النهوض بصناعة السفن فرصة للمغرب لزيادة قدراته التنافسية
الرباط - يشكّل النهوض بصناعة السفن فرصة إستراتيجية واعدة للمغرب لتعزيز قدراته التنافسية على الساحة الإقليمية والدولية، في ظل موقعه الجغرافي المتميز وتزايد الطلب العالمي على خدمات بناء وصيانة السفن.
ومع توجه البلد نحو تنويع اقتصاده وتطوير سلاسل القيمة الصناعية، تبرز هذه الصناعة كقطاع مهم يمكن أن يسهم في توليد فرص العمل ونقل التكنولوجيا وتعزيز الصادرات بما يدعم الطموحات نحو اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة.
ويشير خبيران مغربيان إلى أن بلدهما ماض في تنفيذ مشروع صناعة السفن الذي أعلن عنه في سبتمبر الماضي. وأكدا على ضرورة تنمية قطاع الصناعات البحرية بأكمله وإنشاء أسطول وطني قادر على المنافسة.
وأطلقت الحكومة مشروعا لصناعة وإصلاح السفن في ميناء الدار البيضاء، ضمن خطة لإعادة هيكلة وتطوير القطاع، وتعزيز مكانة البلد في السوق العالمية.
ورصدت للمشروع الجديد ميزانية قدرها نحو 250 مليون دولار، بغرض جذب استثمارات إضافية في القطاع وتلبية الطلب المحلي، وجزء من الطلب الخارجي.
ويضم المشروع حوضا جافا بطول 240 مترا وعرض أربعين مترا وعمق ثمانية أمتار، لإصلاح السفن التي يصل طولها إلى 220 مترا وعرضها 32 مترا.
وكذلك يشمل منصة لرفع السفن بأبعاد 150 مترا في الطول و28 مترا في العرض، وبحمولة 9700 طن، وحوضا آخر بطول ستين مترا وعرض 13 مترا وعمق يقترب من تسعة أمتار مزود برافعة بسعة 450 طنا.
وضمن مراحل المشروع أيضا تهيئة 21 هكتارا من الأراضي المستصلحة من البحر، وأرصفة للإصلاح بطول 660 مترا، في إطار رؤية المغرب لبناء صناعة قوية للسفن.
وقال الخبير الاقتصادي بدر الزاهر الأزرق لوكالة الأناضول إن بلاده “شهدت تطورا على مستوى الموانئ، حيث يتصدر المغرب أفريقيا في هذا السياق.”
وأشار إلى أن المغرب “ماضٍ في هذا التوجه عبر ميناءي الناظور (شمال)، والداخلة (إقليم الصحراء).” لكنه استدرك قائلا “هناك عجز على مستوى الملاحة البحرية، حيث فقدت البلاد جزءا من أسطولها البحري، وتعتمد على أساطيل تابعة لشركات عالمية.”
وأضاف “وبالتالي تقل تنافسية المنتجات المغربية، لأن تكلفة النقل واللوجستيات هي المحدد الرئيسي في السعر النهائي للمنتجات.”
وشدد الأزرق على أهمية “الانخراط في التأسيس لصناعة السفن بهدف إنشاء أسطول بحري، وربطه بأهم الوجهات العالمية، من أجل توصيل السلع بزمن قياسي وسعر تنافسي.”
ولفت إلى ضرورة تنويع الشركاء الاقتصاديين للبلاد، معتبرا أن الصادرات “تتمركز نحو الاتحاد الأوروبي بنحو 64 في المئة.” وأشار إلى أن بلاده “لم تطور آليات التصدير تجاه أفريقيا وآسيا وأوروبا الشرقية وأميركا الشمالية والجنوبية.”
وعن تحديات المشروع الذي أطلقته بلاده، قال الأزرق إن “الاعتماد على أساطيل أجنبية يضعف تنافسية المنتجات المغربية.”
وتشمل الصناعة البحرية العديد من المجالات مثل صناعة السفن وصيانتها وتوفير خدمات للسفن بالموانئ وصناعة اليخوت والنقل البحري.
وفي يونيو الماضي قال وزير النقل عبدالصمد قيوح في كلمة خلال جلسة بمجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) في العاصمة الرباط، إن وزارته بصدد إعداد دراسة شاملة لتقوية أسطول بحري تنافسي “سيلعب دورا كبيرا في الاقتصاد.”
وأشار إلى أن الأسطول تراجع من 70 باخرة للنقل خلال سبعينات القرن الماضي إلى 15 باخرة حاليا، لافتا إلى أن معظمها لملاك أجانب.
ويرى الباحث المتخصص في جغرافيا الموانئ بدرالدين محمد الرواص أن الاهتمام بالصناعات البحرية ذو أولوية وضرورة حتمية، في ظل الموقع الإستراتيجي للبلاد، وتزايد الاهتمام بأفريقيا.
وتدرس جغرافيا الموانئ المواقع البحرية، وتأثيرها على حركة النقل والتجارة العالمية، وتحلل العوامل الطبيعية والبشرية التي تؤثر على موقع الموانئ وكفاءتها.
وقال الرواص إن “الخطاب الملكي في نوفمبر 2023 شكل منعطفا حاسما في تاريخ الصناعة البحرية في البلاد، وجعل صناعة السفن خيارا ذا أولوية لدى السلطات.”
ولتحقيق ذلك أكد أن الوصول إلى الأسواق العالمية والتموضع في التجارة الدولية وتأمين الإمدادات للبلاد يتطلب “تنمية القطاع بأكمله.” وتابع “في هذا الإطار، تم التفكير في تكوين أسطول بحري وطني.”
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد دعا في خطاب متلفز إلى تكوين أسطول بحري تجاري وطني، قوي وتنافسي.
وأكد آنذاك أهمية “الحرص على استكمال المشاريع الكبرى، لتسهيل الربط بين مختلف مكونات الساحل الأطلسي، وتوفير وسائل النقل ومحطات اللوجستيك، بما في ذلك التفكير في تكوين أسطول بحري تجاري وطني، قوي وتنافسي”.
وسبق للبلد أن أطلق مخططا لتطوير البنية التحية للموانئ عام 2016، ويمتد إلى غاية 2030.
ومن أهداف المخطط، وفق الرواص، “تحويل المغرب إلى مركز صناعي جديد على مستوى الصناعة البحرية، وإعادة تهيئة الأحواض القديمة التي كانت مهيأة للصناعة البحرية العسكرية والمدنية، بمدينتي أغادير (وسط) وطانطان (جنوب).”
وفي ما يتعلق بإنشاء أحواض جديدة لبناء السفن بالدار البيضاء والجرف الأصفر وآسفي والقنيطرة (غرب)، والناظور والداخلة، اعتبر الرواص أن تلك الخطوة تتماشى مع المبادرة الأطلسية التي أطلقتها البلاد عام 2023.
وفي ديسمبر 2023 اتفق وزراء دول الساحل الأفريقي، بمدينة مراكش، على إنشاء فريق عمل وطني في كل دولة، لإعداد سبل تفعيل مبادرة دولية للملك محمد السادس، لاستفادة بلدان الساحل من المحيط الأطلسي.
ومن أجل الإنجاز في صناعة السفن، اقترح الرواص “تقوية مساهمة القطاع في الاقتصاد، خاصة أن صناعة السفن لا تساهم في الناتج المحلي الإجمالي إلا بنسبة 0.16 في المئة.”
كما تهدف إستراتيجية البلاد، وفق الباحث، إلى زيادة عدد الشركات في القطاع، والتي انخفضت من 40 عام 2000 إلى 10 شركات حاليا.
ووفق تقرير حكومي، حقق القطاع أرباحا سنوية بنحو 50 مليون دولار بين عامي 2013 و2022، بالتركيز على عمليات الإصلاح والصيانة وبناء قوارب الصيد.