الضفة الغربية تُصبح نقطة اشتعال مع انحسار الحرب في غزة

ضرورة كبح عنف المستوطنين وفرض القانون والنظام.
السبت 2025/10/25
من يقدر على وقف اعتداءات المستوطنين

في وقت يرتفع فيه منسوب التفاؤل بنجاح وقف إطلاق النار في غزة بضغوط مباشرة من إدارة ترامب، فإن الوضع في الضفة مرجح على العكس نحو المزيد من التوتر، ويحتاج بدوره إلى تدخل مباشرة من ترامب، ذلك انه دون حرص أميركي واستعداد لمواجهة الخيارات الصعبة على كلا الجانبين، سيظل السلام بعيد المنال

واشنطن - انطلقت الاحتفالات بالفعل مع ترسخ وقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن، وبدء وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين. ويُعزى الفضل في ذلك إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومبعوثيه لتأمينهم اتفاقا كان مطروحا على الطاولة لأكثر من عام، ولكنه أفلت من جميع الأطراف حتى الآن. وأُتيحت أخيرا للفلسطينيين والإسرائيليين فرصة للتوقف والتعافي.

ومع ذلك، سيكون من الخطأ الوقوع في فخ الرضا الدبلوماسي وفقدان الزخم. فحتى لو سارت هذه المرحلة من اتفاق غزة بسلاسة، وهو أمر لا يزال غير مؤكد بسبب انعدام الثقة العميق بين الطرفين، فإن المخاطر المتزايدة في أماكن أخرى تُهدد بتقويض التقدم. ودون اتخاذ إدارة ترامب إجراءات أقوى لكبح سياسات الضم الإسرائيلية، فإن آمال توسيع اتفاق غزة إلى سلام إقليمي أوسع قد تنهار بسهولة.

وقبل أشهر من هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، حذّر أحد الكُتّاب من احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية. منذ ذلك الحين، تفاقم الوضع، مع تزايد العنف الفلسطيني والإسرائيلي، إلى جانب توسع النشاط الاستيطاني، مما أدى إلى تآكل الاستقرار وجهود السلام بشكل مطرد.

وقبل أكتوبر 2023، تواجدت 190 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية، أي مستوطنات ناشئة دون استكمال إجراءات الموافقة القانونية الإسرائيلية. ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، بنت إسرائيل 114 بؤرة استيطانية إضافية. كل واحدة منها، سواء كانت سكنية أو زراعية، تطلبت مصادرة المزيد من الأراضي من الفلسطينيين في الضفة الغربية.

خلال الفترة نفسها، شرّعت الحكومة الإسرائيلية ما لا يقل عن 11 بؤرة استيطانية غير مرخصة سابقا، ووفرت دعما كاملا للبنية التحتية لـ68 موقعا زراعيا. ولتحقيق ذلك، استولت على ما يقرب من 13600 فدان من الأراضي الفلسطينية بإعلان بعضها “أراضي دولة”، مع إصدار أكثر من 100 أمر مصادرة عسكري، وتوسيع المناطق العازلة حول المستوطنات القائمة.

ولعلّ الأهم من ذلك هو إحياء خطط تطوير المنطقة إي 1 الواقعة بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم وموافقة اللجنة العليا للتخطيط عليها في أواخر أغسطس. وفي 11 سبتمبر، صادق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رسميا على الخطة خلال حدث احتفالي. ويهدف مشروع إي 1 إلى بناء 3400 وحدة سكنية، بما سيُقسّم الضفة الغربية فعليا ويجعل التواصل الجغرافي بين منطقتيها الشمالية والجنوبية شبه مستحيل. ويُعيق هذا أي احتمالات مستقبلية لقيام دولة فلسطينية.

حتى الآن، نجحت كل إدارة أميركية في الضغط على إسرائيل للامتناع عن البناء في المنطقة. لكن هذه المرة، كانت مختلفة. فعندما أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن تقدم المشروع في 14 أغسطس، صرّح متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية بأن الحفاظ على الاستقرار في الضفة الغربية يتماشى مع هدف الإدارة المتمثل في تحقيق السلام الإقليمي. وصرح السفير الأميركي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، بأن الولايات المتحدة لم تعارض المشروع، ولم تعتبره انتهاكا للقانون الدولي، واعتبرت القرارات المتعلقة بمنطقة إي 1 من اختصاص الحكومة الإسرائيلية.

◄ مع أن الانزلاق نحو حرب متجددة في الضفة الغربية ليس حتميا، إلا أن منعه يتطلب قيادة أقوى وأكثر مهارة مما ظهر في غزة

في غضون ذلك، وفي خضم حرب غزة، والهجمات الإسرائيلية على حزب الله في لبنان، والضربات الإسرائيلية الأميركية المشتركة على البرنامج النووي الإيراني، تدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية بشكل حاد. وأودى العنف الفلسطيني بحياة 41 إسرائيليا في الضفة الغربية و17 شخصا داخل إسرائيل. ونفذ أفراد منفردون العديد من هذه الهجمات، بينما شاركت في هجمات أخرى جماعات منظمة مثل “عرين الأسود” و”كتائب شهداء الأقصى”.

ردا على ذلك، نفذت القوات الإسرائيلية حوالي 7500 غارة في عام 2025 وحده. ومنذ 2023، اعتُقل أكثر من 20 ألف فلسطيني، وقُتل 999 (967 على يد القوات الإسرائيلية وأكثر من 20 على يد المستوطنين). وتُقدر الأمم المتحدة أن المستوطنين الإسرائيليين المتشددين مسؤولون عن أكثر من 3 آلاف حادثة.

في جوهر الأمر، بينما لا يزال الاهتمام الدولي منصبا على وقف إطلاق النار الهش، وإن كان موضع ترحيب، وإطلاق سراح الرهائن في غزة، لا يزال الاستقرار في الضفة الغربية مزعزعا. وقد رحّب القادة الإسرائيليون والفلسطينيون بحذر بما قد يُشير إلى نهاية الصراع في غزة، إلا أن أطرافا من كلا الجانبين (بما في ذلك أعضاء في الحكومة الإسرائيلية) أعربت عن معارضتها للاتفاق.

ومن المرجح أن تطالب هذه الجماعات بـ”تعويض”، ربما من خلال زيادة التوسع الاستيطاني كتنازل سياسي عن البقاء في الائتلاف الحاكم. وفي نفس الوقت، قد يُوجّه الفلسطينيون، من أنصار الفصائل مثل حماس والجهاد في الضفة الغربية غضبهم نحو كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية، معتبرين أن اتفاق غزة يخدم المصالح الإسرائيلية.

ويرى دانيال سي. كورتزر، السفير الأميركي السابق لدى مصر وإسرائيل، آرون ديفيد ميلر، الزميل في مؤسسة كارنيغي، في تقرير مشترك في فورين بوليسي، أنه ومع أن الانزلاق نحو حرب متجددة في الضفة الغربية ليس حتميا، إلا أن منعه يتطلب قيادة أقوى وأكثر مهارة مما ظهر في غزة.

ويضيف التقرير أنه يجب إجبار إسرائيل على كبح عنف المستوطنين وفرض القانون والنظام داخل مستوطناتها. كما يجب وقف عمليات الاستيلاء على الأراضي والتشريعات بأثر رجعي التي تزيد من ربط الضفة الغربية بإسرائيل، ويجب وقف مشروع إي 1. ويحث التقرير السلطة الفلسطينية على استعادة قدرتها على مواجهة الفصائل المسلحة، وإحياء التنسيق الأمني مع إسرائيل، وتوسيع نطاق حكمها ليشمل ما وراء رام الله.

مع ذلك، يكمن أكبر غموض في مدى استعداد إدارة ترامب أو قدرتها على تولي هذه المهمة. وهي لم تُظهر حتى الآن أي مؤشر على قلقها إزاء تصرفات إسرائيل في الضفة الغربية. ورفع ترامب العقوبات التي فرضها الرئيس السابق جو بايدن على المستوطنين الإسرائيليين، والتزم الصمت إلى حد كبير إزاء تصاعد النشاط الاستيطاني. كما ساهم سجل السفير الأميركي لدى إسرائيل الحافل بالتصريحات المؤيدة للضم في مفاقمة المشكلة. وإذا كان ترامب ينوي حقا السعي لتحقيق السلام، فلا يمكنه أن يسمح لنهجه بأن يقتصر على غزة فحسب.

ويتطلب هذا التوجه من إدارة ترامب إعادة تأكيد معارضة التوسع الاستيطاني ومشروع إي 1، ووضع رؤية سياسية واضحة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، وإظهار نفس العزم في الضفة الغربية الذي برز في غزة. لأنّ إنجازا واحدا لا يكفي.

وطالما كان الطريق نحو مستقبل أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين شاقا، وسيظل كذلك. ودون قيادة أميركية مستدامة واستعداد لمواجهة الخيارات الصعبة على كلا الجانبين، سيظل السلام بعيد المنال. ودون هذا العزم، تُخاطر المنطقة بالعودة إلى دوامة من المواجهة والإرهاب والعنف تتكرر بلا نهاية.

1