إقالة مدير عام الخطوط التونسية لوقف تراجع خدماتها
تونس- أعلنت وزارة النقل التونسية السبت إقالة رئيس مجلس إدارة الخطوط التونسية بعد اضطرابات في رحلاتها خلّفت “استياء كبيرا لدى الرأي العام”، في وقت يقول فيه متابعون لنشاط الشركة إن هناك دوائر تسعى لعرقلة إصلاح المؤسسة وتحسين أدائها مثلما أعلن عن ذلك الرئيس التونسي قيس سعيد.
ورغم الحرص الذي أبداه الرئيس سعيد على إصلاح الشركة، وإسداء التعليمات لتحسين أدائها، إلا أن بعض المسؤولين لم ينجحوا في تنفيذ هذا الخيار، ما اضطر الحكومة وفي كل مرة إلى إقالة المدير العام وتعيين آخر على أمل وجود شخصية قادرة على مواجهة القوى المناوئة للإصلاح، وهي القوى التي استفادت خلال السنوات الأخيرة من حالة الفوضى داخل الخطوط التونسية لتحصيل مكاسب خاصة.
ورغم الدعم الذي دأبت الحكومة على تقديمه للشركة، إلا أن ذلك لم يؤد إلى تحسين الخدمات المقدمة للمسافرين وخاصة التحكم في ظاهرة التأخير التي أساءت لصورة الشركة.
نبيل الرابحي: تم إغراق الخطوط التونسية بالموظفين ولا بد من حلول
ويرى مراقبون أن الإقالات المتتالية لمن يتم تعيينهم في رئاسة الشركة رسالة مهمة تشير إلى أن الدولة لن تتردد في التغيير إلى أن تنجح في التحكم في الوضع كليا، وكف أيدي اللوبيات وهزيمتها حتى وإن لم تحقق نتائج سريعة.
وحث المحلل السياسي التونسي نبيل الرابحي على التوصل إلى حلول جذرية لأزمة عندها أكثر من 15 سنة. وأوضح الرابحي في تصريح لـ”العرب”، أن “الشركة تشغّل قرابة 7600 عامل وهذا رقم مفزع، أي بمعدل 400 موظّف لكل طائرة، وبالتالي لا بد من زيادة عدد الطائرات أو تسريح عدد من العمّال، أو تأسيس شركات جديدة، لأن الشركة لا يمكنها أن تستمر بهذه الوضعية.”
وتابع الرابحي “الكثافة العددية للموظفين تنجر عنها قرارات متناقضة، وقد تم إغراق الشركة بالموظفين.”
وتتعرض الخطوط الجوية التونسية منذ سنوات إلى انتقادات شديدة من العديد من المسافرين الذين يشكون من تأخير الرحلات أو إلغائها.
وأفاد المحلل السياسي التونسي خليفة الشيباني بأن “الشركة تعاني من مشاكل منذ 2011، وتفاقمت في ما بعد، والرئيس سعيد زار مطار قرطاج الدولي وتمت معاينة إخلالات العشرية السوداء، على غرار قضية الشهادات المزوّرة والرحلات المجانية لبعض الموظفين.”
وأكد الشيباني في تصريح لـ”العرب”، أن “الشركة في حاجة إلى معالجة في القريب العاجل”، لافتا أنه “تمت إقالة بعض المسؤولين التقنيين، ولكن هناك تقصير من بعض العاملين والشركة في حاجة إلى إصلاحات هيكلية.”
وتعهدت وزارة النقل بدعوة مجلس إدارة الشركة لانتخاب خلف لحبيب المكي “في أقرب الآجال لتأمين سير عمل المؤسسة على الوجه المطلوب.”
وأضافت أنها وجهت “تنبيها صارما إلى رؤساء المحطات” التابعة للخطوط الجوية التونسية حتى يقدموا أفضل رعاية للركاب المتضررين من الاضطرابات.
كما أشارت وزارة النقل إلى إجراءات جارية لمحاسبة “كل من أخلّ بواجبه”، وسيتم استبدال هؤلاء الموظفين “بمن هو أهل بتحمّل المسؤوليّة وخدمة المواطن والحفاظ على ديمومة مؤسسته.”
وأثارت شهادة نشرت مؤخرا حول رحلة من بوردو إلى تونس غادرت في اليوم التالي لموعدها المحدد جدلا واسعا على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، خصوصا مع دعوة صاحبة الشهادة إلى “اتخاذ إجراء قانوني” ضد الخطوط التونسية.
وفي المقابل، قالت وزارة النقل إنها تتابع “مآل القضايا المتعلقة بالفساد المالي والإداري الذي أدى إلى الوضعية الحالية للخطوط التونسية.”
وفي نوفمبر الماضي، أشرف الرئيس التونسي على اجتماع لمجلس الأمن القومي ناقش فيه قضايا الفساد ومن بينها ما يحصل في الخطوط التونسية.
خليفة الشيباني: الشركة في حاجة إلى معالجة في القريب العاجل
وقال قيس سعيد حينها إنه “أمر يرتقي إلى مستوى الجريمة يتحمّل مسؤوليتها ليس فقط من قاموا بالتنفيذ ولكن أيضا من خططوا لها ولغيرها في عدد من المرافق العمومية.” وأكّد أن “الواجب الوطني المقدّس يقتضي مواصلة الحرب على الفساد وليس أمامنا سوى الانتصار.”
وتعاني الشركة من ضعف الإمكانيات المالية مقابل ارتفاع كلفة شراء الطائرات أو صيانتها في وقت تسعى فيه الحكومة لإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة، وحوكمة التصرف في عائداتها.
وانعكست الأزمة بشكل مباشر على جودة الخدمات بدءا من التأخير المستمر في مواعيد الرحلات وإلغائها، مرورا بالصيانة ووصولا إلى مسألة التموين بينما تصاعد الحديث عن إمكانية بيع الشركة للقطاع الخاص.
ويعدّ برنامج إصلاح الشركة من أبرز الملفات التي تعمل الحكومة على متابعتها واستكمالها بتعليمات من الرئيس سعيد الذي أكد خلال زيارة غير معلنة إلى مطار تونس قرطاج الدولي في أبريل من العام الماضي على ضرورة أن يعود إلى الخطوط الجوية التونسية بريقها، وضرورة تطهيرها خاصة أن عمليات التدقيق أثبتت أن ما يناهز 130 موظفا وإطارا تم توظيفهم بشهادات مزورة، فضلا عن المحاباة والتوظيف بالولاء دون اعتماد الكفاءة والشهادات العلمية.
وكان قد تم إعداد برنامج إصلاح هيكلي للخطوط التونسية للتأكيد على عدم التفويت في المؤسسة، وكان يتضمن تسريح 1200 عامل بشكل طوعي سعيا لخفض الأجور. ويشمل البرنامج الإصلاحي أيضا تجديد أسطول الشركة وتحسين الخدمات. وبحسب بيانات الشركة، يبلغ عدد الموظفين فيها 3107 موظفين إلى حدود 31 ديسمبر 2023 مقابل 3193 خلال نفس الفترة من سنة 2022.
وتسلمت الشركة أواخر أغسطس 2023 الطائرة الأخيرة من طراز أيرباص أي 320 نيو، والتي تستوعب 150 مسافرا باستثناء الطاقم، ضمن برنامج لتطوير الأسطول من خلال خدمة التأجير، والذي يتضمن عقدا للحصول على 5 طائرات.
ويرى خبراء أن هناك حلولا بعيدة المدى تتلخص في تقليص عدد العمال والترفيع في رأس المال وتحسين الاستغلال وتعزيز الأسطول وتحسين خدمات وأشغال توسعة مطار تونس قرطاج الدولي.
وفي العام الماضي، تم سجن المدير العام لشركة الخطوط الجوية التونسية والكاتب العام للنقابة الداخلية للشركة بتهم فساد.