انقسام في معسكر الجيش حول سبل إنهاء الحرب في السودان
الخرطوم - عكست تصريحات حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي وجود انقسام في معسكر الجيش السوداني حول التصورات المطروحة لإنهاء الحرب الدائرة مع قوات الدعم السريع في البلاد.
يأتي ذلك في خضم حراك دبلوماسي حثيث تقوده الآلية الرباعية الدولية المعنية بالسلام في السودان، والتي تستهدف وضع أسس لإنهاء النزاع المندلع منذ أبريل 2023، والذي أدى إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب تقييمات الأمم المتحدة.
وأبدى مناوي الذي يقود القوات المشتركة، وهي تحالف لفصائل من دارفور فضلت الانحياز إلى الجيش، اعتراضه على خارطة الطريق التي طرحها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في فبراير الماضي، وأعادت الحكومة إحياءها هذه الأيام، كمرجعية أساسية للسلام.
وقال مناوي في حوار مع قناة “بي بي سي” البريطانية “على الرغم من أننا جزء من الحكومة، إلا أنها لم تستشرنا عند إعداد خارطة الطريق.”
وذكر مناوي أن لديه تحفظات على الخارطة المطروحة ومن بينها البند الذي ينص على أن تعود قوات الدعم السريع إلى مناطق حواضنها الاجتماعية في دارفور، حيث اعتبر أن “هذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى تقسيم السودان.”
ورأى مناوي أنه “حتى هذه اللحظة لا يوجد فريق عمل حقيقي داخل الحكومة يتولى التعامل مع قضية وقف الحرب، ولا توجد رؤية موحدة بهذا الخصوص.”
والأحد قال وزير الخارجية محي الدين سالم إن الحكومة تضع على رأس أولوياتها تنفيذ خارطة الطريق التي أعلنها قائد الجيش.
وفي فبراير الماضي أعلن البرهان أن الحكومة طرحت خارطة طريق للانتقال المدني الديمقراطي في مرحلة ما بعد الحرب، تتضمن استئناف العملية السياسية والاتفاق على الثوابت الوطنية وتتوج بإجراء انتخابات.
مناوي أبدى اعتراضه على خارطة الطريق التي طرحها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في فبراير الماضي
وتنص خارطة الطريق على “تعيين حكومة كفاءات مدنية، وإطلاق حوار سوداني شامل لا يستثني أحدا، ويمهّد لقيام انتخابات،” ما يعني مشاركة فلول النظام السابق.
وأضاف سالم أن خارطة الطريق تمثل المسار الوطني لتعزيز السلام، وإعادة تأهيل البنية التحتية، واستئناف تقديم الخدمات الحيوية بمختلف القطاعات.
وتقول الحكومة إنها لا تمانع في التفاوض مع قوات الدعم السريع وفق خارطة الطريق التي تشترط انسحاب الأخيرة من جميع المدن التي تسيطر عليها وتجميعها في معسكرات بإقليم دارفور تمهيداً للتفاوض حول مستقبلها.
ويرى مراقبون أن إعادة إحياء خارطة الطريق التي أعلنها البرهان تهدف إلى تحسين وضع الجيش التفاوضي، في ظل تحركات الرباعية الدولية التي تضم كلا من الولايات المتحدة والإمارات ومصر والسعودية، لإنعاش عملية السلام.
ومن المنتظر أن تعقد الآلية اجتماعات في واشنطن خلال الأيام القليلة المقبلة، للاتفاق حول تفاصيل العملية السياسية في السودان.
وكانت الرباعية عرضت في سبتمبر الماضي مبادرة لهدنة إنسانية في السودان، يتم عبرها دفع طرفي النزاع إلى طاولة المفاوضات، مع التشديد على وجوب إقصاء الحركة الإسلامية من أي دور مستقبلي، في ظل اتهامات توجه للحركة بأنها السبب في اندلاع الحرب والعمل على تأجيجها.
ورغم أن المبادرة أتت باتفاق بين الدول الأربع، فإن ذلك لا يخفي وجود تباينات في مواقف تلك الدول بخصوص تفاصيل المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار، فالإمارات العربية المتحدة ترى ضرورة أن يتولى المكون المدني قيادة المرحلة الانتقالية وليس مجلسا عسكريا، وهو ما ترفضه مصر التي تصر على أن تكون المؤسسة العسكرية الضامن والمشرف على المرحلة الانتقالية.
وتبني الإمارات موقفها على فشل التجربة السابقة حينما تم منح الجيش السوداني إدارة الفترة الانتقالية التي أعقبت الإطاحة بنظام حكم الرئيس عمر البشير في عام 2020 والتي انتهت بانقلاب للجيش في عام 2021، ومن ثم اندلاع الحرب الحالية بإيعاز من الحركة الإسلامية.
ويرجح أن تكون الاجتماعات المنتظرة في واشنطن صعبة، خصوصا وأن القاهرة تصر على ضمان حضور سياسي مؤثر للجيش في اليوم التالي للحرب، لكن محللين سودانيين لا يخفون أملهم في الزخم الحاصل حول عملية السلام.
وقال المحلل السياسي عثمان فضل الله إن “عودة الحديث عن السلام بهذا التوقيت العصيب يشير إلى أن السلام هو الحل الأكثر اتزانا القادر على إخراج البلاد من هذه الدوامة المميتة.”
وأضاف فضل الله “أصبح الحديث عن السلام هو الصوت الأعلى داخليا وخارجيا، وتسللت لغة الهدنة والمصالحة إلى الجلسات الرسمية وغير الرسمية لتغدو موضوع الساعة.”
وتابع “الأنباء تتوارد عن محادثات جادة بوساطات إقليمية ودولية بدأت تثمر عن تفاهمات حول هدنة إنسانية، قد لا توقف الحرب لكنها تفتح باب الأمل لوقف نهائي لإطلاق النار وتنقذ الوطن.”
وتدعم القوى المدنية، ممثلة في التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) بقيادة عبدالله حمدوك، جهود الرباعية الدولية لإحلال السلام في السودان.
وأفاد التحالف في بيان، الخميس الماضي، بأن وفده عقد لقاءً تشاوريا مع فريق من مفوضية الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) والأمم المتحدة والجامعة العربية، حول سبل إطلاق عملية سياسية ذات مصداقية تقود إلى إنهاء الحرب وإحلال السلام.
وأكد أن خارطة الطريق تلبي تطلعات قطاعات واسعة من الشعب السوداني، ولذلك يجب البناء عليها وإنشاء آلية تنسيق واسعة تضمن توحيد كافة الجهود لإحلال السلام.
وفي الآونة الأخيرة عقد وزراء خارجية دول الآلية الرباعية اتصالات ولقاءات ثنائية بشأن حل الأزمة السودانية.
وفي الأسبوع الماضي التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشرق الأوسط مسعد بولس في القاهرة لبحث سبل إنهاء الحرب في السودان وتقوية المساعي الإقليمية لتحقيق السلام.
وفي 12 سبتمبر الماضي دعت أطراف الآلية الرباعية إلى هدنة إنسانية لثلاثة أشهر في السودان، لتمكين دخول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق تمهيدا لوقف دائم لإطلاق النار.
يلي ذلك إطلاق عملية انتقالية شاملة وشفافة تُستكمل خلال 9 أشهر، بما يلبّي تطلع الشعب السوداني إلى إقامة حكومة مدنية مستقلة.
وتتصاعد الدعوات لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين من الأشخاص إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.