الاستثمارات الأجنبية في الصحراء المغربية: رسائل صامتة تكسر جمود النزاع
تُشكّل الاستثمارات الأجنبية المتزايدة في الأقاليم الجنوبية للمغرب محركًا رئيسيًا في إعادة تعريف مسار نزاع الصحراء. فبينما تُثير هذه المشاريع انزعاجًا كبيرًا في الصالونات المكيّفة بالجزائر العاصمة، وتدفع ميليشيا بوليساريو إلى المزيد من الأكاذيب، فإنها تُعدّ في الوقت ذاته مؤشرًا قويًا على قدرة العقل الإستراتيجي المغربي على إحداث تحوّل ملموس وجوهري في المواقف الدولية تجاه هذا الملف.
هذه التدفقات الاستثمارية لا تقتصر على كونها دليلًا على الثقة المتنامية في استقرار المنطقة وجاذبيتها الاقتصادية تحت السيادة المغربية الكاملة، بل تحمل في طياتها رسائل سياسية ودبلوماسية عميقة للمجتمع الدولي وكافة الأطراف الإقليمية الفاعلة، مؤكدةً مغربية الصحراء وسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. ومن ثم، تُفنّد هذه الاستثمارات الأراجيف الانفصالية التي تحوّلت إلى سلوك منهجي عنوانه التضليل، تحت إشراف المخابرات الجزائرية وعملائها، الذين ينتحلون صفات دبلوماسية زائفة، كالموريتاني الأصل أبي بشرايا البشير المتهم سابقًا في قضايا فساد مالي، إلى جانب عزيزة احميدة التي تشغل منصب رئيسة جمعية الشباب الصحراوي أثناء إقامتها في فرنسا في مهمة لصالح ميليشيا بوليساريو بأوروبا.
وعلى صعيد متصل، تُلقي الفضائح المتلاحقة المرتبطة بأبي بشرايا البشير بظلالٍ قاتمة على مصداقية ترافع الأطراف المحسوبة على بوليساريو، حيث تؤكد حقيقة الجبهة كتجمّع لمرتزقة وميليشيات متطرفة. وتحدثت تقارير إعلامية عن استيلائه على جزء كبير من هبة مالية قدمتها الرئاسة الجنوب أفريقية لتمويل مشاريع اجتماعية في مخيمات تندوف، من بينها بناء قاعة أولمبية مغطاة، تقول التقارير إنه حوّل نصفها إلى حسابه الخاص في بنك “كريدي سويس” بسويسرا، وادّعى أمام القيادة أنه تلقى نصف المبلغ فقط، مبررًا احتفاظه بالباقي كـ”أتعاب”. فهل يُعقل أن يقدّم رجل مشكوك في نزاهته دروسًا للعالم في حماية الثروات؟
◄ الاستثمارات تعكس رفض المغرب القاطع لأي "منطقة رمادية" بخصوص الصحراء وتُشدد على ضرورة وضوح المواقف الدولية فكل استثمار في الصحراء المغربية هو بمثابة اعتراف فعلي ومباشر بالسيادة المغربية
في هذا السياق، تمثّل الاستثمارات الأجنبية في الصحراء المغربية اعترافًا ضمنيًا بالسيادة المغربية، وهو ما يتعارض بوضوح مع مزاعم الجبهة الانفصالية حول “تقرير المصير”. إذ تقوّض هذه الاستثمارات السردية التي تحاول بوليساريو ترويجها دوليًا حول “استغلال المغرب لثروات الصحراء،” حيث إن هذه المشاريع التنموية تعود بالنفع المباشر على السكان المحليين، وتُسهم في تحسين ظروف عيشهم. ومن هذا المنطلق، تنظر ميليشيا بوليساريو إلى هذه الاستثمارات كعنصر يُرسّخ الوجود المغربي ويُعزّز الاندماج الاقتصادي للمنطقة، ما يُضعف موقفها السياسي والعسكري، ويدفعها إلى محاولات يائسة لتخويف المستثمرين وعرقلة التنمية.
هذه الاستثمارات تُعدّ مؤشرًا واضحًا على قدرة المغرب على فرض تحوّل جوهري في الموقف الدولي من ملف النزاع. وهي تعكس ثقة متزايدة من جانب الدول والشركات الأجنبية في استقرار المنطقة وجاذبيتها الاقتصادية في ظل السيادة المغربية. كما تُجسّد دعمًا عمليًا لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، الذي تقدّم به المغرب كحل جاد وواقعي وذي مصداقية. فدعم دول وازنة مثل الولايات المتحدة، إسبانيا، ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا، لهذا المقترح، يُترجم اليوم إلى شراكات اقتصادية واستثمارات حقيقية في الأقاليم الجنوبية، ما يعزّز الموقف المغربي بشكل لا لبس فيه.
ولا تقتصر هذه الاستثمارات على الجانب الاقتصادي، بل تحمل أبعادًا سياسية ودبلوماسية عميقة، إذ تبعث برسالة واضحة مفادها أن المجتمع الدولي يرى في المقترح المغربي أساسًا متينًا لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة. وهي رؤية تتجاوز الخطابات الكلاسيكية لتُترجم إلى نموذج اقتصادي متميز يجعل من الأقاليم الجنوبية جسرًا لوجستيًا عملاقًا يربط أفريقيا بالعالم.
وفي هذا الصدد، تُشكّل الاستثمارات المتدفقة على الأقاليم الجنوبية رسائل سياسية مباشرة إلى المنتظم الدولي، تؤكد فعليًا السيادة المغربية. فوجود الشركات الأجنبية واستثماراتها الكبرى في الصحراء المغربية ليس مجرد نشاط اقتصادي، بل هو اعتراف ملموس بأن المغرب يمارس سيادته الكاملة والمشروعة. كما أن هذه الاستثمارات تُفنّد أيّ ادعاءات حول عدم الاستقرار، وتُبرهن على أن الأقاليم الجنوبية تتمتع ببيئة آمنة وجاذبة للأعمال.
وتُعد هذه المشاريع التنموية الكبرى دليلًا على التزام المغرب بتحقيق التنمية المستدامة في الصحراء، وتحويلها إلى قطب اقتصادي حيوي يعود بالنفع المباشر على السكان، ويُكذّب ادعاءات “استغلال الثروات”. كما تُؤكد على صوابية الرؤية الملكية المستنيرة لتحويل المملكة إلى بوابة إستراتيجية لأفريقيا، وتعزيز دورها كمحور اقتصادي ولوجستي رئيسي في التنمية الإقليمية والدولية.
◄ التدفقات الاستثمارية تحمل في طياتها رسائل سياسية ودبلوماسية عميقة للمجتمع الدولي وكافة الأطراف الإقليمية الفاعلة، مؤكدةً مغربية الصحراء وسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية
وفي رسالة حاسمة، تعكس هذه الاستثمارات رفض المغرب القاطع لأيّ “منطقة رمادية” بخصوص الصحراء، وتُشدد على ضرورة وضوح المواقف الدولية. فكل استثمار في الصحراء المغربية هو بمثابة اعتراف فعلي ومباشر بالسيادة المغربية.
وعليه، فإن هذه الاستثمارات تُعد آلية غير مباشرة لكنها فعالة لتعزيز مغربية الصحراء على أرض الواقع. فدمج الأقاليم الجنوبية في الاقتصاد الوطني والعالمي، وتطوير بنيتها التحتية (من موانئ وطرق ومطارات ومحطات تحلية مياه ومشاريع طاقة متجددة)، وخلق فرص عمل واعدة للسكان، فضلًا عن المبادرات المغربية الإقليمية مثل تسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، وأنبوب الغاز الأطلسي، ومسلسل الرباط، ومسار القنصليات، كلها عوامل تُرسّخ الوجود المغربي بشكل ملموس وغير قابل للجدل.
هذه المشاريع لا تقتصر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل تُعزز الثقة الدولية في مستقبل الصحراء تحت السيادة المغربية، وتدفع العديد من الدول إلى اتخاذ خطوات سياسية إيجابية، والانخراط في “دبلوماسية القنصليات” عبر فتح بعثات دبلوماسية في مدن كبرى مثل العيون والداخلة.
إن التدفق المتزايد للاستثمارات الأجنبية إلى الأقاليم الجنوبية لا يمثل مجرد حراك اقتصادي، بل هو تجسيد عملي لرؤية إستراتيجية مغربية تهدف إلى تعزيز السيادة وترسيخ التنمية الشاملة. هذه المشاريع، من البنية التحتية إلى تحسين ظروف العيش، تُسهم في دمج الأقاليم الجنوبية عضويًا في الاقتصاد الوطني، وتعكس ثقة المجتمع الدولي المتنامية باستقرار المنطقة تحت السيادة المغربية، وتدعم مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي وذي مصداقية.
تُظهر هذه الاستثمارات أن المغرب تجاوز نقاش السيادة على الأقاليم الجنوبية، محولًا المنطقة إلى قطب اقتصادي ولوجستي حيوي يخدم الوطن من طنجة إلى الكويرة. هذا المسار يؤكد أن الاستثمار والتنمية هما من الأدوات الأكثر فاعلية اليوم في إرساء الحقائق على الأرض، وتفنيد الأكاذيب التي تروّجها الأطراف الانفصالية. وهو ما أكده الملك محمد السادس بقوله “الدفاع عن مغربية الصحراء يرتكز على منظور متكامل يجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للمنطقة.”