الجزائر تستهدف الأفراد لتمويل عجز ميزانية 2025
تعمل الحكومة الجزائرية على إعادة هندسة تمويل الميزانية العامة عبر أدوات لم تستخدمها في السابق، تتمثل في إصدار صكوك إسلامية سيادية مخصصة للأفراد، في خطوة غير مسبوقة تستهدف تعبئة المدخرات المحلية مباشرة نحو تمويل الدين العام.
الجزائر – تقترب الجزائر من طرح أول صكوك سيادية في تاريخها خلال نوفمبر المقبل، بقيمة تقارب 296 مليار دينار (2.3 مليار دولار أميركي)، في سياق جهود الدولة لتنويع مصادر تمويلها وتعزيز الأسواق المالية المحلية.
ولم تكشف وزارة المالية، منذ أن بدأ الحديث عن هذا الإصدار قبل أشهر، عن قيمته. لكن مصدرا مطلعا أعلن مساء الأحد عن هذا الرقم، والذي دعمته وثيقة حكومية رسمية اطلعت عليها وكالة رويترز.
وينظر إلى الخطوة، على نطاق واسع، على أنها أمر بالغ الأهمية لتوسيع نطاق التمويل الإسلامي في الجزائر وهدفها المتمثل في جذب الأموال من خارج القطاع المصرفي التقليدي.
وأظهرت وثيقة الوزارة أنه من المقرر أن تبدأ عملية الاكتتاب في الثاني من نوفمبر المقبل على أن تستمر لمدة شهرين.
وكانت مديرة المديونية العامة بوزارة المالية رزيقة ميقاتلي قد قالت في أواخر مايو الماضي إن إصدار الصكوك “وصل إلى مرحلة متقدمة جدا وإن استكمال العملية قبل نهاية شهر يونيو.”
وهذا التحول المالي اللافت جاء ضمن سياق اقتصادي داخلي وإقليمي يفرض على الحكومات العربية والمغاربية التفكير بمرونة أكبر في أدوات التمويل والاستدانة، لاسيما في ظل تقلب أسعار الطاقة، وتنامي الحاجة إلى تنمية مصادر الإيرادات غير النفطية.
والصكوك التي سيتم إصدارها مدعومة بأصول عقارية عمومية، وتُمنح لحامليها عوائد إيجارية سنوية بنسبة 6 في المئة، مع مدة استحقاق تمتد إلى سبع سنوات.
وعلى عكس السندات التقليدية، فإن الصكوك تمثل حصة مشاعة في أصل حقيقي أو منفعة، وهو ما يجعلها متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ويعطيها جاذبية خاصة في مجتمعات يغلب عليها الطابع المحافظ دينيًا.
واللافت في الإصدار أن الاكتتاب محصور على الأفراد فقط، سواء المقيمون أو المغتربون، بينما تم استبعاد المستثمرين الأجانب في هذه المرحلة الأولى، في إشارة واضحة إلى أن الهدف الأساسي هو استقطاب السيولة المحلية وربطها بمشاريع تنموية.
ورغم أهمية هذه الخطوة سيعتمد نجاحها الكامل على عدد من العوامل، أبرزها مستوى الثقة في المؤسسات، والشفافية في إدارة أموال الصكوك، والقدرة على تطوير بيئة قانونية وتنظيمية متكاملة تُطمئن المستثمرين وتُحفّزهم على الاكتتاب.
كما يُطرح تساؤل حول إمكانية فسح المجال للمستثمرين الأجانب، خاصة من الدول الخليجية التي تمتلك خبرة عميقة في هذا النوع من التمويل، ويمكن أن تُسهم في تعميق السوق الجزائرية عبر الشراكة ونقل الخبرات.
وتم إدراج مادة ضمن ميزانية 2025، ترخص لوزارة المالية إصدار صكوك سيادية، وهو ما يسمح بمشاركة الأفراد والشركات في تمويل المنشآت والتجهيزات العمومية ذات الطابع التجاري.
وتقدر الحكومة العجز المالي بنحو 62 مليار دولار وسط توقعات بتحقيق إيرادات قد تصل إلى 64 مليار دولار مقابل نفقات تبلغ حوالي 126 مليار دولار.
2.3
مليار دولار قيمة الصكوك السيادية التي تستثني المستثمرين الأجانب في هذه المرحلة
وتجد الجزائر نفسها في وضع أفضل قياسا بالسنوات الماضية في ظل ارتفاع عائدات الطاقة بفضل الأسعار المرتفعة، لكنها في الوقت ذاته تواجه تحديا كبيرا وصعبا يتمثل في تجنب إهدار هذه الفرصة للنهوض باقتصادها حتى ينعكس ذلك على الناس.
وتتبنى السلطات سياسة دعم وتخفيض أسعار الطاقة والغذاء بهدف المحافظة على القدرة الشرائية وتخصّص ميزانية كبيرة لدعم الأسعار، والدعم النقدي للأفراد والشركات الحكومية، ودعم التعليم والصحة وبرامج السكن، وفق بيانات رسمية.
ولعقود ظل اقتصاد البلد العضو في منظمة أوبك وتحالف أوبك+ يشكو من أزمة هيكلية مزمنة جراء ارتباطه العضوي بالصناعة النفطية، والتي تشكل العمود الفقري للنمو، ما جعل الحكومات المتعاقبة تضيع الكثير من الفرص لتنويع مصادر الدخل.
وتعتمد الحكومة على مبيعات النفط والغاز في تحصيل 90 في المئة من إيراداتها من العملة الأجنبية، التي تقلصت بشكل واضح خلال العامين الأخيرين.
وتظهر الحصيلة السنوية للبنك المركزي انخفاض إيرادات الطاقة بنهاية 2024، للعام الثاني تواليا، بواقع 10 في المئة، بما يعادل 5 مليارات دولار، متأثرةً بتراجع الأسعار عالميًا وهبوط في حجم الإنتاج.
وبلغت قيمة الصادرات في العام الماضي نحو 45.23 مليار دولار، متراجعة من 50.49 مليار دولار المسجلة خلال العام السابق.
وسبق أن أكد وزير المالية السابق لعزيز فايد أن الطرح سيسمح بدمج البنوك الإسلامية في سوق الدين العام والاستفادة من مستثمريه. وقال إن الصكوك “تشكل أداة لتنويع مصادر تمويل الاستثمارات العمومية.”

وذكر أنها تسهم “في امتصاص الأموال المكتنزة واستقطاب أكبر شريحة ممكنة من المستثمرين إلى جانب مستثمري سوق سندات الخزينة وتمويل المشاريع الهيكلية والبنية التحتية دون الحاجة إلى زيادة الديون التقليدية أو حتى اللجوء إلى تغيير النظام الضريبي.”
ومع مطلع 2021 بدأت البنوك المحلية مرحلة محاصرة الأموال الموازية، وذلك بالمراهنة على الصيرفة الإسلامية لدعم الإيرادات والاستحواذ على حصة من السيولة المالية التي تدخل القنوات الرسمية.
ويبلغ الدين العام حاليا نحو 46 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة لا تُعد مرتفعة مقارنة بالمعدلات العالمية، لكنها تستدعي الحذر وإدارة متوازنة، خاصة وأن معظم الدين داخلي ولا يزال القطاع المالي المحلي محدوداً من حيث العمق والسيولة.
وتشير البيانات إلى أن الديون الخارجية بلغ متوسط قيمتها 4 مليارات دولار منذ عام 2007 حتى نهاية العام الماضي.
وقد وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في الربع الثالث من عام 2010 عند نحو 5.85 مليار دولار، لتتراجع إلى أدنى مستوى قياسي قدره 2.9 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2022.
ويقدر الناتج المحلي الإجمالي للجزائر بنحو 270 مليار دولار في عام 2025، ومن المتوقع أن تحقق البلاد نمواً اقتصادياً في حدود 4.5 في المئة وهو مستوى جيد نسبياً، خصوصاً إذا أُخذ في الاعتبار السياق الدولي الصعب وارتفاع الفائدة في الأسواق العالمية. كما تشير المؤشرات إلى نمو قوي للأنشطة غير النفطية بنسبة تقارب 5 في المئة، وهو ما يُظهر تحسنا في تنويع الاقتصاد.