اشتباكات بغداد تكشف صراعا على النفوذ خارج سلطة الدولة
بغداد – قتل ثلاثة أشخاص بينهم شرطي الأحد في اشتباكات اندلعت بين قوات الشرطة العراقية ومقاتلين من فصيل بارز في الحشد الشعبي، أمام مبنى مديرية زراعة بغداد في تصعيد يشير إلى حجم نفوذ هذه الفصائل وسطوتها وسط معلومات تشير إلى صراع على النفوذ السياسي والاقتصادي بين جهات متنفذة.
وذكرت وزارة الداخلية العراقية أن إحدى دوائر وزارة الزراعة شهدت “حادثا خطيرا تزامن مع مباشرة مدير جديد لمهامه في الدائرة، حيث أقدمت مجموعة مسلحة على اقتحام مبنى الدائرة أثناء انعقاد اجتماع إداري”.
وأضافت أن قوات من الشرطة “سارعت إلى موقع الحادث، وتعرضت لإطلاق نار مباشر من قبل المسلحين، ما أدى إلى إصابة عدد من الضباط والمنتسبين بجروح مختلفة”.
وأظهرت مشاهد مصوّرة عددا من المركبات دون لوحات تسجيل، وهي تقل مسلحين، بعضهم يرتدي زي الحشد الشعبي وآخرون بملابس مدنية، وهم يحملون أسلحة خفيفة خلال الهجوم على مقر مديرية زراعة بغداد، قرب محطة وقود على الطريق العام الرابط بين بغداد والمناطق الجنوبية.
من جانبها، أوضحت قيادة العمليات المشتركة في بيان منفصل أن القوات الأمنية ألقت القبض على “14 متهما، ولدى تدقيق هويات الملقى القبض عليهم تبين انهم ينتمون الى … الحشد الشعبي”، مشيرة إلى أنه تم إحالتهم إلى القضاء.
وأفادت مصادر أمنية عدة بأن المسلحين ينتمون الى كتائب حزب الله، أحد أبرز الفصائل العراقية المسلحة المقربة من إيران والمنضوية في الحشد الشعبي، ويعارضون تعيين المدير الجديد في منطقة الدورة حيث يحظى الفصيل بنفوذ كبير.
وقال مسؤول أمني إن الاشتباكات أسفرت عن مقتل شرطي وإصابة آخرين بجروح. فيما ذكر مصدر أمني آخر أن مدني قتل أثناء مروره في المكان.
وأكد مصدر في كتائب حزب الله وقوع الاشتباكات، مشيرا إلى مقتل عنصر في الفصيل وإصابة ستة آخرين. وأضاف أن “الفصيل لا يسعى إلى التصعيد” و”نترك الأمر الى القضاء”.
وتناقل مدونون على منصة إكس، مقاطع فيديو تظهر حجم الاشتباك المسلح كأنه مشهد حرب شوارع، محذرين من تداعيات أخطر على السلم الأهلي، وقال محمد المعروف المنسق العام لتجمع تكاتف العراق والهيئة العراقية لإدارة العصيان المدني، في تغريدة على حسابه في اكس:
وطالب الكثير من العراقيين بالتحرك العاجل لنزع السلاح وحصره بالدولة:
وشددت وزارة الداخلية في بيانها أن “أجهزتها لن تتهاون مع أي جهة تحاول فرض الأمر الواقع بالقوة أو تهديد مؤسسات الدولة، وستواصل أداء واجبها بكل حزم لحماية الأمن والاستقرار”.
ويأتي الحادث قبل أشهر من الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر. وعادة ما تسبق الانتخابات في العراق مرحلة توتر سياسي وأمني.
ويهيمن “الإطار التنسيقي” وهو تحالف لأحزاب شيعية وتيارات تمثّل فصائل في الحشد الشعبي على مجلس النواب، ويعد الداعم الأساسي للحكومة.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر أمني تفاصيل ما جرى بالقول، إن “قوة مسلحة مؤلفة من نحو 20 عنصرا مسلحا من كتائب حزب الله اقتحمت، في تمام الساعة العاشرة صباحا، مبنى دائرة زراعة بغداد، برفقة المدير المُقال من منصبه وقامت بطرد القوة الأمنية الرسمية المكلّفة بحماية المبنى، والتي تتبع لشرطة الكرخ”.
من جانبه، أصدر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أمرا عاجلا بتشكيل لجنة تحقيق عليا برئاسة مستشاره سامي السوداني، للتحقيق في ملابسات الحادث، وتحديد الجهات الأمنية والإدارية المقصّرة في التعامل مع هذا الخرق الأمني.
تعود جذور الأزمة إلى قرار محافظ بغداد المحال إلى التقاعد، عبد المطلب العلوي، الصادر في 18 آذار مارس الماضي، بتمديد تكليف إياد كاظم علي، الموظف الفني برتبة “ملاحظ”، لإدارة مديرية الزراعة لثلاثة أشهر إضافية، رغم عدم أهليته الوظيفية لشغل المنصب، وفق النظام الإداري المعتمد.
لكن خلف هذا القرار، كما تقول مصادر سياسية وأمنية تكمن شبكة أعقد من الحسابات تتداخل فيها مصالح الفصائل المسلحة مع حسابات محلية تتعلق بالأراضي الزراعية في منطقة الدورة، جنوب العاصمة، التي يُفترض أن يمر عبرها “الطريق الحولي” المخطط له ضمن مشاريع البنى التحتية الاستراتيجية.
وربط العديد من الخبراء ما حدث بسياق أوسع من الصراع على الأراضي الزراعية والتحضيرات اللوجستية للطريق الحولي، الذي يُعد مشروعا سياديا يفترض أن يخضع لإدارة الدولة، لكنه تحول عمليا إلى ساحة لتصفية الحسابات الفصائلية.
ويأتي هذا التصعيد في وقت يشهد فيه العراق محاولات حكومية لإعادة فرض سلطة الدولة على المؤسسات، إذ أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، السبت، خلال حضوره الحفل الاستذكاري لثورة العشرين، الذي أقيم في قضاء الكفل بمحافظة بابل، إن حصر السلاح يمثل مرتكزا أساسيا لبناء دولة قوية ومهابة، مشددا على أنه ليس من حق أي جهة مصادرة هذا القرار، لافتا إلى أن توصيات وتوجيهات المرجعية الدينية تعد جزءا من البرنامج الحكومي.