الحكومة السودانية ترفض مقترح هدنة يقصي الإسلاميين من السلطة

رفض الجيش السوداني تسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية يجسد موقفه الثابت، فهو يرى الانتقال السياسي وسيلة للبقاء في الحكم.
الأحد 2025/09/14
أجندة إسلامية وراء نسف مبادرة الرباعية الدولية

الخرطوم - رفضت الحكومة السودانية المدعومة من الجيش، السبت، مقترح هدنة قدمته الجمعة الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، رافضة استبعادها من عملية الانتقال السياسي المستقبلية في السودان الذي مزقته الحرب.

ولم يكن رفض الجيش السوداني لمقترح الهدنة مفاجئا للمراقبين، فهو يجسد الموقف الثابت للجيش الذي لا يرى في أي عملية انتقال سياسي مستقبلية سوى وسيلة لضمان بقائه في سدة الحكم.

وهذا القرار ليس مجرد رد فعل دبلوماسي، بل هو استمرار لنمط سلوكي تاريخي يرفض تسليم السلطة لأي جهة مدنية لا تخضع لإمرته، فموقف الجيش الحالي هو امتداد طبيعي لسجله في الانقلابات على الحكومات المدنية، أبرزها انقلاب أكتوبر 2021 الذي أطاح بحكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.

وأثبت الجيش مرارا أنه يرى نفسه الوصي الأوحد على السلطة، وأن أي شراكة مدنية هي مجرد ترتيب مؤقت يمكن التخلص منه في أي لحظة. هذا النمط من السلوك العسكري يضع مستقبل السودان السياسي في مهب الريح.

ودعت الدول الأربع في بيان مشترك الجمعة إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر في السودان، يليها وقف دائم لإطلاق النار وفترة انتقال تمتد تسعة أشهر تفضي إلى تشكيل حكومة مدنية.

وأكدت أن هذه العملية الانتقالية يجب أن تكون "شاملة وشفافة" وأن تنتهي ضمن المهل المحددة بغية "تلبية تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مستقلة بقيادة مدنية تتمتع بقدر كبير من المشروعية والقدرة على المساءلة".

هذا الطرح يمثل تحديا مباشرا لسلطة الجيش، الذي يسيطر حاليا على مفاصل الدولة.

فمنذ أبريل 2023، يشهد السودان حربا بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".

وأسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين. كما تواجه البلاد أزمة انسانية وغذائية حادة، وأسوأ تفش للكوليرا منذ سنوات.

في بيان صادر عن وزارة الخارجية، رحبت الحكومة السودانية "بأي جهد إقليمي أو دولي يساعدها في إنهاء الحرب"، لكنها أضافت أن أي عملية سياسية يجب أن "تحترم سيادة الدولة السودانية ومؤسساتها الشرعية" الخاضعة حاليا لسيطرة الجيش.

وأضافت أن "شعب السودان هو الوحيد الذي يحدد كيف يُحكم من خلال التوافق الوطني" تحت قيادة الحكومة الانتقالية.

هذا الموقف، رغم إظهاره لمظهر سيادي، يكشف عن حقيقة أن الجيش لا يريد التخلي عن سيطرته على الحكم، بل يسعى لتثبيت حكومة جديدة برئاسة كامل إدريس كان قد أسسها في مايو الماضي.

وجاء في إعلان الجمعة الرباعي أن "مستقبل الحكم في السودان يقرره الشعب السوداني (...) ويجب ألا يسيطر عليه أي من الأطراف المتحاربة".

ويستبعد الإعلان أي مشاركة لـ"جماعات متطرفة وعنفية تشكل جزءا من (جماعة) الإخوان المسلمين أو مرتبطة بها"، معتبرا أن الجماعة أججت الاضطرابات الإقليمية، وهو ما يعكس موقفا دوليا وإقليميا حاسما تجاه دور هذه الجماعات في المشهد السياسي السوداني.

ويسيطر الجيش على شرق وشمال ووسط السودان، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على جزء من الجنوب وكل دارفور (غرب) تقريبا، حيث أعلنت مؤخرا عن حكومة موازية، ما أثار مخاوف من تفتيت البلاد.

وأكد الجانبان مرارا استعدادهما لمواصلة القتال حتى تحقيق النصر العسكري الشامل.

وتكشف تصريحات قادة الحركة الإسلامية السودانية، المقربة من الجيش، أن قرار الرفض ليس مجرد موقف سياسي، بل يعكس أجندة أوسع، فقد هاجم علي كرتي، الأمين العام للحركة، بيان المجموعة الرباعية، واصفا مقترحاتها بـ"الملغومة" ورافضًا أي "وصاية" خارجية.

وقال كرتي في بيان حول ما أسماه "تعديات الرباعية على السودان"، إنه "كلما تهاوت (الميليشيا) (في إشارة إلى قوات الدعم السريع) في إحدى جبهات القتال، سارع صانعوها وداعموها إلى التظاهر بالحرص على السلام وفتح مسارات العمل الإنساني، متذرّعين بضرورة الهدنة، في تكرار ممجوج لأساليب مكشوفة لا تنطلي على الجيش السوداني ولا على شعبه الواعي بمرامي هذه الدعوات الملغومة".

وشدد كرتي على رفض تدخل "أي طرف أجج الحرب وساهم في تطاول أمدها بتوفير المدد المادي والعيني وبتجنيد المرتزقة من أطراف الدنيا لتخريب بلادنا وتجريفها من شعبها ومحاولة تسليمها للخونة والعملاء"، في إشارة إلى دولة الإمارات التي يتهمها الجيش بمساندة الدعم السريع، وهو ما نفته الإمارات مرارا وتكرارا.

وجدد كرتي الوقوف خلف الجيش السوداني، وقال إن شباب الحركة الإسلامية نذروا أنفسهم لأجل المدافعة عن كرامة الشعب السوداني وسيادته على أرضه واستقلال قراره.

ويبرز هذا الهجوم الدور الكبير الذي يلعبه التيار الإسلامي في توجيه قرارات الجيش وحكومته، حيث يرى هؤلاء أن أي حل سلمي سيعني التخلي عن السلطة التي يسيطرون عليها.

وفرضت الولايات المتحدة الجمعة عقوبات على وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة السودانية والمقرّب من الجيش، وكذلك على كتيبة البراء بن مالك، وهي مجموعة مسلحة إسلامية تحارب إلى جانب الجيش.

واعتبرت حركة العدل والمساواة في بيان أن "العقوبات الأحادية ليست ذات قيمة، وتمثل إجراء جائرا يفتقر إلى الأساس القانوني والمبررات الموضوعية".

وأوضح محمد زكريا، المتحدث باسم الحركة، أن إبراهيم يمارس مهامه الدستورية كوزير في حكومة شرعية، وأن زياراته الخارجية، بما فيها زيارته إلى إيران، تأتي في إطار العلاقات الدبلوماسية الرسمية، متسائلًا "كيف يمكن اعتبار ذلك جريمة تستوجب العقوبات".

واعتبر زكريا أن هذه العقوبات "تؤكد عدم اتساق السياسة الأميركية مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان".

وفي سياق متصل، رفض مني أركو مناوي، رئيس حركة تحرير السودان وحاكم إقليم دارفور، فرض العقوبات على جبريل إبراهيم، مؤكدا أن إبراهيم "ظل مكافحا" لمنع وقوع الحرب، وأن قراره بدعم الجيش لم يأت إلا بعد أن "أجبرنا سلوك الدعم السريع" الذي ارتكب "جرائم الحرب والإبادة الجماعية".