المغرب يعيد تشكيل سوق إدارة الأصول لاستقطاب المستثمرين

المغرب يسعى في سياق رؤية أوسع إلى بناء بيئة أكثر جاذبية وشفافية تدعم تدفق رؤوس الأموال وتحفّز النمو الاقتصادي المستدام.
الجمعة 2025/10/24
علينا الاستعداد للمستقبل

يشهد قطاع إدارة الأصول في المغرب مرحلة تحوّل نوعية، إذ تعمل السلطات، عقب مصادقة السلطة التشريعية على قانون لإعادة هيكلته، على تعزيز جاذبيته لدى المستثمرين المحليين والدوليين. ويأتي ذلك في إطار إصلاحات تنظيمية ومبادرات مؤسسية تهدف إلى تنويع الأدوات الاستثمارية، ورفع معايير الشفافية والحوكمة، بما يرسّخ موقع البلد كمركز مالي إقليمي واعد.

الرباط - أعاد المغرب رسم ملامح سوق إدارة الأصول في البلاد، وهي خطوة يقول المسؤولون والخبراء إنها تهدف إلى جذب المزيد من الاستثمارات وتعزيز مكانته المالية الإقليمية.

ومع إصلاحات تنظيمية متسارعة وتنويع الأدوات الاستثمارية، يسعى البلد في سياق رؤية أوسع إلى بناء بيئة أكثر جاذبية وشفافية تدعم تدفق رؤوس الأموال وتحفّز النمو الاقتصادي المستدام.

واعتمد البرلمان قانونا جديدا لدعم قطاع إدارة الأصول، يسمح بإنشاء صناديق استثمار جديدة أبرزها الصناديق المتداولة في البورصة (إي.تي.أف) والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية، والمقومة بالعُملات الأجنبية.

ويُنظَر لهذه النوعية من الصناديق كأداة إستراتيجية لزيادة انفتاح السوق المالية المغربية عالميا، حيث تتيح إمكانية إحداث مؤشرات قطاعية يعتمدها مديرو الأصول.

وتشير التقديرات إلى أن سوق هذا القطاع يبلغ حوالي 85 مليار دولار، ومن المتوقع أن ينمو بشكل متسارع في السنوات المقبلة مع جعله أكثر مرونة، أسوة بما تفعل دول عربية مثل الإمارات والسعودية والكويت.

والثلاثاء أقر البرلمان مشروع القانون المتعلق بهيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة. وتسعى الرباط من خلال المقتضيات الجديدة لتعزيز جاذبية السوق للمستثمرين الأجانب، وتمكين بورصة الدار البيضاء من لعب دور أكبر في تمويل الاقتصاد.

مصطفى حساني: القانون يمهد لتأسيس فئات مختلفة من صناديق الاستثمار
مصطفى حساني: القانون يمهد لتأسيس فئات مختلفة من صناديق الاستثمار

وتعتبر هذه الموافقة نهائية على مشروع القانون الجديد الذي كان منتظراً من القطاع منذ سنوات. ومن المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد صدوره في الجريدة الرسمية قبل نهاية العام الجاري.

واعتبر مصطفى حساني، رئيس الجمعية المغربية لشركات التدبير وصناديق الاستثمار (أسفيم)، أن “القانون الجديد سيُدخل عدداً من التغييرات الكبيرة التي من شأنها إعادة هيكلة قطاع إدارة الأصول وتعزيز جاذبية الاستثمارات المالية”.

وبموجب القانون سيتم تأسيس صناديق موجهة للمستثمرين المؤهلين تخضع لقواعد تسيير مبسطة، كما سيتم توسيع نطاق الاستثمار ليشمل المنتجات المشتقة مثل عقود السوق الآجل وصناديق الاستثمار العقاري.

ويسعى هذا التوجه إلى ملاءمة احتياجات المستثمرين بشكل أكبر، مع تقوية إشراف الهيئة المغربية لسوق رؤوس الأموال وآليات إدارة المخاطر والسيولة.

وقال حساني في مقابلة مع بلومبيرغ الشرق إن “من بين أبرز المستجدات التي جاء بها القانون استحداث فئات جديدة من صناديق الاستثمار”. وأضاف “تشمل بالإضافة إلى ما سبق، الصناديق ذات أقسام والتي تُمكن المستثمرين من تغيير تركيبة محافظهم الاستثمارية والانتقال من قسم إلى آخر بتكلفة أقل”.

وخلال السنوات القليلة الماضي أظهر قطاع إدارة الأصول في المغرب نموا مستمرا، حيث بلغ حوالي 791 مليار درهم (85 مليار دولار) حتى العاشر من أكتوبر الجاري، مقابل نحو 71 مليار دولار نهاية العام الماضي.

ويمثل الرقم أكثر من ضعف ما كان عليه قبل عقد، وهو ما يعادل 42 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب أحدث بيانات الهيئة المغربية لسوق رأس المال.

ولا تزال محفظة استثمارات قطاع إدارة الأصول تتركز على القيم غير المدرجة في البورصة المحلية، والتي تضم سندات الدين الصادرة أو المضمونة من الدولة وسندات الدين الخاص.

وتستحوذ هذه الأصول على نحو 80 في المئة من الاستثمارات، وفق إحصائيات قدمتها نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية للمُشرعين في أبريل الماضي خلال مناقشة مشروع القانون.

وفي ما يتعلق بانعكاسات القانون الجديد على القطاع، يرى حساني أن المرحلة المقبلة ستعرف تطورا في اشتغال الشركات، التي ستكون مطالبة بتطوير خبراتها في مجالات جديدة.

وتطرق في حديثه إلى إجراءات مختلفة مثل الإدارة البديلة وهيكلة الصناديق والمنتجات المؤشرة والتدبير متعدد الأصول، والرقمنة. ومن المتوقع أن يؤدي هذا التوسع في العرض إلى نمو الأصول المدارة، بفضل قدرة الصناديق على جذب كل من الاستثمار المحلي والأجنبي معا.

85

مليار دولار حجم سوق إدارة الأصول حتى العاشر من أكتوبر الجاري من 71 مليارا بنهاية 2024

واعتبر حساني أن هذه الديناميكية ستُحدث أثراً هيكلياً على سوق الاستثمارات المالية، عبر تنويع المنتجات المالية، ما سيعزز عمق السوق ويحسن سيولته.

وبلغ العدد الإجمالي لصناديق التوظيف الجماعي للقيم المنقولة النشطة 606 صناديق حتى أكتوبر الجاري، بحسب بيانات رسمية. ولا تزال مساهمة الأفراد قليلة إذ لا تتجاوز نسبتهم 7 في المئة من مجموع الأصول.

ومع إقرار القانون يأمل المسؤولون في أن يساعد في زيادة نسبة المستثمرين الأجانب وأيضا المستثمرين الأفراد داخل السوق خلال المرحلة المقبلة.

ومن شأن القانون الجديد أن يوسع قاعدة استثمار الصناديق في الأسهم التي لم تتجاوز 11.7 مليار دولار بنهاية مايو الماضي، ورغم ذلك تعتبر أول المكتتبين في الطروحات، وفقا لمعطيات وزارة الاقتصاد والمالية.

ومن المرجح أن يكون لإدماج صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة تأثير مهم على سوق الأسهم، حيث أشار رئيس جمعية أسفيم إلى أن “هذه الخطوة من شأنها إحداث فئة أصول جديدة تنعش نشاط السوق”.

وقال حساني إن “هذه الصناديق ستوفر سيولة أكبر على محافظ استثمارية متنوعة، كما ستُسهم في توسيع قنوات الاستثمار أمام الأفراد والمؤسسات، مما قد يؤدي إلى زيادة ملموسة في أحجام التداول داخل البورصة”.

وأوضح أن صناديق الاستثمار المقومة بالعملات الأجنبية ستسهل ولوج المستثمرين الدوليين، معتبراً أن هذه الخطوة تشكل محركا حقيقيا “لإعادة تموقع السوق المالية المغربية على المستوى الدولي ومنحها رؤية أوسع”.

4