الانضمام إلى "آسيان" يفتح بوابة جديدة للجزائر على العالم
في خطوة إستراتيجية تعكس توجّهها نحو فتح بوابة جديدة على العالم وتجنب التوترات الإقليمية والدولية، انضمت الجزائر رسميًا إلى معاهدة الصداقة والتعاون مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، خلال قمة وزراء الخارجية في العاصمة الماليزية كوالالمبور.
الجزائر - انضمت الجزائر بشكل رسمي إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا، لتكون بذلك قد فتحت على نفسها بوابة جديدة للتعاون والصداقة، بعيدا عن تجاذبات وتوترات التكتلات الإقليمية، وتعويضا لنفسها عن انتكاسة طلب العضوية الذي رفضته مجموعة “بريكس”، الأمر الذي يكفل لها فرصة تجربة انفتاح جديدة، تتميز بالهدوء والتوسع الناعم.
ووقّعت الجزائر، على معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا، وذلك على هامش افتتاح الدورة الـ58 لاجتماع وزراء خارجية رابطة دول “آسيان” بالعاصمة الماليزية كوالالمبور. وفي كلمة ألقاها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قال “إن هذه الخطوة تعد علامة فارقة في علاقات الجزائر مع رابطة دول جنوب شرق آسيا، من خلال الانضمام إلى معاهدة تُشكل إطارا يجمع فيه من يرى في آسيان نموذجا يُحتذى به في العالم.”
وأكد على أن انضمام بلاده إلى هذه المعاهدة يفتح بعدا جديدا في العلاقات الثنائية، ويُعزز من تفاعل الجزائر مع آسيان ككتلة موحدة بات صوتها الجماعي أكثر تأثيرا على الساحة الدولية. ووصف المتحدث التكتل الآسيوي بـ”النموذج المتميز للتكامل الإقليمي، الذي يمكن أن يلهم جهودا مماثلة في مناطق أخرى من العالم، خاصة في القارة الأفريقية.”
وكانت الجزائر قد تقدمت بطلب الانضمام إلى تكتل “آسيان”، العام 2023، في سياق خطة للانفتاح على مختلف التجارب الدولية، وخيم الصمت الدبلوماسي والإعلامي على الطلب، عكس الصخب الذي رافق طلب الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، قبل أن تستقبل صدمة الرفض، رغم الثقة التي كانت تضعها فيمن تصفهم بـ”الشركاء التقليديين”، كروسيا والصين.
وأوضح الوزير الجزائري، في الكلمة التي ألقاها على هامش التوقيع على الانضمام، بأن “انخراط الجزائر في المعاهدة يستند إلى دوافع أساسية، أبرزها الإعجاب برابطة آسيان التي أثبتت من خلال نتائجها وأنشطتها، قدرة التعاون الإقليمي على إحداث التحول وتعزيز الاستقرار وتحقيق الرخاء المشترك، فضلا عن الرغبة القوية في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون مع كافة الدول الأعضاء في المنظمة.”
وشدد على التزام بلاده العميق بالمبادئ التي تقوم عليها المعاهدة، وهي “المبادئ نفسها التي يُكرّسها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وهما الركيزتان اللتان تستند إليهما السياسة الخارجية الجزائرية، والتي صقلت الهوية الدبلوماسية للجزائر، ووجهت مواقفها في المحافل الدولية.”
واستغل المتحدث الفرصة للتعبير عن قلق الجزائر العميق من تصاعد الجنوح إلى استخدام القوة، وتنامي انتهاكات القانون الدولي، وتهميش دور الأمم المتحدة، وتحويل مجلس الأمن إلى هيئة شبه مشلولة.
وأكد على أن بلاده تلتزم بالتنسيق الوثيق مع رابطة آسيان من أجل تغليب الدبلوماسية على المواجهة، وسيادة القانون على منطق القوة، وتعددية الأطراف على الأحادية، باعتبار ذلك السبيل الوحيد لتحقيق السلام والازدهار على المستوى العالمي.
◙ الجزائر كانت قد تقدمت بطلب الانضمام إلى تكتل "آسيان"، في العام 2023، للانفتاح على مختلف التجارب الدولية
ويبدو أن رئيس الدبلوماسية الجزائرية وجه رسائل طمأنة لقادة التكتل الآسيوي، حول تماهي السياسة الخارجية لبلاده ومواقفها الدبلوماسية، مع العقيدة التي أنشأت التكتل، القائم على التعاون والاحترام المتبادل والتجاذبات الإقليمية، خاصة وهي القادمة من محيط إقليمي متوتر بسبب خلافات وحسابات متقاطعة بين القوى الفاعلة.
وتربط الجزائر علاقات جهوية وإقليمية تتراوح بين القطيعة والتوتر في السنوات الأخيرة، ما وضعها في عزلة دبلوماسية غير معلنة، على غرار التوتر مع المغرب وحكومات دول الساحل وفرنسا، وقبلها إسبانيا. ولا زالت الجزائر تراهن على استتباب الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، عبر تغليب كفة المقاربة السياسية والحوار، لتفكيك أزمات المنطقة، ورصدت مبلغ مليار دولار، من أجل مساعدة حكومات أفريقية على بناء مرافق وبنى تحتية تساعد السكان على الاستقرار.
ومن جهة أخرى تدفع إلى تفعيل تكتل ثلاثي في شمال أفريقيا يتكون إلى جانبها من تونس وليبيا، وتم عقد قمتين للقادة، قبل أن تتأجل قمة ثلاثية كانت مبرمجة في طرابلس الليبية، لأسباب مجهولة، لكنها تحمل مؤشرات عن عدم تبلور الخطوة لدى صناع القرار في المنطقة.
وكان الوزير الجزائري أحمد عطاف قد شارك بكوالالمبور الماليزية في مراسم افتتاح الدورة الـ58 لاجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا، والتي عرفت حضور رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للمنظمة خلال عام 2025.
وأفاد بيان للخارجية الجزائرية بأن “أحمد عطاف التقى برئيس الوزراء الماليزي ونقل له تحيات رئيس الجمهورية، عبدالمجيد تبون، وتطلعه للعمل سويا معه من أجل توطيد التعاون بين البلدين الشقيقين، سواء على الصعيد الثنائي أو في إطار الشراكة بين الجزائر ومنظمة آسيان.” ونقل على لسان أحمد عطاف قوله "إنه لمن دواعي الفخر والسرور أن أقف أمامكم اليوم وبلادي تستكمل ترسيم انضمامها إلى معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا.”
وتابع “أتقدم بخالص امتنان بلادي لحكومة ماليزيا على استضافتها لمراسم التوقيع هذه وعلى الفرصة التي أتيحت لها لتكون جزءا من هذا الحفل الأخوي والعائلي، وأعرب عن بالغ تقديري لجميع الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا على ترحيبها بطلب الجزائر ودعم انضمامها إلى هذه المعاهدة الهامة.”
وتعمل المنظمة على تعزيز التعاون، وتسهيل التكامل الاقتصادي، والسياسي، والأمني، والعسكري، والتعليمي، والاجتماعي، والثقافي، بين أعضائه ودول منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتتكون المنظمة التي تأسست العام 1967، من: إندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وسنغافورة، وتايلاند، وجمهورية لاوس الديمقراطية الشعبية، وكمبوديا، وبروناي دار السلام، وميانمار، وفيتنام.