العملية السياسية تختبر نوايا الحكومة السورية

نجاح الانتخابات البرلمانية يفتح الباب أمام دعم سياسي واقتصادي أكبر.
الاثنين 2025/09/29
فرصة لتثبيت النوايا

تأتي الانتخابات البرلمانية السورية المقررة في الخامس من أكتوبر في مرحلة حاسمة من مسار إعادة الدمج السياسي للبلاد، حيث تمثل فرصة لتقييم قدرة الحكومة على تنظيم عملية سياسية شاملة وشفافة، وتعكس مدى استعداد دمشق لكسب الثقة الإقليمية والدولية والمضي نحو الاستقرار والإصلاح.

دمشق - تشكل الانتخابات المزمع إجراؤها لمجلس الشعب السوري (البرلمان) في الخامس من أكتوبر المقبل لحظة مفصلية في مسار إعادة الدمج السياسي للبلاد، ليس فقط على المستوى الداخلي، بل أيضا على صعيد العلاقة مع المجتمع الإقليمي والدولي.

وينظر إلى هذه الانتخابات، الأولى بعد أكثر من عام على استعادة سيطرة الفصائل السورية على كامل الأراضي، على أنها اختبار حقيقي لنوايا الحكومة الجديدة في تبني مسار سياسي شامل يراعي مشاركة جميع مكونات المجتمع السوري.

ووفق النظام الانتخابي المؤقت الذي أقرته الحكومة، سيتم انتخاب ثلثي أعضاء المجلس عبر هيئات ناخبة، فيما يعين رئيس الجمهورية الثلث المتبقي.

وتتيح هذه الآلية، رغم كونها مؤقتة، فرصة لإظهار قدرة الدولة على تنظيم عملية سياسية، مع الحفاظ على استقرار مؤسساتها، وهو ما يُعد مؤشرا أساسيا للجهات الإقليمية والدولية على جدية دمشق في تحقيق إصلاحات سياسية واقعية.

ويقول محللون سياسيون إن الانتخابات تمثل مقياسا مباشرا لرغبة الحكومة في كسب الثقة الدولية. فالنجاح في تنظيم انتخابات شفافة تتيح للمرشحين الإعلان عن برامجهم الانتخابية وإشراك الهيئات المحلية، يمكن أن يُستخدم كحجة قوية لإقناع المجتمع الدولي بأن سوريا تسلك مسارا نحو استقرار سياسي قابل للمتابعة والدعم.

الانتخابات التشريعية تمثل مقياسا مباشرا لرغبة الحكومة السورية في كسب المزيد من الثقة الدولية والإقليمية

وأما أي إخفاق في تنظيم الانتخابات أو إحجام عن تضمين كافة الأطراف المعنية، فقد يُفسر على أنه استمرار للنهج المركزي الذي ميز الحكم السابق، وبالتالي تقليل احتمالية حصول دمشق على دعم اقتصادي وسياسي من الدول الإقليمية أو الدولية.

وتحمل الانتخابات أيضا دلالات رمزية، إذ تُظهر ما إذا كانت الحكومة الجديدة قادرة على توسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وإشراك مختلف الفئات العرقية والطائفية، بما في ذلك النساء والشباب، في الحياة السياسية.

ويشير مراقبون إلى أن هذا البعد الاجتماعي والسياسي يعد عاملا مهما للمجتمع الدولي، حيث أن أي تقدم في هذا المجال يمكن أن يكون مبررا لإعادة النظر في عقوبات اقتصادية أو لتسهيل التعاون الإقليمي، خصوصا في ظل الحاجة الماسة إلى إعادة الإعمار واستقرار الأمن الغذائي والطاقة في سوريا.

ومع ذلك، تظل التحديات الأمنية والاقتصادية قائمة، وقد تؤثر على قدرة الحكومة على تحقيق انتخابات حرة ونزيهة.

وتجعل الفوضى المتبقية في بعض المناطق، والمخاطر المرتبطة بالانتقال السياسي السريع، المجتمع الدولي حذرا.

ولذلك، فإن الانتخابات القادمة ليست مجرد حدث انتخابي داخلي، بل مقياس عملي لتقييم مدى التزام الحكومة السورية بالإصلاحات السياسية وبناء الثقة مع شركائها الإقليميين والدوليين.

ويرى خبراء أن مراقبة الانتخابات، وشفافية الإجراءات، والقدرة على إشراك أطراف المعارضة الفاعلة، ستكون عناصر حاسمة لتحديد موقف المجتمع الدولي تجاه سوريا.

ويشير الخبراء إلى أن مجرد الانتقال من مجلس صوري خاضع للأسد إلى صيغة تسمح بحد أدنى من التعددية يشكل تقدما نسبيا. فالمشاركة في العملية، حتى ولو ضمن كليات انتخابية محدودة، قد تفتح المجال أمام فئات جديدة للدخول إلى الحياة السياسية.

الانتخابات المزمع إجراؤها في الخامس من أكتوبر تشكل محطة إستراتيجية يمكن البناء عليها لتعزيز استقرار سوريا داخليا وخارجيا

كما أن توسيع حجم المجلس من 150 إلى 210 مقاعد يشير إلى رغبة في إظهار شمولية أوسع. ومع ذلك، يشدد خبراء النظم الانتقالية على أن جوهر الإصلاح لا يُقاس بتفاصيل التصميم القانوني بقدر ما يُقاس بمن سيملك القدرة على صناعة القرار داخل البرلمان، حيث يخشى كثيرون أن تبقى الكلمة الفصل في يد الرئيس، بما يحول الانتخابات إلى خطوة شكلية.

وبالتالي، تشكل الانتخابات المزمع إجراؤها في الخامس من أكتوبر محطة إستراتيجية يمكن البناء عليها لتعزيز استقرار سوريا داخليا وخارجيا، وتسريع دمجها في المنظومة الإقليمية والدولية، مع إبقاء المجتمع الدولي على مقربة من متابعة تنفيذ أي إصلاحات تترتب على نتائجها.

وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد أكد أن “مجلس الشعب القادم صيغ بطريقة مقبولة كمرحلة انتقالية، ليس كحالة دائمة”.

وسبق أن أشار الشرع إلى دعمه للحكم الديمقراطي، وقال لمجلة إيكونوميست في يناير إنه إذا كان معنى الديمقراطية أن يقرر الشعب من سيحكمه ومن سيمثله في البرلمان فهذا هو الاتجاه الذي تسير فيه سوريا.

ومنح إعلان دستوري مؤقت صدر في مارس البرلمان صلاحيات محدودة. ولا يشترط حصول الحكومة على ثقة البرلمان.

ويمكن لمجلس الشعب اقتراح قوانين والموافقة عليها. وتستمر فترة ولايته 30 شهرا قابلة للتجديد. ويتولى السلطة التشريعية إلى حين إقرار دستور دائم وتنظيم انتخابات.

ولطالما ارتبط تاريخ الانتخابات البرلمانية في سوريا خلال عهد بشار الأسد بسيطرة الحزب الحاكم على الحياة السياسية، إذ كانت عملية الانتخاب تدار ضمن إطار يسمح للحزب الحاكم بالاحتفاظ بالسيطرة شبه الكاملة على البرلمان.

وكان مجلس الشعب السابق يتميز بقدر محدود من الاستقلالية، حيث كان دوره في الغالب شكليا، يقتصر على الموافقة على قرارات السلطة التنفيذية دون نقاش فعلي أو معارضة ملموسة، ما جعل كثيرين يعتبرونه امتدادا لأجهزة السلطة التنفيذية وليس مؤسسة تشريعية حقيقية.

وكانت الانتخابات تُجرى وفق نظام أتاح للأحزاب التابعة للتحالف الوطني التابع للحزب الحاكم هيمنة شبه مطلقة على المقاعد، مع معايير اختيارية ومعقدة للمرشحين المستقلين، مما حدّ من إمكانية ظهور أصوات معارضة مؤثرة. كما شهدت بعض الدورات الانتخابية محاولات لإضفاء شرعية شكلية على النتائج من خلال إدخال رموز من المجتمع المدني أو شخصيات مستقلة، لكنها بقيت تحت إشراف ومراقبة مركزية من قبل السلطة التنفيذية.

وأسهمت هذه التجربة السابقة في خلق حالة من الشكوك المستمرة حول استقلالية البرلمان.

3