الاعتراضات على قانون التعليم العالي لم تحل دون مصادقة الحكومة المغربية عليه
الرباط- عبّرت النقابات والهيئات المهنية والطلبة والفاعلون السياسيون عن رفضهم القاطع لمضامين مشروع القانون المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، محذّرين من تأثيراته على الجامعة العمومية واستقلاليتها، حيث عبّرت التنسيقية الوطنية للطلبة المهندسين، واللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة، والاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والنقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي والأحياء الجامعية، المنضوية تحت لواء الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، عن استعدادها خوض برنامج احتجاجي يشمل إضرابات وطنية ووقفات خلال سبتمبر المقبل.
ورفضت هذه الهيئات بشكل قاطع المقاربة الأحادية التي صيغ وفقها مشروع القانون، داعية إلى اعتماد مقاربة تشاركية حقيقية تُشرك مختلف الفاعلين، وفي مقدمتهم الطلبة، ومطالب بحذف المواد 71 و72 و73 من القانون، باعتبارها ضمانة قانونية لحرية الطلبة في التنظيم والدفاع عن حقوقهم داخل أسوار الجامعة، ورفضها كل الصيغ المباشرة أو غير المباشرة التي تمهد لخوصصة التعليم العالي وضرب مبدأ تكافؤ الفرص.
ورغم الاعتراضات صادقت الحكومة الخميس على مشروع القانون الذي قدّمه الوزير عزالدين الميداوي، على أن يمر في مسطرة المناقشة والتصويت بالبرلمان في دورة أكتوبر المقبل، حيث أكد الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس أن الهدف هو “دعم الدور الفعال للتعليم العالي والبحث العلمي في تحقيق الأولويات الوطنية في مجال التنمية، وتعزيز الدور المركزي للقطاع في تكوين رأس المال البشري بما يتماشى مع السياسات والبرامج والمشاريع الهيكلية للبلاد“.
النص المعروض على المسطرة التشريعية يمس مبدأ استقلالية الجامعة ويفتح المجال أمام انسحاب الدولة من تمويلها لصالح القطاع الخاص والأجنبي، ما يهدد مجانية التعليم
وأوضح بايتاس أن مشروع القانون يحدد التوجهات العامة للسياسة العمومية في مجال التعليم العالي والبحث العلمي وتنظيمه، خاصة من حيث الهيكلة والحكامة والهندسة البيداغوجية وآليات التتبع والتقييم.
وأعربت التنسيقية واللجنة الوطنية والاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في بيان توصلت به “العرب”، عزمها مراسلة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ورئاسة الحكومة بهذا الخصوص، نتيجة قلقها الشديد من المستجدات المرتبطة بمشروع القانون المنظم للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وإحالته “في سباق محموم على المجلس الحكومي، في غياب إرادة سياسية حقيقية للنهوض بمنظومة التعليم العالي، ومعها غياب مقاربة تشاركية تراعي مكانة ودور الفاعلين الأساسيين من طلبة وأساتذة وموظفين”.
وعلى المستوى السياسي وجهت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، سؤالا كتابيا إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عزالدين الميداوي، بشأن مشروع القانون، واصفة إياه بأنه “يهدد مكتسبات الجامعة العمومية،” منتقدة “غياب إشراك فعلي للمكونات الجامعية الأساسية من أساتذة ونقابات وطلبة،” في إعداد المشروع، محذرة من تقليص صلاحيات المجالس المنتخبة وتفضيل منطق المقاولة على استقلالية الجامعة.
من جهتها اعتبرت النائبة البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، أن النص المعروض على المسطرة التشريعية يمس مبدأ استقلالية الجامعة ويفتح المجال أمام انسحاب الدولة من تمويلها لصالح القطاع الخاص والأجنبي، ما يهدد مجانية التعليم العالي ويخلق “جامعة برأسين”، من خلال منح مجلس الأمناء المعيَّن صلاحيات تفوق سلطات المجالس الجامعية المنتخبة، وهو ما قد يُضعف تمثيلية الطلبة والأساتذة والإداريين ويحوّل هذه المجالس إلى هياكل شكلية فاقدة للوزن.
كما نبهت في سؤال كتابي إلى وزير التعليم العالي عزالدين الميداوي إلى تغييب النقاش العمومي حول المشروع، وعدم إشراك النقابات والمكونات الجامعية، معتبرة أن تجاوز توصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يكرس التوجيه الفوقي على حساب المقاربة التشاركية، وأضافت أن المشروع يطرح أسئلة جوهرية بشأن استقلالية الجامعة، وضمان مجانية التعليم، ومستقبل حقوق الطلبة في التنظيم والدفاع عن قضاياهم، فضلاً عن وضعية الأساتذة الباحثين في ظل إمكانية استقطابهم من طرف مؤسسات التعليم الخاص.
تيار الأساتذة الباحثين التقدميين يرى أن مشروع القانون “لا يمثل إصلاحا، بل هو نكسة ديمقراطية وضربة موجعة للجامعة العمومية
وتكفل المواد 71 و72 و73 للطلبة حقهم في التنظيم داخل مؤسساتهم الجامعية، وتدبير شؤونهم الداخلية عبر هيئاتهم التمثيلية (منظمات، جمعيات، مجالس ومكاتب الطلبة…). واعتبرت الهيئات النقابية والطلابية أن التعديلات الأخيرة، رغم صدورها في ظل دستور 2011 الذي نص بشكل صريح على حرية التعبير والتنظيم والعمل الجمعوي، عمدت إلى حذف هذه المقتضيات الجوهرية في تناقض صارخ مع روح الدستور ومبادئه الضامنة للحقوق والحريات الفردية والجماعية.
ووقعت وزارة التعليم العالي منذ أقل من سنة محضر اتفاق رسمي مع المكاتب والمجالس الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة، اعترفت فيه بشرعية هذه التمثيليات ودعت الكليات إلى تضمينها في أنظمتها الداخلية، كخطوة تهدف إلى تكريس المقاربة التشاركية، وتقول الهيئات، أن المنطق والإنصاف يقتضيان تعميمه على جميع مؤسسات التعليم العالي لا محاولة دفنه وطمس ملامحه”.
وفي بلاغ توصلت به “العرب”، أكد تيار الأساتذة الباحثين التقدميين أن مشروع القانون المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي “لا يمثل إصلاحا، بل هو نكسة ديمقراطية وضربة موجعة للجامعة العمومية، كما أنه يفرغ القانون 01.00- رغم نواقصه – من روحه الإصلاحية، ويحوّل الجامعة إلى فضاء إداري تابع للوزارة، منزوع الصلاحيات الديمقراطية، ويضرب الهياكل المنتخبة (مجالس الجامعات، مجالس المؤسسات الجامعية، الشعب، والمختبرات) في العمق، ويحوّلها إلى مجرد أجهزة شكلية بلا صلاحيات، بينما يمنح سلطات مطلقة للإدارة عبر ما يسمّى “مجلس الأمناء”، وهو في حقيقته مجلس وصاية وتحكم.
وفي إطار الاعتراض على القانون، سجلت التنسيقية الوطنية للطلبة المهندسين، واللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة، والاتحاد الوطني لطلبة المغرب، أنه يفتح المجال – عبر ثغرات قانونية – أمام مقاربة خوصصة التعليم العالي، معتبرة أن هذا التوجه “يضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه دستوريا، والحق في مجانية التعليم، ويهدد الفئات العريضة من الطلبة غير القادرين على تحمل التكاليف المادية، في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة، كما يحوّل الجامعة المغربية من مؤسسة أكاديمية ذات رسالة نبيلة تحمل بعدا علميا وإنسانيا، إلى شركة تجارية محكومة بالمنطق الربحي”.