آبي أحمد يستفز مصر والسودان: السد جاهز وتعالوا نحتفل
أديس أبابا/القاهرة- حملت تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد استفزازا مبطنا لمصر والسودان بأن عرض عليهما المشاركة في الاحتفال بتدشين سد النهضة الذي أثارت مراحل إنجازه خلافات كبيرة خاصة مع مصر، مع اعتماد أسلوب ساخر طالما ردده آبي أحمد بأن تشييد السد لن يلحق أضرارا بدولتي المصب، في وقت تشير فيه التقارير إلى حجم الأضرار التي ستلحق بمصالح القاهرة والخرطوم.
وقال آبي أحمد أمام البرلمان الإثيوبي، الخميس، إن “العمل بات الآن منجزا ونستعد لتدشينه رسميا.. جيراننا عند المصب (مصر والسودان) رسالتنا واضحة: سد النهضة لا يشكّل تهديدا بل فرصة مشتركة،” داعيا كل الحكومات، وشعبي مصر والسودان، وكل شعوب حوض النيل للانضمام إلى الاحتفال بهذه المحطة التاريخية.
صلاح حليمة: كلام آبي أحمد يناقض ما يجري على أرض الواقع
وأكد آبي أحمد إنجاز العمل في مشروع سد النهضة على نهر النيل والاتجاه نحو افتتاحه في شهر سبتمبر المقبل، وأن بلاده مستعدة لاستئناف المفاوضات مع مصر والسودان بشأن الملف، مشدّدًا على أن السد لن يُلحق ضررًا بأيّ من دولتي المصب.
ويقول مراقبون إن فكرة استئناف المفاوضات في هذه الأجواء تعني القبول بالأمر والتسيلم برؤية إثيوبيا، كما أن عدم وقوع الضرر عبارة مطاطة، لأنها تخلو من تقدير حجمه وتفسيره وطبيعة تأثيره على مصالح مصر التي تعاني من فقر مائي، وربما يكون الضرر محدودا أو غير جسيم حاليا، وهذا لا يعني عدم وجوده في المستقبل أو زيادة جسامته في سنوات الجفاف التي تضرب دول حوض النيل كل بضعة أعوام.
وكشفت مراحل بناء سد النهضة عن هوة واسعة بين إثيوبيا ومصر والسودان بسبب رفض الأولى التوقيع على اتفاق مُلزم، ينظم عمليتي الملء والتشغيل، وضمان عدم الجور على حصصهما التاريخية من المياه، واحتج البلدان على المشروع بذريعة أنه يهدد إمداداتهما من مياه النيل في أيّ وقت، وطالبا إثيوبيا بوقف عمليات ملء السد إلى حين التوصل إلى اتفاق ثلاثي عبر جولات مفاوضات شهدت تعثرا لافتا.
وذكر آبي أحمد أمام البرلمان الإثيوبي أن نقطة مياه واحدة لم تنقص من السد العالي (أكبر سد في جنوب مصر) وأيّ ضرر لمصر أو السودان هو ضرر لإثيوبيا ذاتها، وأن سد النهضة سيعود بالنفع على شعوب المنطقة كافة، وأنه فرصة للتعاون الإقليمي.
وأوضح عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة أن كلام آبي أحمد “يناقض ما يجري على أرض الواقع، من حيث المضمون،” لأنه نجح بالفعل في إكمال بناء السد، لكن لم يتم تشغيله بالشكل المطلوب لوجود مشكلات فنية تسببت في عدم تركيب الجزء الأكبر من التوربينات المستخدمة في توليد الكهرباء.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مغازلته مصر والسودان في غير محلها لوجود خطر داهم يهدد الدولتين من بناء السد في فترات الجفاف والجفاف الممتد، وحال تعرض السد لهزات قد يتعرض للانهيار، حيث تشير تقارير علمية عدة إلى أن معدلات الأمان ليست جيدة للسد، وترفض إثيوبيا التوقيع على اتفاق يضمن التنسيق بين الدول الثلاث، وأفشلت الإعلان السياسي الذي وقعته مع الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل ما يقرب من عامين، وهدف للتوصل إلى اتفاق في غضون أربعة أشهر.
بدر عبدالعاطي: مصر لن تتنازل أو تتهاون في حقوقها التاريخية بمياه نهر النيل
ولفت حليمة إلى أن دعوة رئيس وزراء إثيوبيا لمصر والسودان لحضور افتتاح السد لا تعكس نوايا حقيقية، لأن عملية الملء أحدثت ضررا بمصر، وتسببت فعليا في نقص كميات المياه المتدفقة سنويا، وجاءت تكلفة التعامل مع هذا النقص باهظة للغاية، وهناك مخاوف من تعرض السد العالي للخطر، وتم تنفيذ مشروعات تحلية مياه وإعادة تدويرها في مصر، ومنع هذا الضرر يتطلب التوصل إلى اتفاق ملزم، ففي حال حدوث فيضانات كبيرة فسدود السودان ستكون معرضة لخطر الانهيار.
وتتعمد إثيوبيا التركيز على البعد التنموي للسد لإحراج مصر وتصويرها كأنها تعارض تنمية الدول الأفريقية، ما أدى إلى ذيوع رؤية أديس أبابا وعدم ممانعة مشروعها، مع إشارات خارجية داعمة لحل الخلاف بالتفاوض.
وأدى تراجع التعاطف مع رؤية القاهرة في بعض الدوائر الإقليمية والدولية إلى تشجيع إثيوبيا على مقابلة الليونة المصرية والسودانية في جولات التفاوض السابقة بالتشدد في موقفها، وزيادة جرعة الدعاية للسد في نطاق دوره في عملية توليد الكهرباء.
وفي مارس الماضي، دعا آبي أحمد إلى حوار مع مصر والسودان، وأن سد النهضة سيضمن تدفق المياه على مدار العام بعد اكتماله، كرسالة تهدئة للبلدين، وقطع الطريق على أيّ تحركات دبلوماسية قد يقومان بها استنادا إلى قاعدة وقوع الضرر عليهما، بعد تجميد المفاوضات بين الدول الثلاث والتيقن من عدم جدواها.
وأشارت تقارير مصرية إلى أن التحركات الدبلوماسية المتعلقة بملف سد النهضة لم تتوقف، على الرغم من تجميد المفاوضات، وهناك جهود تبذل لشرح الملف فنيا وسياسيا، لأن المياه قضية وجودية لمصر ومرتبطة بوجود وحياة الشعب المصري.
وقال وزير الخارجية بدر عبدالعاطي في أحد البرامج التلفزيونية المحلية قبل أيام إن أزمة سد النهضة “تمثل التهديد الوجودي الأول والأخطر للدولة، ومصر لن تتنازل أو تتهاون في حقوقها التاريخية بمياه نهر النيل تحت أيّ ظرف من الظروف.”
وأكد وزير الري المصري هاني سويلم في وقت سابق أن أيّ سد يتم إنشاؤه على مجرى النيل يؤثر على مصر، وهناك تأثيرات يمكن مواجهتها وأخرى صعبة، مشددا على أن أيّ تأثير سيحدث على مصر سيدفع الجانب الإثيوبي ثمنه في يوم من الأيام.