ارتفاع نسب الانقطاع المدرسي في صفوف المراهقين بتونس

البلد في حاجة إلى تعزيز آليات الإبقاء على التمدرس في المرحلتين الإعدادية والثانوية خاصة لدى الذكور.
الثلاثاء 2025/09/30
النسبة تنخفض لدى الإناث

تعيش تونس منذ سنوات على وقع تصاعد مقلق لظاهرة الانقطاع المدرسي، حيث يغادر عشرات الآلاف من الطلاب مقاعد الدراسة سنويا قبل استكمال تعليمهم. وكشفت مؤشرات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء أن نسب الانقطاع والخروج من المسار التعليمي ترتفع بشكل ملحوظ مع تقدم الفئة العمرية، مبينة وجود فوارق طفيفة بين الجنسين حيث ترتفع النسبة لدى الذكور مقارنة بالإناث.

تونس- كشفت مؤشرات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في تونس أن 95.5 في المئة من الأطفال إجمالا ما زالوا مندمجين في المنظومة التعليمية، في حين أن 3.5 في المئة انقطعوا عن الدراسة و1 في المئة لم يلتحقوا بالتعليم مطلقًا.

وتتنزل هذه المؤشرات ضمن النتائج التفصيلية للتعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2024 حول وضع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و16 سنة خارج النظام التعليمي، سواء من حيث الانقطاع عن الدراسة أو عدم الالتحاق بها أساسًا.

وتُبيّن الإحصاءات وجود فوارق طفيفة بين الجنسين؛ حيث بلغت نسبة الأطفال الذكور الذين لم يلتحقوا بالتعليم مطلقًا 1.1 في المئة مقابل 0.9 في المئة لدى الإناث، بينما سجّلت نسبة الانقطاع عن الدراسة 4.8 في المئة لدى الذكور مقابل 2.1 في المئة لدى الإناث.

وترتفع نسب الانقطاع والخروج من المسار التعليمي بشكل ملحوظ مع تقدم الفئة العمرية؛ إذ لا تتجاوز 0.5 في المئة في الفئة من 6 إلى 11 سنة، لترتفع إلى 3.2 في المئة في الفئة من 6 إلى 16 سنة، وتبلغ 6.5 في المئة في الفئة المتراوحة بين 12 و16 سنة خارج التعليم أو التكوين أو الرعاية المتخصصة، وفق التصنيف الدولي.

ويعكس هذا التفاوت المتزايد مع العمر الحاجة إلى تعزيز آليات الإبقاء على التمدرس في المرحلة الإعدادية والثانوية، خاصة لدى الذكور، باعتبارهم الأكثر عرضة للانقطاع المبكر عن الدراسة.

وتعيش تونس منذ سنوات على وقع تصاعد مقلق لظاهرة الانقطاع المدرسي، حيث يغادر عشرات الآلاف من التلاميذ مقاعد الدراسة سنويا قبل استكمال تعليمهم.

ويعكس هذا النزيف المتواصل أزمة تربوية عميقة، تغذيها هشاشة السياسات التعليمية وغلاء المعيشة وتراجع القدرة الشرائية للأسر.

◄ ارتفاع نسب الانقطاع المدرسي يعكس أزمة تربوية عميقة، تغذيها هشاشة السياسات التعليمية وغلاء المعيشة وتراجع القدرة الشرائية
ارتفاع نسب الانقطاع المدرسي يعكس أزمة تربوية عميقة، تغذيها هشاشة السياسات التعليمية وغلاء المعيشة وتراجع القدرة الشرائية

والانقطاع المدرسي، أو الهدر المدرسي، هو التسرب الذي يحصل في مسيرة الطفل الدراسية التي تتوقف في مرحلة معينة دون أن يستكمل دراسته. ويشمل مفهوم الهدر المدرسي في معناه العام كل ما يعيق نجاعة العملية التعليمية – التعلمية. ويتسع مجال هذا المفهوم إلى عدد كبير من الظواهر الموجودة في المنظومة التعليمية ومنها: عدم الالتحاق بالدراسة والانقطاع المدرسي وتكرار الرسوب والرفت لأسباب تأديبية وصحية وغيرها.

وكشفت إحصائيات رسمية صادرة عن وزارة التربية التونسية أن أكثر من 100 ألف تلميذ ينقطعون سنويا عن الدراسة، وهي أرقام اعتبرها خبراء التربية والتعليم صادمة في بلد يعاني أصلا من اختلالات هيكلية في المنظومة التربوية.

وفي السنة الدراسية 2022 – 2023 بلغ عدد المنقطعين عن الدراسة نحو 108 آلاف تلميذ، أي ما يفوق 5 في المئة من مجموع التلاميذ المسجلين، وهو مؤشر خطير يعكس هشاشة المنظومة التربوية وصعوبة احتواء التلاميذ خاصة في المراحل الإعدادية والثانوية.

وجاء في دراسة بعنوان “الانقطاع المدرسي: دراسة علميّة تحليلية للنموذج التونسي” أن الانقطاع في التعليم الأساسي مر بمرحلتين، مرحلة أولى حين كان امتحان شهادة ختم التعليم الابتدائي إجباريا. ومرحلة ثانية بنظامها المعروف اليوم والتي يكون فيها الارتقاء بنسبة مرتفعة.

وما يلاحظ في التعليم الابتدائي سابقا والأساسي حاليا هو أن ظاهرة الانقطاع كانت في السبعينات والثمانينات بنسبة تتراوح بين 7 و8 في المئة خاصة بداية من السنة الرابعة مرورا بالسنة الخامسة إلى السادسة وتواصل ذلك إلى حدود 1992.

وبينت الدراسة أنه “مع نهاية التسعينات والعشرية الأولى من الألفية الثالثة بحذف مناظرة السنة السادسة خاصة، تغيرت نسبة الانقطاع المدرسي وانخفضت. وتحسنت نسبة التمدرس الكمي وللأسف كان ذلك على حساب مخرجات التعليم.” وأصبحت نسبة الانقطاع في السنوات الثلاث الأخيرة بين 0.9 و01 في المئة.

واستنتجت الدراسة من خلال المؤشرات ارتفاع نسبة التمدرس وتقلص نسب الرسوب وتقلص نسب الانقطاع المدرسي بين سن الـ6 وسن الـ16. لكن في المقابل لاحظت نتائج غير مرضية أو قريبة من المتوسط في مستوى اللغة الفرنسية والرياضيات.

كما بينت الدراسة اختلالا بين جودة الكمّ وتدنّي النوع والكيف، فبعد كسب رهان “الكم” بدليل نسبة التمدرس العالية (تفوق الـ90 في المئة في التعليم الابتدائي) أصبحت المنظومة التربوية التونسية مطالبة بكسب رهان الجودة والنجاعة بما يقتضيه هذا الرهان من تعلّم نوعي في محتوياته وفي طرائقه وفي تنظيماته.

وقالت الدراسة “حتى في سنة 2013 – 2014 لاحظنا تقلصا طفيفا لظاهرة الانقطاع إلى 10 في المئة من مجموع 460592 تلميذا في التعليم الإعدادي لكنها بقيت مرتفعة في السنة السابعة بنسبة 14 في المئة من مجموع 194224 تلميذا.”

وأضافت أن ما يلاحظ هو كثرة التلاميذ المنقطعين في سن مبكرة وبطبيعة الحال هذا يعود إلى وجود حلقة مفرغة بين التعليمين الابتدائي والثانوي وسهولة النجاح من الابتدائي إلى الثانوي (النسبة 90 في المئة سنة 2014 و100 في المئة سنة 2015).

وما يلاحظ أيضا أن عدد المنقطعين من الذكور 33357 ضعف المنقطعين من الإناث 15438. ونسبة المنقطعين في تنازل من السابعة إلى الثامنة إلى التاسعة. لكنّ الظاهرة مفزعة في السنة السابعة حيث وصل العدد إلى 27636. وتساءلت الدراسة :أين يتوجه هؤلاء؟

وأجابت “نسبة منهم للتعليم الخاص وأخرى للتكوين المهني والبقية في عمالة الأطفال وهي ظاهرة أيضا وجب التفطن لتفشيها.”

◄ نسب الانقطاع والخروج من المسار التعليمي ترتفع بشكل ملحوظ مع تقدم الفئة العمرية
نسب الانقطاع والخروج من المسار التعليمي ترتفع بشكل ملحوظ مع تقدم الفئة العمرية

وأكدت الدراسة أنه حتى في إحصائيات 2013 – 2014 بقيت نسبة التسرب تقريبا كما هي رغم التراجع الطفيف بنسبة 12.5 في المئة من مجموع 177718 تلميذا والنسبة العامة بين الإعدادي والثانوي 11.4 في المئة من مجموع 408292 تلميذا.

فنسبة الانقطاع المدرسي مرتفعة في السنة الأولى حيث وصل العدد إلى 19453، وهذا يعود أيضا إلى ضعف حلقة الربط بين التعليم الإعدادي والتعليم الثانوي وعدم تأقلم جزء كبير من التلاميذ.

ولاحظت الدراسة كذلك ارتفاع نسبة المنقطعين في صفوف الذكور، وارتفاع نسبة المنقطعين في البكالوريا: 1921 تلميذا. وسترتفع أكثر مع حذف نسبة 25 في المئة.

وتوصّلت الدراسات التي تناولت ظاهرة الانقطاع المدرسي إلى أن الانقطاع عن التعليم في تدرج من المرحلة الابتدائية إلى التعليم الثانوي حيث ارتفع من 1.2 في المئة إلى 10 في المئة حاليا. وترتفع نسبة الانقطاع في التعليم الابتدائي خاصّة لدى تلاميذ السنوات الخامسة والسادسة وفي مستوى التعليم الإعدادي تتمركز بالأساس في السابعة أساسي بنسبة 30 في المئة.

وتصل كلفة الانقطاع المدرسي سنويا إلى 345 مليون دينار أي ما يقارب 13 في المئة من ميزانية وزارة التربية.

10