التكاليف الباهظة تدفع تركيا إلى تعليق حماية الودائع
يراقب المحللون تحركات السلطات التركية بشأن تعليق برنامج الودائع المدعومة بالعملات الأجنبية بشكل نهائي بعد خمس سنوات من إطلاقها، في محاولة للتصدي للضغوط المسلطة على الليرة بسبب الأوضاع المتقلبة نتيجة سياسات مرتبكة وعدم قدرة الاقتصاد على احتواء الصدمات الخارجية.
أنقرة - توشك تركيا على إنهاء برنامج حماية الودائع من انخفاض قيمة الليرة (كي.كي.أم)، والذي يُقدر أنه كلف مليارات الدولارات، في خطوة أخرى للتخلي عن السياسات الاقتصادية غير التقليدية التي تسببت في أزمة الليرة قبل عدة سنوات.
ووفقًا لحسابات رويترز المستندة إلى تقارير المركزي وبيانات الميزانية، تُقدّر الكلفة الإجمالية التي تتكبدها الدولة من البرنامج بنحو 60 مليار دولار حتى نهاية عام 2024، ما يجعلها أحد أغلى الإجراءات التنظيمية في تاريخ تركيا الاقتصادي الحديث.
وتأتي هذه الخطوة بينما واصلت قيمة العملة التركية تراجعها، ولكن بوتيرة أبطأ، حيث انخفضت قيمتها هذا العام بنسبة 13 في المئة ليناهز سعر صرف الدولار الأميركي 40 ليرة.
وصرح مسؤولون بأن برنامج حماية الودائع بالعملات الأجنبية، الذي طُرح قبل أربع سنوات، سينتهي بحلول نهاية عام 2025، على الرغم من اعتقاد العديد من المصرفيين أن إنهاء البرنامج قد يتم قبل ذلك.
وأطلقت الحكومة في ديسمبر 2021 البرنامج الضخم بهدف مخالفة اتجاه الدولرة في الودائع، وتعزيز قيمة العملة، التي تدحرجت بفعل الصدمات الخارجية ليتجاوز سعر صرف الدولار 30 ليرة.
وصُمّم البرنامج من أجل تشجيع المزيد من الادخار بالليرة، بدلا من العملات الأجنبية من خلال ضمان عوائد على ودائع الليرة التي تعوض أي خسائر في أسعار الصرف.
وانخفضت قيمة الودائع التي يغطيها البرنامج من ذروة بلغت 140 مليار دولار إلى 11.8 مليار دولار فقط، وهو رقم ضئيل في ظل اقتصاد تركيا البالغ 1.3 تريليون دولار. وقد سارت عملية الخروج من كي.كي.أم بوتيرة أسرع بكثير من توقعات السوق الأولية.
وبموجب البرنامج أصبح بإمكان الأفراد والشركات إيداع الليرة في حسابات خاصة محمية من خسائر سعر الصرف.
وفقدت الليرة 44 في المئة من قيمتها مقابل الدولار خلال 2021، و29 في المئة خلال 2022، و37 في المئة خلال 2023، و16 في المئة خلال العام الماضي.
وأظهرت بيانات رسمية نشرتها هيئة التنظيم والرقابة المصرفية هذا الأسبوع أن 80 في المئة من إجمالي الودائع في البنوك المحلية تتركز عند قرابة 2.2 مليون شخص وهم من الأثرياء.
وبحسب الهيئة يبلغ متوسط الودائع في غالبية الحسابات نحو 789 ليرة (32 دولارا) فقط من مجموع الودائع البالغة 17.1 تريليون ليرة (نحو 420 مليار دولار).
أما الودائع الإجمالية لنحو 16.7 مليون شخص لديهم بين 10 آلاف و50 ألف ليرة (400 و2034 دولار)، فقد بلغت 423.1 مليار ليرة (10.4 مليار دولار). وبلغت حصة هذه المجموعة من إجمالي الودائع قرابة اثنين في المئة.
وتسلط هذه الأرقام الضوء على عدم المساواة في توزيع الثروة والهشاشة الاقتصادية في تركيا، وهو ما تحاول السلطات تفنيده بين الفينة والأخرى.
وصرح وزير المالية محمد شيمشك لرويترز هذا الأسبوع بأن رصيد البرنامج قد انخفض بشكل مطرد بفضل إستراتيجية الخروج الحكومية والسياسة النقدية المتشددة.
وسيكون الجميع الآن أمام تحول جديد يتمثل في إنهاء دعم ودائع الليرة من خلال حمايتها بالعملات الأجنبية (كي.كي.أم)، بعدما فشلت محاولة الحكومة العام الماضي في تعليق البرنامج.
وكتب شيشمك في تدوينة عبر حسابه في منصة إكس مع مطلع العام الماضي يقول إن “الحكومة تخطط مع بداية 2024 للتخلي عن سياسة كانت قد اعتمدتها قبل عامين لدعم الليرة من خلال برنامج الودائع المحمية بالعملات الأجنبية.”
وتراجعت مساهمة البرنامج إلى 478 مليار ليرة (11.8 مليار دولار) من 3.4 تريليون ليرة في أغسطس 2023. وانخفضت حصته من إجمالي الودائع إلى اثنين في المئة من 26.2 في المئة.
وحتى انتخابات مايو 2023، اتّبع البنك المركزي سياسةً غير تقليدية، بدعم من الرئيس رجب طيب أردوغان، تتمثل في خفض أسعار الفائدة على الرغم من ارتفاع التضخم.
وبعد فوزه بولاية جديدة أيّد أردوغان سياسةً أكثر تقليدية، ما أدى إلى رفع أسعار الفائدة للحد من التضخم المتصاعد. ومع انخفاض التضخم إلى 33.5 في المئة من ذروته البالغة 75 في المئة العام الماضي، بدأ البنك بخفض أسعار الفائدة مجددًا.
420
مليار دولار حجم الودائع في البنوك إلى حدود يوليو، وفق هيئة التنظيم والرقابة المصرفية
وفي العام الماضي أنهت تركيا سياسات مماثلة أخرى، بما في ذلك قاعدة تُجبر البنوك على شراء السندات الحكومية، ما أنهى فعليًا سيطرة الدولة على سوق السندات. وفي وقت سابق من هذا العام تم إيقاف فتح وتجديد حسابات برنامج حماية الودائع للشركات.
ولأن عائد حسابات البرنامج مُحدد بنسبة 40 في المئة من سعر الفائدة الرسمي، فقد توقفت منذ فترة طويلة عن تقديم بديل فعال للودائع بالليرة العادية.
ومع استحقاق حسابات البرنامج المتبقية التي يحتفظ بها الأفراد، من المتوقع صدور لائحة نهائية تحظر فتح وتجديد حسابات جديدة، وهو ما يُكمل التخلص التدريجي من النظام.
وقبل أسبوعين نفذ المركزي أول خفض كبير في أسعار الفائدة إلى 43 في المئة منذ مارس الماضي، مستأنفاً دورة التيسير النقدي التي توقفت بسبب أزمة سياسية نجمت عن اعتقال شخصية معارضة بارزة.
وتشير الخطوة إلى أن صنّاع السياسة النقدية بقيادة المحافظ فاتح كراهان يرون أن الأسواق المحلية قد هدأت بعد موجة بيع واحتجاجات واسعة أعقبت اعتقال أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول وأبرز خصوم أردوغان.
ومنذ ذلك الحين أبدى البنك المركزي حذراً من احتمالات تدهور سعر العملة، فرفع سعر الفائدة الأساسي إلى 46 في المئة من 42.5 في المئة في أبريل. وشهدت الأسواق التركية انتعاشاً في الأسابيع الأخيرة، مع صعود كل من الأسهم والسندات المقومة بالعملة المحلية.
ولا تزال الأصول التركية عرضة للتقلبات نتيجة استمرار المخاطر السياسية، بما في ذلك عزل زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزال من منصبه. كما يواجه إمام أوغلو سلسلة من القضايا القضائية التي قد تثير المزيد من الاضطرابات.