المغرب يؤكد أخلقة العملية الانتخابية ومراجعة تمويل الأحزاب
الرباط - استعدادا للاستحقاقات التشريعية المرتقبة بالمغرب والمقررة العام المقبل أكد وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت، أن أخلقة العملية الانتخابية المقبلة يمثل أحد المفاتيح الأساسية لضمان الشفافية والمصداقية، وهو ما يستدعي التصدي الحازم لكافة التجاوزات والممارسات التي قد تطال العملية الانتخابية.
وخلال اجتماعه مع قادة الأحزاب السياسية، أكد عبدالوافي لفتيت، أن المنظومة الانتخابية بحاجة لمراجعة آليات تمويل الأحزاب، بما يسهم في عقلنة المشهد السياسي، وتعزيز جاذبية العمل الحزبي، فضلا عن زيادة تمثيلية النساء والشباب داخل المؤسسات المنتخبة، عبر إجراءات عملية من شأنها تقوية حضورهم السياسي، وتوسيع قاعدة المشاركة.
وشدد الوزير في لقائه الأول مع الأحزاب الممثلة في البرلمان، على أن المغرب في حاجة إلى مؤسسات تحظى بالشرعية والثقة والاحترام، منبثقة عن التعبير الحر للإرادة الشعبية، ونحن بحاجة لتحصين مؤسساتنا، وهذا يتطلب التزاما جماعيا، ومسؤولية الأحزاب في انتقاء وتزكية المرشحين المناسبين، داعيا إلى تعبئة جماعية لإنجاح هذا الورش الوطني.
وأكد لفتيت أن تعزيز مناعة المؤسسات السياسية يمر عبر رفع نسبة المشاركة في الانتخابات، واستقطاب الكفاءات والنخب المؤهلة، كما أن أخلقة العملية الانتخابية المقبلة يمثل أحد المفاتيح الأساسية لضمان الشفافية والمصداقية، وهو ما يستدعي التصدي الحازم لكافة التجاوزات والممارسات التي قد تمس الصرح الديمقراطي والمسار التنموي للمملكة.
وأوضح هشام لفقيه، الباحث في القانون العام والعلوم السياسية، أن “إصرار المغرب على أخلقة العملية الانتخابية ومراجعة تمويل الأحزاب، يندرج ضمن مسعى واضح لإعادة ضبط العلاقة بين الشرعية الانتخابية والمشروعية الديمقراطية، في ظل تزايد مؤشرات العزوف، وضعف المصداقية في الوساطة الحزبية، وليس خيارا سياسيا ظرفيا، بل شرط مؤسسي لإعادة الاعتبار للانتخابات كآلية ديمقراطية، وضمان توافق العملية الانتخابية مع الدستور، والتنمية، وثقة المواطن.”
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن “دوافع الأخلقة تتمثل في ضمان نزاهة التمثيلية السياسية والانتخابية وتحصين المسار الديمقراطي فأي انحراف في العملية الانتخابية يفرز مؤسسات فاقدة للشرعية السياسية والفعالية التمثيلية، لأن الأخلقة ضرورة لحماية الاختيار الديمقراطي من تأثير المال الفاسد أو التوظيف غير المشروع للسلطات، مع تأهيل البيئة الحزبية من خلال ربط التمويل العمومي بمبادئ الشفافية والتدبير العقلاني يسعى إلى جعل الأحزاب أكثر مسؤولية ومحاسبة.”
واعتبر هشام لفقيه، أن “دور وزارة الداخلية بالإشراف على الانتخابات تقني ولوجستي في الأصل، ويدخل ضمن الإطار التنظيمي لسير العملية الانتخابية، بالامتثال لروح الفصل 11 من الدستور المغربي الذي ينص على الحياد والشفافية والمصداقية، كمرتكزات للعملية الانتخابية، مع الامتثال للمعايير الدولية حيث أن أخلقة العملية الانتخابية ونزاهتها وشفافيتها يدخل ضمن التزامات المغرب في مجال الحوكمة.”
دوافع الأخلقة تتمثل في ضمان نزاهة التمثيلية السياسية والانتخابية وتحصين المسار الديمقراطي
وبخصوص علاقة الشباب بالأحزاب السياسية، أكدت المنسقة الوطنية للقيادة الجماعية للأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، فاطمة الزهراء المنصوري، أننا “واعون بأن مستقبل هذه البلاد لا يمكن أن يقرر فيه إلا الأغلبية، وهم الشباب، وهذا الشباب الذي يعيش اليوم جيلاً جديدًا، وتحديات جديدة، ونحن مقتنعون بأن لديهم الحلول للتحديات التي ستواجههم مستقبلا.”
وخلال اللقاء الذي دام زهاء ساعة ونصف، قدم وزير الداخلية تصور الوزارة لمراجعة المنظومة الانتخابية، مؤكدا أن هذا التصور يظل مفتوحا على اقتراحات الأحزاب في إطار حوار مسؤول وصريح، بخلق بيئة انتخابية شفافة ومحفزة، كما عبر عن انفتاح وزارة الداخلية على مختلف الآراء التي من شأنها تعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة وفي العملية السياسية برمتها.
وتتعلق هذه الأهداف بتحيين اللوائح الانتخابية العامة، وتحديد الآليات والإجراءات الكفيلة بتخليق العملية الانتخابية وزجر التجاوزات، واتخاذ التدابير العامة المساعدة على تحفيز المشاركة القوية، وعقلنة المشهد السياسي وتحفيزه من خلال مراجعة بعض بنود القانون التنظيمي المرتبطة بالتمويل العمومي، وزيادة جاذبية العمل السياسي بصفة عامة، مع تطوير أساليب الإعلام العمومي والأساليب التواصلية الحديثة، وأخيرا تحديد الجدولة الزمنية والتنظيم المادي واللوجيستي للانتخابات.
وجاء الاجتماع، الذي عقد مع الأحزاب الممثلة في البرلمان، في سياق تقديم التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش ليوم 29 يوليو الماضي، والذي أكد فيه العاهل المغربي الملك محمد السادس على ضرورة التحضير المبكر للانتخابات المقبلة في موعدها الدستوري، ووضع القوانين المؤطرة لها قبل نهاية السنة الجارية مشيرا إلى أنه أعطى تعليماته إلى وزير الداخلية من أجل الإعداد الجيد للانتخابات المقبلة سنة 2026.
ووفق بلاغ سابق لوزارة الداخلية، فقد سادت الاجتماعين أجواء من الانخراط البناء والمسؤولية الوطنية، حيث عبر قادة الأحزاب عن إشادتهم بالتوجيهات الملكية، وثمنوا منهجية التشاور المعتمدة في تدبير المحطات الانتخابية الكبرى، كما تم الاتفاق على أن توافي الأحزاب وزارة الداخلية، قبل نهاية شهر أغسطس الجاري، بمقترحاتها بخصوص الإطار القانوني والتنظيمي المؤطر للانتخابات التشريعية لسنة 2026، تمهيدا لعرض النصوص ذات الطابع التشريعي على البرلمان خلال الدورة الخريفية المقبلة.