المغرب يسلك خيار الحوار مع إسبانيا في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية

الحدود البحرية ملف إستراتيجي للرباط يرتبط بمشاريع إقليمية كبرى.
الخميس 2025/08/28
التعاون البحري يعكس نضج الشراكة الإستراتيجية بين المغرب وإسبانيا

تُعتبر قضية ترسيم الحدود البحرية من القضايا التي لا زالت مدريد والرباط تتفاوضان من أجل التوصل إلى حل توافقي نهائي بشأنها، لكن المغرب ومع تمسكه بحقوقه المشروعة في هذه القضية يؤكد أنه ملزم بالحوار وحسن الجوار والمصلحة المشتركة.

الرباط - ساهم دعم إسبانيا لسيادة المغرب على صحرائه في تفاهم كبير على العديد من المستويات منها ترسيم الحدود بين البلدين ضمن خارطة الطريق المشتركة بين البلدين وإنشاء لجنة مشتركة لدراسة الملف، حيث أكد ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي أن بلاده متمسكة بالحوار كسبيل وحيد لترسيم الحدود البحرية مع إسبانيا، سواء بالمتوسط أو الأطلسي، مشددا على أن الملف يعالج بروح “حسن الجوار والشفافية والمصلحة المشتركة.”

وأوضح بوريطة، في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر الذي نظم بشراكة مع معهد القانون الدولي حول “الممارسات الدولية في تحديد المجالات البحرية”، أن المغرب اختار منذ عقود أن يكون أمة بحرية مندمجة في رؤيتها الجيوسياسية، مذكرا بمسار طويل من الإصلاحات والتشريعات المرتبطة بالفضاءات البحرية، في إطار العقيدة البحرية للمملكة التي تقوم على ثلاث ثوابت، الوحدة الترابية التي تشمل الأقاليم الجنوبية، والشرعية القانونية باحترام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982، ورفض الأحادية في أي مقاربة لفرض الأمر الواقع.

وأبرز ناصر بوريطة أن التعاون البحري مع إسبانيا يعكس نضج الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتي تتجاوز موضوع الترسيم لتشمل التحديات البحرية الكبرى، مؤكدا أن البحر يجب أن يكون “جسرا واصلا لا خطا فاصلا، مذكرا بأن الرؤية الملكية، خاصة خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2023، جعلت من البعد البحري رافعة أساسية للتنمية الوطنية والاندماج القاري، عبر مشاريع كبرى مثل ميناء طنجة المتوسطي وميناء الداخلة الأطلسي المستقبلي، ودعم الاقتصاد الأزرق.

ومع اكتشاف احتياطات نفطية قبالة سواحل الصحراء المغربية تتعالى الأصوات المطالبة باستئناف المفاوضات بين إسبانيا والمغرب لترسيم الحدود البحرية بشكل دقيق، حيث شدد خوسي ميغيل باراغان، المتحدث باسم مجموعة نواب “التحالف الكناري” في برلمان الأرخبيل، على أهمية استئناف المفاوضات الثنائية بين مدريد والرباط لرسم حدود بحرية واضحة، مشيرًا إلى أن هذا الاكتشاف قد يثير خلافات مستقبلية تتطلب معالجة دبلوماسية متوازنة.

وفي ظلّ الحديث عن وجود البترول والغاز وموارد معدنية حيوية كالتيلوريوم والكوبالت والباريوم، أكدت أوساط سياسية أن خطوة المغرب في ترسيم حدوده البحرية تكتسي أهمية بالغة، خاصة على الشّريط الأطلسي في المنطقة الاقتصادية، إذ من المرتقب أن تنطلق المباحثات بين البلدين خلال الفترة المقبلة لترسيم ومعرفة الحدود والمناطق أو الحقول المشتركة الغنية بالثروات بين البلدين وكيفية استغلالها، وفي مقدمتها جزر “الخالدات على المحيط الأطلسي.”

وقال أستاذ العلاقات الدولية خالد الشيات، في تصريح لـ”العرب”، أن المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا، في مراحل متقدمة تصب في مصلحة البلدين وأيضًا جزر الكناري، لأنه سيكون مناسبًا لتقسيم الموارد البحرية، والعمل على تنسيق بعض الموارد المشتركة، مما سيعود بالفائدة على الاقتصادين المغربي والإسباني.

خالد الشيات: المفاوضات متقدمة وتصب في مصلحة الرباط ومدريد
خالد الشيات: المفاوضات متقدمة وتصب في مصلحة الرباط ومدريد

وصادق البرلمان المغربي، بالإجماع على مشروعيْ قانونين يُبسطان سيادة المغرب البحرية على الأقاليم الجنوبية، ويخلقان منطقة اقتصادية خالصة تبلغُ 200 ميل، في خطوة أثارت توجسا لدى الجارة إسبانيا، بينما اعتبرتهما الرباط من المسائل السيادية والداخلية، ويندرجان ضمن مسار تحيين الترسانة القانونية الوطنية المتعلقة بالمجالات والحدود البحرية للمملكة المغربية، وتدارك الفراغ التشريعي الذي يعتري المنظومة القانونية الوطنية المتعلقة بالمجالات البحرية، وملاءمتها مع السيادة الوطنية للمملكة، الكاملة المكتملة في حدودها، الترابية والبحرية.

وأشار ناصر بوريطة إلى أن “من هذه الثوابت أيضا الشرعية القانونية، إذ لم تعتبر المملكة المغربية يوما قانون البحار قيدا، بل أداة توازن وشرعية، ويتجلى ذلك في حرصها الدائم على أن تكون قراراتها في إطار اتفاقية 1982، ورفضها لأي نهج مخالف لها، إلى جانب ثابت رفض الأحادية، حيث إن عقيدتنا في ترسيم الحدود البحرية لا يمكن أن تقوم على سياسة الأمر الواقع. وكلما واجهنا ذلك، كنا نرد رسميا وبحزم وفق ما ينص عليه قانون البحار.”

وتشترط اتفاقية البحار التّوافق بين المتنازعين في حالة وجود تعارض متعلّق بترسيم الحدود البحرية. وعيَّنت الأمم المتحدة بموجبِ هذه الاتفاقية المناطق الاقتصادية الخالصة إلى 200 ميل بحري من الشاطئ. وتمثّلُ هذه النّقطة أحد أهم معيقات ترسيم الحدود البحرية المغربية المتاخمة لجزر الكناري.

وتُعتبر قضية ترسيم الحدود البحرية من القضايا التي لا زالت مدريد والرباط تتفاوضان حولها من أجل التوصل إلى حل توافقي نهائي منذ عدة عقود، وأكد بوريطة أن “المغرب متمسك دائما بالحوار، وأن التعاون البحري يعكس واقعا سياسيا أعمق يتجلى في نضج الشراكة الاستراتيجية بين المغرب وإسبانيا، وهذه الشراكة تتجاوز قضية الترسيم لتشمل التحديات البحرية الكبرى، وأنه حين يختار الجوار طريق الحوار، يتحول البحر من خط فاصل إلى جسر واصل.”

ويتيح القانون الدّولي للمغرب في هذه الحالة استغلال ثروات المنطقة الاقتصادية دون غيره، بينما يجعل تصادم مصالح المملكة وإسبانيا، خاصة على مستوى جزر الكناري، ترسيم المنطقة الاقتصادية أكثر تعقيدا، خاصة وأنّ ما يفوق 90 في المئة من الثروة السمكية موجودة في هذه المنطقة بالخصوص.

وخلص ناصر بوريطة إلى أن “المنظور الشامل الذي يتبناه العاهل المغربي يكشف عن ثلاثة أبعاد أساسية في علاقة المغرب بالبحر وبقوانينه: أولا، الاقتناع بأن البحر ليس حدودا، بل فضاء للاتصال والاندماج. وثانيا، إظهار كيفية تعامل المغرب مع فضاءاته البحرية واستغلالها، ليس بمنطق دفاعي، بل في إطار شراكة. ثم أخيرا البرهنة على أن المغرب لا يرى في اتفاقية مونتيغو باي نصا جامدا؛ بل أداة حية وديناميكية وقابلة للتطور،” مشددا على أن “العالم تغير، والمحيطات أيضا؛ وبالتالي حان الوقت للتفكير في إصلاح حوكمة المحيطات بما يستوعب التقدم التكنولوجي، ويستجيب للحاجيات البيئية، وينفتح على الاستخدامات الجديدة للبحر.”

4