البنوك السعودية في تقاطع ارتفاع الإقراض وشح السيولة

اتجاه مكثف لمؤسسات القطاع المصرفي لإصدار المزيد من أدوات الدين مع قرب خفض أسعار الفائدة.
الخميس 2025/08/28
تحققوا من أموالكم قبل مغادرة البنك

تشهد البنوك السعودية مرحلة دقيقة تتقاطع فيها وتيرة الإقراض المرتفعة مع تحديات شح السيولة، في ظل بيئة متغيرة وضغوط تمويلية متزايدة. وبينما تسعى إلى المساهمة بثبات في مشاريع رؤية 2030، يفرض تقلص أرصدتها قيودا على قدرتها على التوسع الائتماني.

الرياض - تستمر وضعية القطاع المصرفي السعودي ضمن حدود البحث عن نقطة التوازن خاصة وأن البنوك تجد نفسها في تقاطع ارتفاع مستوى الإقراض وشح السيولة الذي يدفعها إلى تحصيل تمويلات جديدة لإنجاز أعمالها والوفاء بالتزاماتها.

وواصل الائتمان المصرفي الممنوح للقطاعين العام والخاص سلسلة ارتفاعاته، ليسجل أعلى مستوياته بنهاية يونيو الماضي بإجمالي بلغ 3.18 مليار ريال (850 مليون دولار) وبنمو بلغ 15.8 في المئة على أساس سنوي.

وأوضحت النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن البنك المركزي السعودي لشهر يونيو، أن إجمالي الائتمان المصرفي حقق كذلك نموا فصليا بنهاية الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 2.7 في المئة بزيادة قدرها 22.43 مليون دولار.

كما سجل نموا شهريا بواقع 0.6 في المئة بزيادة بلغت نحو خمسة ملايين دولار مقارنةً بشهر مايو الماضي، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء السعودية الرسمية الأربعاء.

وبيّنت النشرة أن الائتمان المصرفي الممنوح للقطاعين العام والخاص توزّع على أنشطة اقتصادية متنوعة، بما يدعم تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام، ويسهم في تنفيذ مستهدفات رؤية 2030.

وأظهرت البيانات أن الائتمان المصرفي طويل الأجل والمحدد بأكثر من ثلاث سنوات استحوذ على نسبة 48.8 في المئة من إجمالي الائتمان المصرفي بقيمة بلغت نحو 410 ملايين دولار بنهاية يونيو.

هشام العياص: الإقبال على سندات البنوك يعكس ثقة المستثمرين
هشام العياص: الإقبال على سندات البنوك يعكس ثقة المستثمرين

في المقابل بلغت نسبة الائتمان قصير الأجل والمحدد بأقل من سنة حوالي 35.8 في المئة بقيمة تقترب من 300 مليون دولار، في حين شكّل الائتمان متوسط الأجل الذي يتراوح من سنة إلى 3 سنوات نحو 15.4 في المئة من الإجمالي بقيمة 130.5 مليون دولار.

ويأتي الإعلان عن هذه الإحصائيات في وقت تكثف فيه البنوك السعودية إصداراتها من أدوات الدين خلال الربع الثالث من 2025، فيما تستعد الأسواق لاحتمال خفض أسعار الفائدة الأميركية.

وتصدر البنك السعودي – الفرنسي، المملوك أغلبه للملياردير الأمير الوليد بن طلال من خلال شركته المملكة القابضة، الموجة الأحدث بإصدار سندات بقيمة مليار دولار.

وتزامن ذلك مع بدء كل من البنك السعودي الأول ومصرف الإنماء تحركات مشابهة لإصدار أدوات دين بالدولار، لم يُعلن بعد عن تفاصيلها. ومع الإصدار الأخير من البنك السعودي – الفرنسي، ترتفع حصيلة أدوات الدين المصدرة من البنوك المدرجة في السوق السعودية منذ مطلع 2025 إلى 11.4 مليار دولار، لتتجاوز كامل إصدارات عام 2024 البالغة 9.5 مليار دولار.

وتوزعت الإصدارات بين صكوك وسندات، وبعملات متعددة من الريال السعودي إلى الدولار الأميركي، عبر 15 إصدارا حتى الآن.

وتصدر البنك السعودي – الفرنسي القائمة بجمع 2.4 مليار دولار، يليه بنك الرياض الذي يمتلك فيه صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادية) حصة 21.7 في المئة بإجمالي إصدارات بلغ 1.78 مليار دولار.

ويأتي بعدهما البنك الأهلي السعودي، أكبر بنوك البلد الخليجي من حيث الأصول، والذي يملك فيه الصندوق السيادي حصة تقارب 37.2 في المئة.

ويرى هشام العياص، كبير المحللين الماليين لدى بلومبيرغ الشرق، أن هذا النشاط المتسارع يعكس توقعات السوق بخفض مرتقب للفائدة من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والذي “تم تسعيره فعليا في الأسواق بنسبة كبيرة”.

ويقول المستثمرون إن هناك احتمالية بنسبة 85 في المئة تقريبا بأن يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة في سبتمبر المقبل، بناءً على مقايضات مرتبطة بمواعيد اجتماعات السياسة النقدية.

وعلى الرغم من أن هذه النسبة انخفضت عن ذروتها البالغة 90 في المئة مطلع هذا الشهر، فإنها كانت نحو 40 في المئة فقط قبل نشر بيانات التوظيف الضعيفة.

ويؤكد العياص أن الإقبال على الإصدارات السعودية في السوقين المحلي والعالمي وخصوصا من البنوك ذات التصنيف الائتماني الجيد، يعكس ثقة المستثمرين واستعدادهم لتمويل أدوات دين سعودية في ظل عوائد مغرية مقارنة بتراجع المخاطر.

850

مليون دولار حجم الائتمان الممنوح في يونيو بنمو قدره 15.8 في المئة على أساس سنوي

ورغم فورة إصدارات هذا العام، لا تزال البنوك تعاني من فجوة، إذ تظهر بيانات البنك المركزي السعودي أن صافي الأصول الأجنبية للبنوك بلغ سالب 123.5 مليار ريال بنهاية يونيو الماضي، مواصلا تسجيل عجز للشهر الثاني عشر على التوالي.

ويثير هذا الوضع تساؤلات حول استدامة هذه الوتيرة من التوسع في الاقتراض الخارجي، لاسيما في ظل التزامات مستقبلية لتمويل مشاريع البنية التحتية والتحول الاقتصادي.

ومنذ بداية هذا العام، شهدت معظم الإصدارات توجها لافتا نحو الأسواق الدولية، حيث طرحت عدة بنوك سعودية صكوكا وسندات مقومة بالدولار، تم تسويقها لمستثمرين في الأسواق الدولية.

وبرز في معظم الإصدارات توجها لافتا نحو الأسواق الدولية، حيث طرحت عدة بنوك سعودية صكوكا وسندات مقومة بالدولار، تم تسويقها لمستثمرين في الأسواق الدولية.

وتوزعت هذه الإصدارات بين بنوك كبيرة أتمت عمليات جمع سيولة من أسواق المال العالمية خلال الأشهر الماضية. وبحسب بلومبيرغ الشرق أصدرت 8 بنوك صكوكا إسلامية وسندات مقومة بالريال والدولار تجاوزت قيمتها الإجمالية 6.4 مليار دولار.

وأظهرت بيانات نُشرت على منصة بورصة السعودية تداول، أن الإصدارات لم تقتصر على تغطية النفقات التشغيلية، بل شملت أيضا تعزيز قاعدة رأس المال والامتثال لمتطلبات بازل 3، وتضمن بعضها عناصر مرتبطة بالتمويل الأخضر مثل البنك السعودي الأول.

ولكن ما يحدث في سوق الديون يتقاطع مع صورة أوسع، فوفق بيانات البنك المركزي لشهر مارس، سجل صافي الأصول الأجنبية للبنوك عجزا بلغ 27.75 مليار دولار، وهو رقم يُعد من بين الأعلى تاريخيا، قبل أن يتراجع إلى نحو 24 مليار دولار مع نهاية أبريل.

ولم يكن شهر أبريل نهاية القصة، ففي الأسابيع التالية، وتحديدا خلال مايو، طرحت 4 بنوك أدوات دين جديدة تجاوزت قيمتها 2.45 مليار دولار.

وخلال الربع الأول من 2025 ارتفع حجم موجودات البنوك المدرجة بالبورصة مع نمو أصول كافة البنوك، وعلى رأسها البنك الأهلي كأعلى البنوك بحجم الأصول، ومصرف الراجحي الذي تخطت موجوداته لأول مرة حاجز 270 مليار دولار.

10