الضغوط تحاصر حماس لمنعها من استعادة نفوذها في غزة

إسرائيل تذكي الصراع في القطاع لمزيد إنهاك الحركة.
الاثنين 2025/10/20
قبل الاتفاق وبعده.. لا شيء يتغير

غزة- في الوقت الذي تعمل فيه حماس على إحياء نفوذها العسكري والأمني والإداري في غزة لتبدو في صورة الطرف القوي، تتحرك الولايات المتحدة وإسرائيل لخلق عراقيل أمام هذا المسعى سواء بإطلاق تصريحات تتهمها بالسعي لإفشال اتفاق وقف إطلاق النار، أو عبر إذكاء الصراع الداخلي في القطاع ضد الحركة بشكل يدخلها في دوامة لا تنتهي من الأزمات تفرض عليها التسليم بالخروج من الحكم كما التزمت بذلك بشكل معلن.

وكشفت وزارة الخارجية الأميركية عن امتلاكها “تقارير موثوقة” تشير إلى اعتزام حماس انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع إسرائيل، وذلك عبر شن هجوم محتمل يستهدف المدنيين الفلسطينيين داخل قطاع غزة. وبعد ساعات من هذا الحديث، شنت إسرائيل هجمات على جنوب قطاع غزة متهمة مقاتلي حماس باستهداف جنودها، في موقف من شأنه أن يثير الرأي العام الإقليمي والدولي ضد الحركة ويحمّلها مسؤولية خلق الذرائع لعدم الالتزام بوقف الحرب.

وأثارت التقارير، التي لم تقدم فيها واشنطن أيّ تفاصيل إضافية حول طبيعة الهجوم أو توقيته، حالة من القلق البالغ حول مصير الهدنة الهشة التي رعاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أسابيع لإنهاء حرب استمرت عامين كاملين، تاركة وراءها دمارا واسعا ومعاناة إنسانية غير مسبوقة.

وأوضحت الوزارة في بيان أن “هذا الهجوم المخطط له ضد المدنيين الفلسطينيين سيشكل انتهاكا مباشرا وخطيرا لاتفاق وقف إطلاق النار وسيقوّض التقدم الكبير الذي أحرز من خلال جهود الوساطة”.

وانضمت حركة فتح بدورها إلى الهجوم السياسي على حماس على خلفية ما وصفته بإصرار الحركة على الحفاظ على هيمنتها الأمنية في قطاع غزة، رغم الأوضاع الإنسانية المتدهورة، معتبرة أن هذا السلوك يُعمّق الانقسام الوطني ويُقدم الاعتبارات التنظيمية على حساب معاناة الشعب الفلسطيني.

وفي بيان رسمي أصدرته، أكدت فتح أن التصريحات الأخيرة للقيادي في حماس محمد نزال تُجسّد نهجًا مرفوضًا يقوم على ترسيخ الأمر الواقع في غزة، بدلًا من السعي نحو إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية الشاملة.

وقال عبدالفتاح دولة، المتحدث الرسمي باسم حركة فتح، إن تمسك حركة المقاومة الإسلامية بالسيطرة الأمنية على القطاع “يُعيد إنتاج شكل من أشكال الحكم القائم على القوة، خارج إطار الشرعية الوطنية،” محذّرًا من أن هذه السيطرة مصحوبة بانتهاكات لحقوق الإنسان وعمليات إعدام ميدانية بحق سكان القطاع، الذين يعيشون ظروفًا قاسية نتيجة الحصار والانقسام.

من جهة أخرى تعمل إسرائيل على خلق صراع داخل القطاع لمزيد إنهاك حماس، ومنع الحركة من استغلال وقف إطلاق النار لإعادة ترتيب صفوفها، وهو ما دفعها على ما يبدو إلى التحرك مجددا وشن هجمات طالت جنوب القطاع ووسطه.

الاتهامات لحماس بخرق الاتفاق من شأنها إثارة الرأي العام الدولي ضدها وتحميلها مسؤولية خلق الذرائع لعدم الالتزام بوقف الحرب

ومنذ إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر، سارعت حركة حماس إلى نشر عناصرها في المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي، للحيلولة دون ترك المجال لمجموعات مسلحة برزت خلال الحرب، ولا تخفي تنسيقها مع الجانب الإسرائيلي.

وأقدمت الحركة بدعم من باقي الفصائل الفلسطينية على شن حملات أمنية، على تلك المجموعات التي ينتمي عناصرها لعائلات معروفة في القطاع، منفذة عمليات إعدام ميدانية.

وأثار التحرك السريع لحماس لاحتواء خطر المجموعات المسلحة، غضب المسؤولين الإسرائيليين، فيما خلق جدلا واسعا في الساحة السياسية الإسرائيلية.

وكان الرئيس الأميركي نفسه أيد تحرك حماس الميداني ضد ما أسماه بالمجموعات الإجرامية، ليتغير لاحقا الخطاب الأميركي بشكل كلي واصفا ما يحدث في غزة، بأنه استهداف للمدنيين.

وعكس تراجع ترامب عن تأييده لتحركات حماس لفرض الأمن في القطاع، أن الإدارة الأميركية نفسها كانت ترى بأن خلق صراع في داخل القطاع قد يكون الوصفة الأفضل لمزيد إضعاف حماس، من دون أن يتورط الجيش الإسرائيلي أكثر.

وخلال الأيام الأخيرة، دعا ترامب والجيش الأميركي حماس مرارا إلى الكف عن استهداف من أسموهم بـ”المدنيين” في غزة.

ويرى متابعون أن ردود الفعل الإسرائيلية والأميركية تعكس أن خطط إحداث فوضى أمنية في القطاع لمحاصرة الحركة لم تؤت أكلها، وأن الطرفين يسعيان لوقف اندفاعة حماس نحو القضاء على تلك المجموعات المسلحة.

وذكرت القناة 12 العبرية، الأحد، أن الهجوم الذي شنه الجيش الإسرائيلي على مدينة رفح جنوبي غزة والذي طال أيضا وسط القطاع، هو محاولة لإنقاذ ميليشيا ياسر أبوشباب، فيما نفت كتائب عزالدين القسام، علمها بوقوع مواجهات في منطقة رفح، مؤكدة التزامها بوقف إطلاق النار.

عبدالفتاح دولة: تمسك حركة المقاومة الإسلامية بالسيطرة الأمنية على القطاع “يُعيد إنتاج شكل من أشكال الحكم القائم على القوة

وتتهم حماس المجموعات المسلحة التي تطاردها بالتورط في أعمال نهب وسطو على المساعدات الإنسانية، كما ينسب إلى عناصرها التورط في عمليات تجسس أفضت إلى قتل عدد من القيادات العسكرية للحركة.

ودعت حركة حماس، الأحد، الإدارة الأميركية للتوقف عن ترديد ادعاءات إسرائيل بشأن نيتها تنفيذ “هجوم وشيك” ضد فلسطينيي قطاع غزة.

وقالت حماس إن تلك الادعاءات “باطلة وتتساوق بشكل كامل مع الدعاية الإسرائيلية المضلِّلة، وتوفر غطاء لاستمرار الاحتلال في جرائمه وعدوانه المنظَّم ضد الفلسطينيين.”

وأوضحت الحركة أن الحقائق على الأرض “تكشف عكس ذلك تماما،” مضيفة “سلطات الاحتلال هي التي شكلت وسلحت وموّلت عصابات إجرامية نفّذت عمليات قتل وخطف، وسرقة شاحنات المساعدات، وسطو ضد المدنيين الفلسطينيين.”

وتابعت الحركة أن تلك العصابات سبق وأن “اعترفت علنا بجرائمها عبر وسائل الإعلام والمقاطع المصوّرة، بما يؤكد تورط الاحتلال في نشر الفوضى والإخلال بالأمن.”

وأكدت حماس أن الأجهزة الشرطية بغزة وبمساندة أهلية وشعبية واسعة “تقوم بواجبها الوطني في ملاحقة هذه العصابات ومحاسبتها وفق آليات قانونية واضحة، حمايةً للمواطنين وصونًا إلى الممتلكات العامة والخاصة.”

وطالبت الحركة الفلسطينية الإدارة الأميركية بـ”لجم انتهاكات إسرائيل المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار، وفي مقدمتها دعم هذه العصابات وتوفير الملاذات الآمنة لها داخل المناطق الخاضعة لسيطرته.”

ويرى مراقبون أن الوضع في غزة هش للغاية، وأن إسرائيل تبحث عن حجج لاستئناف الحرب، الأمر الذي يفرض على المجتمع الدولي المزيد من الضغط للمضي في اتفاق السلام.

 

اقرأ أيضا:

      • غزة بين واقع الحرب وأوهام السلام

1