الجنرال الأميركي أندرسون: "الأسد الأفريقي" يقوي المغرب
الرباط- أفاد الجنرال داغفين أندرسون، قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، أن “القارة أصبحت ساحة تنافس إستراتيجي عالمي، فروسيا والصين، كلٌّ بطريقتها، تحاولان توسيع نفوذهما عبر أدوات مختلفة.”
ولفت أن “الوجود الغربي في أفريقيا لا يقاس بعدد القواعد أو الجنود، بل بمدى قوة العلاقات والتحالفات التي بنيناها على مدى عقود.”
وتابع المسؤول العسكري الأميركي الذي سبق أن قاد تشكيلات عسكرية أميركية عديدة منها السرب 19 للعمليات الخاصة في قاعدة “هيرلبيرت” بفلوريدا، في حوار مع جريدة “هسبريس” المحلية أن “ما نقوم به الآن هو إعادة تعريف الشراكة الأفريقية – الأميركية حيث تقوم على المرونة والاحترام المتبادل، إذ لا نريد أن نُملِي على الدول الأفريقية ما يجب أن تفعله، بل أن نساعدها على اتخاذ قراراتها السيادية من موقع القوة”، مسترسلا أن “المغرب في هذا السياق شريك محوري، لأنه يعرف القارة جيدا، ويملك أدوات دبلوماسية وأمنية تجعله عنصر توازن داخل المنظومة الأفريقية.”
واعتبر الجنرال داغفين أندرسون أنه “قبل عقد من الزمن، كنا نتحدث عن تنظيمات مركزية مثل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو داعش، وكان التعامل معها يتم بشكل مباشر من خلال العمليات العسكرية. أما اليوم، فالمشهد أكثر تعقيدا، إذ لم تعد هذه التنظيمات تسيطر على أراضٍ واسعة كما في السابق؛ لكنها أصبحت أكثر مرونة وانتشارا محليا، وتعمل ضمن شبكات صغيرة تستفيد من الهشاشة السياسية والاقتصادية في بعض المناطق.”
وتابع: “لهذا السبب، فإن مقاربتنا تطورت؛ فبدلا من التركيز على المواجهة العسكرية المباشرة، نعتمد الآن على بناء القدرات المحلية، أي تمكين الدول الأفريقية من التصدي بنفسها لهذه التهديدات، إذ نعمل مع شركائنا على ثلاثة محاور رئيسية: أولها تبادل المعلومات الاستخباراتية والتقنية لأن المعرفة الدقيقة بالتهديد هي الخطوة الأولى لمواجهته، وثانيها التدريب والتأهيل، ثم أخيرا مواجهة الدوافع غير العسكرية للإرهاب، لأن الإرهاب لا ينشأ في فراغ، بل في بيئات يغيب فيها الأمل والتعليم والخدمات. ولذلك، نحن ندعم الجهود التنموية والحوكمة الرشيدة بالتعاون مع الوكالات الأميركية الأخرى وشركائنا الدوليين.”
في الإطار ذاته، شدد أندرسون على أن “المغرب يبرز كشريك استراتيجي يُقدم نموذجا ناجحا في مكافحة التطرف العنيف، عبر مقاربة تجمع بين الأمن والتنمية وإصلاح الخطاب الديني. وهذه التجربة المغربية نعتبرها مثالا يمكن أن تستفيد منه دول أخرى في المنطقة.”
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الولايات المتحدة الأميركية لا تسعى إلى وجود عسكري دائم أو موسع في القارة؛ بل تؤمن بأن الأمن الأفريقي يجب أن يُصنع بأيادٍ أفريقية”، لافتا: “لدينا اليوم أكثر من 35 شراكة عسكرية فعّالة مع دول القارة، معظمها يركّز على التدريب وبناء القدرات وليس القتال. وهذا ما يميز “أفريكوم” عن أية جهة خارجية أخرى، لأننا نحن نعمل مع الشركاء وليس بدلا عنهم”.
وأوضح داغفين أندرسون أن “أمن الممرات البحرية يمثل أحد الملفات الإستراتيجية الأكثر حساسية بالنسبة إلينا ولشركائنا الأفارقة والأوروبيين؛ فمضيق جبل طارق، على سبيل المثال، يُعتبر من أكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم، ويمثل صلة حيوية بين الأطلسي والبحر المتوسط”، لافتا إلى أن “المغرب، بحكم موقعه الجغرافي، هو الضامن الأول لاستقرار هذا المضيق من الجهة الجنوبية. ولذلك، نعمل مع عدد من الدول الأفريقية على بناء شبكة تعاون إقليمي تشمل المراقبة البحرية المشتركة وتبادل المعلومات في الوقت الفعلي.”
داغفين أندرسون: الوجود الغربي في أفريقيا لا يقاس بعدد القواعد أو الجنود، بل بمدى قوة العلاقات والتحالفات التي بنيناها على مدى عقود
كما أكد أن “المغرب هنا يلعب دورا مكمّلا ومهما، فهو يمتلك بنية تحتية بحرية حديثة، وموانئ مثل ميناء طنجة المتوسط تمثل نموذجا في الكفاءة والأمن، إضافة إلى امتلاكه لتجربة متقدمة في مراقبة السواحل، ونحن في ‘أفريكوم’ نعتبر أن تعزيز القدرات البحرية المغربية يخدم الأمن الجماعي للأطلسي الأفريقي بأكمله، ولهذا نعمل بشكل متواصل على تطوير التعاون التقني والتدريبي بين قواتنا البحرية.”
وبحث الوزير المغربي المنتدب المكلف بإدارة الدفاع عبد اللطيف لوديي، مع قائد القيادة الأميركية لأفريقيا “أفريكوم” داغفين أندرسون، بالعاصمة الرباط، تعزيز التعاون العسكري، وتشجيع الصناعة الدفاعية بالمغرب.
وجدد الطرفان “التزامهما المشترك بتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، التي تم تجسيدها من خلال خارطة الطريق للتعاون في مجال الدفاع 2020-2030، الموقعة بالرباط في أكتوبر 2020.”
وأكدا “على أهمية توطيد التعاون العسكري في مجالات جديدة، وتشجيع بروز صناعة دفاعية بالمغرب،” وفق البيان.
وعبر المسؤولان عن ارتياحهما لمتانة الروابط التي تجمع البلدين، وللمستوى المتميز للتعاون العسكري الثنائي.
ووقعت واشنطن والرباط في 2 أكتوبر 2020 اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري تمتد 10 سنوات، على هامش زيارة رسمية للمغرب أجراها وزير الدفاع الأميركي الأسبق مارك إسبر.