الجنيه المصري يثبت تماسكه بوجه مطبات الاقتصاد
رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، من تضخم مرتفع وضغوط على الاحتياطي النقدي وتذبذب في الأسواق العالمية، يواصل الجنيه إظهار قدر من التماسك، بفضل إجراءات تبنتها الحكومة والبنك المركزي، إلى جانب تدفقات تمويلية ودعم خارجي ساعد في الحد من التقلبات الحادة.
القاهرة - تتزايد احتمالات أن يظل الجنيه المصري قويا رغم قيام البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة، الذي فاق توقعات السوق، مع أن العديد من المطبات لا تزال تقف أمام تحرك عجلات الاقتصاد على النحو الأمثل.
ويُرجح ألا تضعف قيمة العملة بفضل ارتفاع العائد الحقيقي وتدفقات المحافظ الاستثمارية القوية واستقرار الإيرادات الجارية من التحويلات المالية والسياحة، وفق ما ذكرت بلومبيرغ إنتليجنس في مذكرة بحثية حديثة.
وارتفعت قيمة العملة المصرية بنسبة 2.2 في المئة مقابل الدولار الأميركي منذ نهاية يونيو، ليصبح أفضل عملة أداء في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا هذا الربع (بين يوليو وسبتمبر) ومن بين الأقوى عالميا.
وأوضح سيرجي فولوبويف، المتخصص في متابعة أسواق العملات والفائدة للأسواق الناشئة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، أن استمرار التيسير النقدي أمر محتمل إذا ظلت ضغوط التضخم الناتجة عن إصلاح الدعم تحت السيطرة.
ويعكس تخفيض الفائدة في يوم الخميس من الأسبوع الماضي بمقدار 200 نقطة أساس، أي ضعف توقعات السوق، قوة الجنيه وتراجع التضخم في السوق المحلية بشكل حاد، إذ انخفض إلى 13.9 في المئة في يوليو من 16.8 في المئة خلال مايو.
وأشار البنك المركزي في بيان حينها إلى أن ضغوط الطلب لا تزال محدودة، مع تراجع توقعات التضخم.
وحتى بعد هذا التخفيض الكبير، تظل معدلات العائد الحقيقية في مصر من بين الأعلى في الأسواق الناشئة، مما يضمن استمرار الطلب على الأصول بالعملة المحلية.
ومع أن التوقع بحدوث المزيد من التعديلات السعرية مرتبط بالدعم، فإن العائد الحقيقي المرتفع يتيح مجالا لخفض إضافي للفائدة دون الإضرار بالسياسة النقدية الصارمة.
ولكن من ناحية أخرى، أدى التزام الحكومة مع صندوق النقد الدولي بإلغاء دعم الوقود للأفراد بحلول نهاية 2025، إلى زيادة أسعار البنزين بنسبة 15 في المئة خلال أبريل، وقد يشهد الأسابيع القادمة زيادة مماثلة.
وتعززت الحسابات الخارجية رغم الانخفاض الحاد في إيرادات قناة السويس بنحو نصف مليار دولار شهريا منذ أواخر 2023.
وتظهر البيانات تقلص عجز الحساب الجاري إلى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من هذا العام مقابل 6.5 في المئة خلال الربع الثالث من 2024.
وارتفعت تحويلات المغتربين إلى 10.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بين يناير ومارس الماضيين مقابل 4.9 في المئة قبل عام، لتكون أكبر مُساهمة إيجابية، فيما أضافت الإيرادات السياحية 1.2 نقطة مئوية إضافية.
2.2
في المئة مقدار ارتفاع قيمة العملة المصرية أمام الدولار الأميركي منذ يونيو 2025
وبالتوازي لا يزال فائض الحساب المالي والرأسمالي كبيرا، إذ تُعوض التدفقات الرسمية وتدفقات المحافظ الاستثمارية انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر، ما أتاح للمركزي إعادة بناء الاحتياطيات بمقدار 14 مليار دولار منذ نهاية 2023.
ويجعل الاحتياطي الموازين الخارجية للقاهرة أقل عرضة لتقلبات تدفقات المحافظ الاستثمارية، ما يقلل من مخاطر أن تؤثر تخفيضات الفائدة السريعة على الجنيه.
وألغت إعادة ضبط السياسة النقدية في مارس 2024 الفجوة بين السعر الرسمي والسوق الموازية، بينما استمرت الاحتياطيات الدولية وصافي الأصول الأجنبية لدى البنوك في الارتفاع.
وأظهرت بيانات المركزي ارتفاع صافي الأصول الأجنبية 3.54 مليار دولار في يوليو إلى مستوى قياسي عند 18.5 مليار.
ويعتقد خبراء أن الاستثمارات الخليجية وخفض قيمة الجنيه قبل 18 شهرا والتحويلات القوية من المغتربين ساعدت على زيادة الودائع.
وبلغ صافي الأصول الأجنبية 14.96 مليار دولار في نهاية يونيو. وتعود الزيادة كلها تقريبا إلى ارتفاع الأصول في البنوك التجارية.
وقال المركزي في يوليو إن “تحويلات المغتربين زادت منذ أن تم تعويم الجنيه بقدر كبير في مارس 2024، إذ قفزت إلى 26.4 مليار دولار في الأشهر التسعة حتى نهاية مارس من 14.5 مليار قبل عام”.
وأشارت بيانات البنك إلى أن الأصول الأجنبية للبنوك التجارية ارتفعت بواقع 3.28 مليار دولار في يوليو إلى 39.49 مليار، بينما انخفضت التزاماتها 166.2 مليون دولار إلى 31.50 مليار.
وتحول صافي الأصول الأجنبية في مصر، والتي تشمل الأصول التي يحتفظ بها كل من البنك المركزي والبنوك التجارية، إلى السالب في فبراير 2022، ولم يعد إلى المنطقة الإيجابية إلا في مايو من العام الماضي.
وتظهر حسابات رويترز أن صافي الأصول الأجنبية وصل إلى مستوى قياسي مرتفع عند 17.47 مليار دولار في يوليو 2021.
وبلغ العائد الاسمي للجنيه لمدة 12 شهرا أكثر من 17 في المئة خلال شهر أغسطس الماضي، ليحلّ ثالثا بعد الروبل والليرة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.
ولا يزال من المحتمل حدوث تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة خلال الربع الرابع، رغم أن مفاجآت صعود التضخم وتأخيرات محتملة في صرف الأموال وتقلبات العملة قد تبطئ وتيرة هذه التخفيضات.
وحتى لو تم خفض أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس إضافية، سيظل العائد على الجنيه مزدوج الرقم، وهو مستوى يكفي للحفاظ على تدفقات المحافظ الاستثمارية حتى مع تباطؤ زخم الاستثمار الأجنبي المباشر.
وظل القطاع الخاص في منطقة الانكماش بفعل ضغوط مزدوجة من تراجع الإنتاج والطلبات الجديدة للشهر السادس تواليا في أغسطس، فيما انحسرت قليلا فحسب ضغوط التكاليف، بحسب مؤشر مديري المشتريات الصادر عن أس آند بي غلوبال الأربعاء.
ونزل مؤشر مديري المشتريات في مصر، المعدل في ضوء العوامل الموسمية، إلى 49.2 نقطة في أغسطس من 49.5 نقطة في يوليو، لكنه تجاوز بقليل متوسط الدراسة البالغ 48.2 نقطة. ويفصل مستوى الخمسين نقطة بين النمو والانكماش.
وأشار ديفيد أوين كبير الاقتصاديين في ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس إلى أن “استمرار الضغوط التضخمية يبدو عاملا رئيسيا يقوض توقعات مبيعات الشركات وإنتاجها”.
وأوضح أن انحسار ضغوط تكاليف الأعمال قد يؤدي في النهاية إلى تعافي طلب المشترين إذا تمخض عن انخفاض في الأسعار.