنجيليين أميركيين وشركات أمن خاصة".

كما أن الجيش الإسرائيلي قصف مرارا فلسطينيين مصطفين لتلقي مساعدات، ما أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف منهم، وهو ما شكّل عقبة أخلاقية ولوجستية كبيرة أمام استمرارية العمل.

وعلى الرغم من الإعلان عن فشل المشروع، صدر تصريح معاكس من مسؤول في "مؤسسة غزة الإنسانية" لإذاعة الجيش الإسرائيلي، أوضح فيه أنه "خلال الأيام القليلة المقبلة، وضمن نقل المختطفين إلى إسرائيل، ستُجرى تغييرات تكتيكية على عمليات المؤسسة".

وأشار المسؤول إلى أنه "قد تُغلق بعض مواقع التوزيع مؤقتا، ولا يوجد أي تغيير في خطة المؤسسة المدى الطويل"، في محاولة لتقليل من شأن الأنباء عن الفشل التام. لكن غياب أي إفادة رسمية إسرائيلية واعتماد الإعلان على إعلام الجيش، يشير إلى أن القرار التوقيف الفعلي اتُخذ على المستوى الأمني الميداني.

ويُشير هذا الانهيار الصامت إلى مدى تعقيد مهمة الإغاثة في القطاع في ظل استمرار العمليات العسكرية والقيود الأمنية التي تفرضها إسرائيل.

ويُظهر فشل هذا المشروع البديل، الذي حاول تجاوز آليات الأمم المتحدة، أن الاحتياجات الإنسانية الهائلة في غزة لا يمكن تلبيتها إلا من خلال آليات دولية وشفافة تتمتع بالغطاء الأمني الكامل وحرية الحركة.