العراق يسابق الزمن لطي صفحة مخيم الهول ويناشد العالم مواكبة جهوده

الرئيس عبداللطيف رشيد: توجد أمثلة دولية حول خطورة إهمال قضايا مثل قضية المخيم.
الجمعة 2025/10/24
قضية المخيم إنسانية أيضا

مخيم الهول لعناصر تنظيم داعش وعوائلهم لا يشكل بالنسبة إلى العراق مجرّد تذكير بمأساة وطنية غامرة شهدها خلال العقد الماضي، ولكنْ هو خطر أمني قائم وقنبلة موقوتة تسابق بغداد الزمن لتفكيكها وتناشد بلدان العالم القيام بواجبها إلى جانبها كون أعداد من المقيمين في المخيم هم من مواطني العديد من تلك البلدان.

بغداد- يشعر العراق بسلطاته الرسمية ومواطنيه أكثر من غيره بوطأة قضية مخيّم الهول الواقع على الأراضي السورية والذي يضمّ الآلاف من أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية الذي روّع سكان مناطق عراقية شاسعة طيلة السنوات الممتدة بين 2014 تاريخ غزوه واحتلاله لتلك المناطق و2017 تاريخ هزيمته العسكرية على أيدي القوات العراقية وحلفائها المحليين والدوليين واستعادتها من أيدي مقاتليه.

ولا يشكّل المخيم اليوم ذكرى سيئة للعراقيين فقط، بل ينطوي أيضا على مشاكل اجتماعية وإنسانية ومخاطر أمنية تعمل السلطات العراقية على نزع فتائلها باستكمال تفكيك المخيّم وإخراج من تبقى من المقيمين فيه.

لكن المسألة لا تعني العراق وحده ولا تتوقّف على جهود سلطاته إذ أن المخيم يضم الآلاف من سكان العديد من البلدان التي لا تبدي جدية في معالجة المشكلة بل تحاول أحيانا تجاهلها والقفز عليها ما يشكّل عبئا إضافيا على العراق وأيضا سوريا المجاورة.

وعلى هذه الخلفية توّجه الرئيس العراقي عبداللطيف جمال رشيد بمناشدة لمختلف الجهات  الدولية المعنية بقضية المخيم لمواكبة جهود بلاده في معالجتها وطي صفحتها بشكل نهائي.

عبداللطيف جمال رشيد: العديد من مجتمعات ما بعد الصراع لا تزال تواجه خطر التطرف، في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على إعادة بناء الاستقرار وتحسين الخدمات الأساسية

وكتب الرئيس رشيد لمجلة فورين بوليسي الأميركية مذكّرا بتنظيم بلاده خلال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤتمرا رفيع المستوى ركّز على مخيم الهول الذي يحتجز عشرات الآلاف من أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية وعائلاتهم.

وبينما يواصل العراق جهوده لإعادة مواطنيه المحتجزين، وتفكيك تطرفهم، وإعادة تأهيلهم، فقد شجع الدول الأخرى على اتخاذ خطوات مماثلة.

ولا يزال مخيم الهول الواقع في شمال شرق سوريا بيئة هشة وخطيرة حيث يضم متطرفين من حوالي 60 دولة، لا يزال الكثير منهم متمسكا بفكر تنظيم الدولة الإسلامية.

ونتيجة لذلك، أصبح المخيم بؤرة للتطرف، وأزمة إنسانية، وتذكيرا صارخا بفشل المجتمع الدولي في معالجة آثار الحرب والإرهاب والنزوح بفعالية.

ويؤكّد الرئيس العراقي أن بلاده تدرك جيدا هذا الواقع حيث “لا تزال تحمل ندوب احتلال تنظيم الدولة الإسلامية العنيف وحكمه الإرهابي. ورغم إعلان رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي الانتصار على التنظيم عسكريا عام 2017، فإنّ العديد من مجتمعات ما بعد الصراع لا تزال تواجه خطر التطرف، في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على إعادة بناء الاستقرار وتحسين الخدمات الأساسية.”

ويضيف في مقاله “تُبرز لنا السوابق التاريخية خطر إهمال أزمات مثل الهول. وتُظهر أمثلة من رواندا والكونغو كيف يُمكن للإهمال وغياب التدخل الدولي أن يُحوّلا النزوح المؤقت إلى تهديدات أمنية طويلة الأمد تستمر لعقود، بما يُزعزع استقرار مناطق بأكملها.”

ولهذا السبب يوضح الرئيس رشيد “اخترنا عدم انتظار الآخرين لتولي زمام المبادرة. ونفّذنا تدابير حاسمة، وغالبا ما كانت صعبة، لإعادة مواطنينا من مخيّم الهول من خلال عملية منسقة تجمع بين العناصر الأمنية والإنسانية والقانونية. وحتى الآن، أعاد العراق 4915 عائلة، بإجمالي 18830 فردا، من الهول إلى مركز الأمل داخل حدوده. ومن بين هذه العائلات، أُعيد دمج 3407 من العائلات، تجمع13557 فردا، بنجاح في مجتمعاتها. بالإضافة إلى ذلك، نُقل 3206 من المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في إطار جهود العراق الأوسع لطيّ صفحة هذا الفصل الصعب.”

ويمثّل كل رقم من هذه الأعداد بحسب الرئيس العراقي “حياة مزقها الصراع، وهي الآن جزء من مهمة وطنية جماعية نحو إعادة التأهيل والإدماج، موضحا أنّ الخطة العراقية الشاملة لإعادة المحتجزين إلى وطنهم تشمل المساعدة النفسية والتعليم والتدريب المهني والمصالحة المجتمعية بتنسيق من أربع مجموعات فنية تجمع بين المؤسسات العراقية والشركاء الدوليين.

ويرى الرئيس رشيد أنّ هذا النهج يقدّم نموذجا يُمكن للدول الأخرى اعتماده عند مواجهة تحديات مماثلة، ومؤكّدا استعداد العراق لدعم مثل هذه الجهود عالميا.

وتوجّه الرئيس العراقي بما يشبه التحذير للمجتمع الدولي من الخطأ في تقدير حجم المشكلة معتبرا أن “أزمة الهول ليست مسؤولية العراق وحده، ولا مسؤولية سوريا وحدها. بل قضية عالمية ستمتد تداعياتها إلى ما هو أبعد من الحدود الإقليمية إذا أُهملت.”

الرئيس العراقي عبداللطيف جمال رشيد توّجه بمناشدة لمختلف الجهات  الدولية المعنية بقضية المخيم لمواكبة جهود بلاده في معالجتها وطي صفحتها بشكل نهائي

وذكر في هذا الإطار بأنّ بعض الدول بدأت بالفعل ببذل جهود إعادة المحتجزين إلى وطنهم، ومستدركا في ذات الوقت بأن دولا أخرى كثيرة لا تزال مترددة، مشيرة إلى عقبات سياسية أو قانونية.

ويمضي الرئيس العراقي مشخّصا الأبعاد والتداعيات الخطرة لقضية مخيم الهول بالقول “ينشأ الأطفال في مخيمات بائسة وغير خاضعة للحكم، وغالبا ما يُلقّنون أنهم أشبال داعش. ولا تزال النساء عالقات، بينما يواصل المتطرفون التجنيد والتخطيط. كما وثّقت تقارير من مؤسسات ومنظمات إنسانية موثوقة حالات اعتداء جنسي على أطفال داخل المخيم. وحذّر العراق من أن كل تأخير يُمثّل فرصة ضائعة أخرى وتهديدا متزايدا.”

ورأى الرئيس رشيد أن مؤتمر الأمم المتحدة رفيع المستوى بشأن مخيّم الهول والذي عُقد أواخر سبتمبر الماضي “نداء مُلحّ للتعاون العالمي. ويبدو أن الزخم يتزايد، حيث أعرب مكتب مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة ومعظم الدول الأعضاء الحاضرة عن دعمهم مبادرة العراق وحلوله العاجلة. ومع ذلك، لا يكفي حسن النية وحده، بل يجب أن يتطور هذا الزخم إلى عمل ملموس وواسع النطاق. وعلى المراقبين من بعيد الآن أن يتقدموا ويساهموا.”

وخلص الرئيس العراقي إلى تحديد هدف واضح لجهود بلاده تجاه القضية وهو “إغلاق مخيم الهول والمخيمات المماثلة ومنع عودة الإرهاب، واستعادة الأمل والكرامة لمن عانوا معاناة هائلة. وأقرّ بأن إعادة الإدماج والمصالحة ليستا عمليتين بسيطتين ولا سريعتين، حيث لا يزال العديد من الأفراد والمجتمعات يعانون من جروح عاطفية واجتماعية عميقة تتطلب دعما مستمرا. ومع ذلك، يبقى العراق مُصمّما على عدم تكرار أخطاء الماضي، فهو يعي تكلفة التقاعس.”

ووجه في ختام مقاله دعوة لـ”جميع من انضموا إلى العراق في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية إلى الاتحاد معه مجددا في السعي لتحقيق سلام دائم، معتبرا “إعادة النازحين إلى أوطانهم ليست مسؤولية دولة واحدة فحسب، بل هي مسؤولية عالمية مشتركة.”

وبدلا من الاستسلام للخوف أو اللامبالاة يرى الرئيس رشيد أنّه “يجب على المجتمع الدولي مواجهة هذه الأزمة بعزيمة راسخة وعمل جماعي،” معتبرا “أنّ العراق يؤدي دوره ويدعو بقية العالم إلى القيام بالمثل.”

2