الحكومة المصرية تنتقل من رفض تجميد الإعدام إلى مناقشته
الحكومة المصرية كانت تغلق الباب أمام النقاش حول إلغاء تطبيق عقوبة الإعدام، لكنها عدلت موقفها، واستحدثت في ردودها على التوصيات عبارة "منفذة بالفعل" بشأن 43 توصية بينها قصر استخدام عقوبة الإعدام على الجرائم الأشد خطورة، وهو مؤشر على الاستجابة المتدرجة.
القاهرة - أبدت الحكومة المصرية موقفا أكثر انفتاحا على مناقشة تجميد عقوبة الإعدام بعد أن رفضت طويلا توصيات مجلس حقوق الإنسان الدولي، في خطوة تفتح الباب أمام تدشين حوارات مجتمعية وحقوقية حول إلغاء العقوبة أو تضييق نطاق تنفيذها بعد أن اتجهت لإدخال تعديل تشريعي مؤخرا قضى بتخفيف عقوبة الإعدام، حال التصالح بين ورثة المقتول، وهي خطوة جاءت بموافقة دينية من الأزهر.
وقال عضو المجلس المصري لحقوق الإنسان (حكومي) علاء شلبي إن مصر قبلت لأول مرة التوصية المتعلقة بالنظر في تجميد تنفيذ عقوبة الإعدام، وتنفيذها سيكون مرهونا بالظروف السياسية والأمنية والثقافية والاجتماعية.
وقبلت الحكومة المصرية 343 توصية مجمعة ضمن المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان العالمي في يناير الماضي، وخلال جلسة عقدت لتقديم التقرير الحكومي على التوصيات قبل أيام قبلت مصر بشكل كلي 264 توصية، بنسبة 77 في المئة، وأيدت جزئيا 16 توصية، بنسبة 5 في المئة، بينها النظر في تخفيف عقوبة الإعدام، ورفضت 62 توصية، بنسبة 18 في المئة.
وعبّر المجلس القومي لحقوق الإنسان عن دعمه لمراجعة العمل بعقوبة الإعدام، على أن تُطبق فقط في الجرائم الأشد خطورة، مع احترام معايير المحاكمة العادلة، داعيا إلى مراجعة جادة لقانون الإجراءات الجنائية، بهدف تبني نهج أكثر شمولًا في التعامل مع ادعاءات التعذيب، بما يعزز من ثقافة عدم الإفلات من العقاب.
ويشير الموقف الحكومي من عقوبة الإعدام إلى رغبة مصرية في التأكيد على تحسين سجلها الحقوقي، خاصة وأنها تسلط الضوء على أكثر القضايا إثارة للجدل، ودائما ما تأتي على رأس توصيات المجلس العالمي لحقوق الإنسان، إلى جانب منح حقوق المثليين، وفي مرات عدة كان الجدل حول هاتين التوصيتين يغطي على الحديث عن قضايا سياسية وقوانين وإجراءات أمنية، والانفتاح على النقاش حول العقوبة يبدو ضروريا.
ورغم أن خطوات القاهرة لم تلق ترحيبا من منظمات حقوقية وجهت انتقادات للقاهرة بشأن ردودها على توصيات المراجعة الدورية الشاملة، فإن الأمر يحظى بترحيب حقوقي من منظمات مصرية، ترى أن القاهرة اتخذت بعض الخطوات التي تدعم عدم التوسع في تطبيق عقوبة الإعدام وقصرها على أشد الجرائم، ويتماشى ذلك مع رؤية دينية تصل إلى نفس الطريق بلا تجميد تنفيذ العقوبة بشكل كامل.
وحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن الحكومة استحدثت هذه المرة في ردودها على التوصيات عبارة “منفذة بالفعل” بشأن 43 توصية بينها قصر استخدام عقوبة الإعدام على الجرائم الأشد خطورة، فضلا عن توصيات أخرى، أبرزها: إصدار قانون شامل للعنف ضد النساء، وقانون يجرّم العنف المنزلي بما فيه الاغتصاب الزوجي، وتجريم كل أشكال العقاب البدني للأطفال، ونشر برنامج تنفيذي للإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وضمان تمتع المجلس القومي لحقوق الإنسان بالاستقلالية ومنحه السلطة للتفتيش على أماكن الاحتجاز.
وقال رئيس المنتدى العربي – الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان أيمن نصري إن الحكومة المصرية كانت تغلق الباب أمام النقاش حول إلغاء تطبيق عقوبة الإعدام، لكنها عدّلت موقفها هذه المرة باستجابتها لفتح نقاشات حول تجميد تنفيذها دون أن تعلن قبولها صراحة للتوصية، أو ترفضها، ما يعبر عن وجود مرونة في التفاوض مع إمكانية تنظيم ورش عمل ومؤتمرات تتطرق إلى الأمر الفترة المقبلة.
وأوضح لـ”العرب” أن الحكومة المصرية ليست مضطرة للقبول بالتوصية، لأنه لم يتم توقيع عقوبات عليها، حال استمرت على النهج الحالي، ولن تخالف أيّا من المواثيق الدولية الموقعة عليها، ويعبر الموقف الراهن عن أسلوب جديد تنتهجه الحكومة بشأن التفاوض المرن في القضايا التي تلقى فيها انتقادات حقوقية، على أن تتضمن تقديم رؤيتها لأسباب تجعلها ماضية في تطبيق العقوبة في بعض الحالات التي ترتبط بجرائم الإرهاب والاغتصاب وكل ما يهدد الأمن القومي.
ومن المتوقع أن تعلن الحكومة المصرية عن موقفها برفض تنفيذ التوصية بعد مراجعة فرص تجميد العقوبة مع منظمات مجتمع مدني ومسؤولين من جهات مختلفة قانونية ودينية، والتأكيد على أن ذلك إخلال بالأمن القومي، ومصر لديها أسانيد تثبت أن تجميد توقيع العقوبة لدى بعض الدول الغربية لا يتماشى مع الوضع الداخلي.
وأكد نصري لـ”العرب” أن مصر أثبتت امتلاكها سياسة جديدة تقوم على التفاوض بشأن التوصيات الحقوقية التي يمكن أن تقبلها، وترتبط بالحقوق الاجتماعية والثقافية وتحسين أوضاع عمل منظمات المجتمع المدني، لكن ما يتعلق بالجوانب الأمنية المباشرة لن تغير موقفها منه، وتقدم دوافعها لرفض الاستجابة لتوصياتها.
وشهدت جلسة المراجعة الدورية الشاملة توجيه ما لا يقل عن 29 توصية دولية إلى مصر تطالب بتقليص عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، وتعليق تنفيذ هذه العقوبة تمهيدًا لإلغائها والانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وطبقاً لتقرير منظمة العفو الدولية عن أحكام وعمليات الإعدام في 2023، جاءت مصر في المرتبة الثامنة ضمن قائمة تضم 16 بلداً استخدمت حكم الإعدام.
ورصدت منظمات حقوقية صدور 380 حكمًا عام 2024، مقابل 348 حكمًا في عام 2023، وتنفيذ الإعدام بحق 13 شخصًا عام 2024، مقارنة بـ8 حالات إعدام عام 2023، وتشير الأرقام إلى اتجاه تصاعدي في استخدام العقوبة، قبل إقرار التعديلات القانونية الأخيرة التي تمنح الحق لولي الدم في التصالح بشأن جرائم القتل.
وتجعل حالة التأهب الأمني التي تظهر عبر مخاوف حكومية من ارتداد التنظيمات الإرهابية، التعامل مع ملف تخفيف عقوبة الإعدام يأخذ مزيدا من الاعتراضات الأمنية، وتقابلها ضغوطات حقوقية ترى أن الاستجابة لمطالب تخفيف العقوبة أو تجميدها في الجزء الأكبر من الجرائم يؤدي إلى تحسين السجل الحقوقي المصري.
وقد يلعب المجلس القومي لحقوق الإنسان دورا بارزا في الضغط على الحكومة نحو هذا الاتجاه، وجرى خفض تصنيفه ويعمل حاليا على إعادة تصويب مساره ما يجعله أكثر جرأة في توجيه انتقادات لملفات حقوقية، وسيخضع لتقييم أداء قريبا، وفي حاجة إلى رفع التصنيف لمواجهة حملات تشنها منظمات نجحت في خفض تصنيفه.
ولا ينعكس القبول بتوصيات مجلس حقوق الإنسان العالمي على تصنيف مجلس حقوق الإنسان، وثمة وضعية عامة للملف على الحكومة تصويبها لتحسين سجلها، ما يجعلها تقبل التوصيات جزئيا، وتحدد التوقيت والآلية المناسبة للتطبيق، وهو ما حدث مع توصيات إصلاح أوضاع السجون وتحسين المناخ السياسي المرتبط بالانتخابات.